المغرب… انطلاق الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية في ظروف صحية استثنائية

شهدت القوانين المنظمة للانتخابات تعديلات بهدف تقوية الإجراءات المتعلقة بجعل الحملات الانتخابية أكثر أخلاقية، فيما حذر عدد من الفاعلين السياسيين من استعمال المال للضغط على الناخبين واستمالتهم

سناء القويطي/ الرباط/ البرلمان المغربي
مبنى البرلمان المغربي بالرباط (الجزيرة نت)

الرباط- انطلقت أمس الخميس الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية بالمغرب، وتعد هذه أول مرة في تاريخ البلاد تنظم فيها هذه الانتخابات في يوم واحد، حيث سيتم اختيار أعضاء مجلس النواب ومجالس الجماعات والجهات في 8 سبتمبر/أيلول المقبل.

وفي ظل حالة الطوارئ الصحية التي تشهدها البلاد، وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا. وما تفرضه من قيود بدأت الأحزاب السياسية في عرض برامجها أمام الناخبين، مع إقبال متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان الملك محمد السادس قد أكد في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب أن تنظيم الاستحقاقات المقبلة في نفس اليوم "يؤكد عمق الممارسة الديمقراطية ونضج البناء السياسي المغربي".

وأشار الملك المغربي إلى أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن، وأضاف "نؤمن بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات" بحسب ما جاء في الخطاب.

الحملة الدعائية للانتخابات تأتي في ظل ظروف استثنائية مرتبطة بجائحة كورونا (الأوروبية)

احترام الوثيقة الدستورية

ويرى أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط عباس الوردي أن تنظيم الانتخابات في وقتها رغم حالة الطوارئ الصحية التي تشهدها البلاد، دليل على أن المغرب منخرط في احترام ما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية وفي مواصلة بناء المؤسسات الديمقراطية.

وأشار الوردي في حديث مع الجزيرة نت إلى أن الانتخابات بأصنافها تمثل رهانا حقيقيا يواكب الورش الكبرى التي أطلقها المغرب ومن أهمها النموذج التنموي الجديد.

وأضاف أن الرهان معقود على هذه الانتخابات لمواصلة تنزيل اللامركزية الإدارية والجهوية المتقدمة، وتأكيد الدور الأساسي والمستقل إداريا وماليا للمجالس الجماعية والجهوية في تدبير الشأن العام.

وأشار إلى أن الحكومة التي ستفرزها نتائج الانتخابات البرلمانية لها صلاحيات واسعة فيما يتعلق بتعيين المسؤولين على رأس مجموعة من المؤسسات الإستراتيجية وبناء آليات المواكبة ووضع مبادئ ناظمة لتدبير جيد للخدمات العمومية، كما أن دستور 2011 مكّن الحكومة من تدبير شؤونها بطريقة ديمقراطية كما أفرزتها صناديق الاقتراع.

الحكومة والاختيارات الكبرى

من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، أن الانتخابات هي فرصة لتجديد النخب السياسية في المؤسسات التمثيلية مثل البرلمان والمجالس الجماعية والجهوية، لافتا إلى أهمية نسبة المشاركة في عكس الثقة في النظام السياسي والاختيارات السياسية للدولة.

وأوضح حمودي، في حديث مع الجزيرة نت، أن دور الحكومة في النظام السياسي بالمغرب يتمثل في تنفيذ الاختيارات الكبرى للدولة، السياسية والاقتصادية والتنموية.

ولفت إلى أن الانتخابات المقبلة تنظم في ظل حسم العناوين الكبرى للنموذج التنموي الذي أعدته لجنة استشارية ملكية بعد مشاورات واسعة مع الفاعلين السياسيين والمدنيين والخبراء، وأضاف "دور الحكومة هو تنفيذ الاختيارات الكبرى التي سبق الاتفاق على عناوينها".

ظروف استثنائية

وانطلقت الحملة الدعائية في ظروف استثنائية مرتبطة بالحالة الوبائية التي تشهدها البلاد بسبب جائحة كورونا، إذ قررت وزارة الداخلية وضع مجموعة من القيود والشروط لتنظيم الحملات الانتخابية.

