أيّ مستقبل ينتظر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعد الانسحاب من أفغانستان؟

يشكك كثيرون في قدرات وكالة الاستخبارات المركزية داخل أفغانستان مع غياب قوات أميركية على الأرض، وهو ما يتطلب التأقلم مع بيئة عملياتية مختلفة تماما وأكثر فوضوية، مع قلة الموارد المتاحة في الوقت ذاته.

مقاتل من طالبان يقف عند نقطة تفتيش بمدينة قندهار بعد سيطرة الحركة على أفغانستان (الأوروبية)

واشنطن- مع استكمال رحيل القوات الأميركية، تواجه وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA) تحديات جديدة في رصد ما يجري داخل أفغانستان، وتقييم حجم المخاطر التي يمكن أن تهدد المصالح الأميركية من هناك.

وقد لخص دوغ لندن المدير السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في "سي آي إيه" تلك التحديات في تغريدة له، جاء فيها: "الانسحاب الأميركي وانهيار حكومة كابل يحرمنا من فرصة الإمساك بإرهابيين وجمع المعلومات والاطلاع على خطط العمليات الإرهابية منهم، وربما في بعض الحالات يكون أهم ما يملكه الإرهابي هو ما نعثر عليه من وثائق وأوراق معه ونطلع عليها".

تقدير متشائم ومبكر

بيد أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز أكد في جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ عُقدت في أبريل/نيسان الماضي، أن وكالته لن تترك أفغانستان عندما تغادرها القوات المسلحة الأميركية، وقال: "ستحتفظ وكالة الاستخبارات المركزية بمجموعة من القدرات هناك".

ومع ذلك، أضاف بيرنز تحذيرا مهما، حينما قال "عندما يحين الوقت لانسحاب القوات الأميركية، فإن القدرة على جمع المعلومات ومعرفة التهديدات والتصرف بشأنها ستتضاءل.. هذه مجرد حقيقة".

وتقليديا، تعتمد الاستخبارات المركزية والقوات المسلحة على بعضهما بعضا في مناطق النزاعات والحروب. ويوفر الجيش الحماية التي تسمح لوكالات الاستخبارات بالعمل بحرية أكبر، في حين تقدم الاستخبارات معلومات حيوية ضرورية للتخطيط ولإدارة وتنفيذ العمليات العسكرية.

وتعود العلاقات الحديثة لوكالة الاستخبارات المركزية بأفغانستان إلى واحدة من أشهر عملياتها الناجحة في ثمانينيات القرن الماضي، عندما سلحت المجاهدين الأفغان، وهو ما ساعدهم على طرد الجيش السوفياتي. وعلى مدى الـ20 عاما الأخيرة، انتشر عناصر وكالة الاستخبارات المركزية في البلاد.

وقبل غزو أفغانستان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001، بدأت الوكالة أنشطة شبه عسكرية بالتعاون مع القوى الأفغانية المعادية لحركة لطالبان وتنظيم القاعدة، وعلى رأسها "تحالف الشمال" التابع للقائد أحمد شاه مسعود، وأصبحت الأعمال القتالية التي تقوم بها الوكالة سمة مميزة تضاف إلى أنشطتها التجسسية التقليدية.

ومكّنت علاقاتها بجماعات مختلفة من إدخال العديد من فرقها سرّا إلى أفغانستان في غضون 15 يوما، بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وكان أول أميركي قُتل في مطلع حرب الولايات المتحدة بأفغانستان عام 2001، ضابطا في وكالة الاستخبارات المركزية يُدعى جوني سبريد، وهو واحد من 18 ضابطا للوكالة لقوا حتفهم في أفغانستان خلال العقدين الماضيين.

قوات أميركية تتمركز في محيط مطار كابل قبيل انتهاء عملية الإجلاء من أفغانستان (الأوروبية)

سنوات ذهبية

في السنوات الأولى من الحرب، تمكّن ضباط وكالة الاستخبارات المركزية من التنقل بسهولة للقاء المصادر وجمع المعلومات، طبقا لما ذكره الضابط السابق بالوكالة دوغ لندن، في مقال له بموقع جست سيكيوريتي (Just Security).