وحسب وسائل إعلام مغربية، فقد عممت وزارة الداخلية خطابات إلى الولاة والعمال، تدعو فيها المرشحين للانتخابات بعدم توزيع المنشورات الدعائية في الشوارع أو تسليمها للمواطنين بالأيدي خلال الحملة الانتخابية، وسمحت فقط بتثبيتها وإلصاقها في أماكن عامة، كما دعتهم إلى عدم تجاوز عدد 25 شخصا في التجمعات العمومية بالفضاءات المغلقة والمفتوحة، وعدم تنظيم تجمعات انتخابية بالفضاءات المفتوحة التي تعرف الاكتظاظ، وغيرها من الإجراءات.

وأكد مصدر مطلع للجزيرة نت عقد السلطات العمومية لقاءات مع مسؤولي الحملات الانتخابية أبلغتهم فيها شفويا بالإجراءات الاحترازية المتعلقة بالتجمعات العمومية في الحملات الانتخابية، لافتا إلى أن مسؤولي الحملات لم يتوصلوا رسميا بأي منع لتداول المنشورات الورقية وتوزيعها على المواطنين.

التوجه نحو الرقمي

واعتبرت قيادات حزبية أن هذا القرار "سيخلق إشكالا في التواصل بين الأحزاب السياسية والمواطنين"، وقال نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال في ندوة صحفية إن الانتخابات تقوم على أساس العلاقة المباشرة بين الأحزاب والمواطن، وعدم تمكينهم من توزيع أوراق الانتخابات سوف يقيدهم كثيرا خلال الحملة.

وبالنسبة للمحلل السياسي إسماعيل حمودي فإن تقييد حرية الأحزاب في تنظيم الحملات الدعائية بسبب تداعيات كورونا، سيدفعها للتوجه نحو العالم الرقمي وإلى بروز حملات وندوات ومهرجانات في العالم الافتراضي، ولفت إلى أن بعض الأحزاب السياسية أنفقت أموالا طائلة للتأثير على الفضاءات الافتراضية المغربية.

وفي نظره، فإن قرار التقييد لن يكون له تأثير كبير على نسبة المشاركة، معتبرا أن تنظيم الانتخابات التشريعية والانتخابات الجماعية والجهوية في يوم واحد سيجعل نسبة المشاركة مرتفعة.

مقر مجلس مدينة الرباط
مقر مجلس مدينة الرباط (الجزيرة نت)

أخلاقيات الحملات الانتخابية

وشهدت القوانين المنظمة للانتخابات تعديلات بهدف تقوية الإجراءات المتعلقة بجعل الحملات الانتخابية أكثر أخلاقية، وإضفاء الشفافية اللازمة عليها لتحقيق شروط المنافسة الشريفة بين مختلف الفاعلين الحزبيين.

ويلزم القانون المنظم لمجلس النواب المرشحين بتبيان مصادر تمويل حملتهم الانتخابية وتبرير المصاريف الانتخابية بالوثائق المثبتة، ويجرد القانون من عضوية مجلس النواب كل نائب تجاوز السقف المحدد للمصاريف الانتخابية المحددة بقانون تنظيمي.

وتسهم الدولة في تمويل الحملات الانتخابية، وحسب قرار لرئيس الحكومة فإن المبلغ الكلي لمساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب المشاركة بانتخابات مجلس النواب حدد مبلغ 160 مليون درهم (حوالي 17 مليون دولار)، بينما حدد القرار مبلغ 180 مليون درهم في الانتخابات الجماعية والجهوية (حوالي 20 مليون دولار).

ويحذر عدد من الفاعلين السياسيين من استعمال المال للضغط على الناخبين واستمالتهم، وفي هذا الصدد أصدرت 5 أحزاب سياسية كبرى بيانا مشتركا قبل أسبوعين استنكرت فيه استمرار ما وصفتها بالممارسات المنافية للأخلاق وقواعد التنافس الشريف.

ويؤكد حمودي أن بعض الأحزاب تعوّل على المال للفوز في الانتخابات، معتبرا أن نتائج الانتخابات المقبلة ستحسم فيما إذا كان الناخبون سيرضخون لسلطة المال، وهل سيكون لهذا الأخير تأثير في رسم تشكيلة الحكومة المقبلة؟

المصدر : الجزيرة