يقول لندن: "كنا نستطيع الذهاب إلى أي مكان داخل أفغانستان، كنت أتجول حول كابل أو جلال آباد أو خوست، أستطيع الذهاب إلى وسط المدينة واحتساء الشاي في أي مقهى".

لكن الضابط السابق تحدث عن تغيّر ذلك في فترات لاحقة، حيث "زادت الاحتياطات الأمنية، وبدأنا نجد أنفسنا نعمل من وراء حصون ضخمة، وهذا يُعقد من المهام ويصعب من إنجازها".

من ناحية أخرى، يقول منتقدو وكالة الاستخبارات المركزية إن العمليات في أفغانستان ارتبطت بالكثير من الأخطاء الكبيرة، فالاستجوابات المسيئة للمشتبه بهم ترقى إلى مستوى التعذيب، كما أن هجمات الطائرات المسيرة أسفرت في كثير من الأحيان عن مقتل مدنيين.

أفغانستان وتغير مهام الاستخبارات

تقليديا، تسعى وكالة الاستخبارات المركزية لتحقيق 3 مهام أساسية: التجسس لجمع المعلومات الاستخبارية، وتحليل تلك المعلومات، والقيام بعمليات سرية.

وتغيّر تركيز الوكالة بصورة كبيرة عقب "هجمات 11 سبتمبر/أيلول"، كما تذكر أدبياتها وما كُتب عنها ضمن شهادات مسؤوليها السابقين.

وتُطالب أصوات عديدة الآن بضرورة تبنى وكالة الاستخبارات مهمة إعادة تشكيل نفسها بعد التجربة الأفغانية ونهايتها المريرة أميركيا.

وبينما يأمل الأميركيون بتنفس الصعداء مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، لا أحد يعرف هل ستظل إمكانيات مكافحة الإرهاب قادرة على اكتشاف التهديدات الموجّهة من أفغانستان، واستباقها وتدميرها، كما أنه لا أحد يعرف مستقبل العلاقة مع أفغانستان، وهل ستعود لاحقا مصدر تهديد للأميركيين من جديد؟

ويشكك الكثير من المعلقين في قدرات وكالة الاستخبارات المركزية داخل أفغانستان مع غياب قوات أميركية على الأرض، وهو ما يتطلب التأقلم مع بيئة عملياتية مختلفة تماما وأكثر فوضوية، مع قلة الموارد المتاحة في الوقت ذاته.

ويؤكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، أن الوكالة مستعدة للقيام بعمليات وجمع المعلومات الاستخبارية عن أفغانستان، عن بُعد.

لكنه لم يكشف، في تصريحاته العلنية القليلة، عن تفاصيل بقاء أو مغادرة وكالة الاستخبارات الأراضي الأفغانية، أو كيفية القيام بأعمال ومهام مستقبلية هناك، بينما يشير كثير من المعلقين إلى أن أنشطة الوكالة ستكون محدودة، خاصة في المناطق الخطرة خارج العاصمة كابل.

بيئة مغايرة

ومن المتوقع أن أفغانستان بعد الانسحاب العسكري الأميركي ستصبح بيئة مغايرة لما كانت عليه قبل الانسحاب، من حيث جمع المعلومات الاستخباراتية والتعامل مع العملاء المحليين والقيام ببعض المهام والأعمال القتالية بشريا أو عن طريق الطائرات المسيرة.

ومع عدم وصول سلطة حركة طالبان إلى إقليم بنجشير والمناطق الشمالية الأخرى، يتوقع بعض المراقبين أن تنخرط بعض الفئات والأعراق الأفغانية في معارضة الحركة. ولذا، فإن من السهل الاحتفاظ بوجود أميركي استخباراتي في المناطق التي تسيطر عليها بعض هذه القوميات.

ويمكن للولايات المتحدة توفير المال وأجهزة جمع المعلومات والتدريب والتوجيه، كواجهة لجمع المعلومات الاستخباراتية الخاصة بها، والاستفادة من قدراتها العسكرية.

وبسبب كل هذا، فإن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان ينقل المواجهة إلى حرب استخباراتية بالأساس، لمنع أفغانستان من التحول مرة أخرى إلى ملاذ آمن لمن يريد الإضرار بالولايات المتحدة وبمصالحها.

المصدر : الجزيرة