جدل في مصر بسبب هدم قصر تاريخي في الأقصر

عمليات هدم قصر أندراوس باشا التاريخي في محافظة الأقصر جنوبي مصر (مواقع التواصل)

القاهرة- أعاد هدم "قصر أندراوس" التاريخي في محافظة الأقصر (جنوبي مصر) الجدل حول قضية حماية المباني التاريخية والتراثية المصرية إلى الواجهة، رغم كل المطالبات بالإبقاء عليه.

وأثار هدم القصر -الأحد الماضي- ضجة كبيرة وانتقادات بين المهتمين بالآثار والتراث، حزنا على مصير القصر الذي كان شاهدا على أحداث مهمة في تاريخ مصر ومحافظة الأقصر التاريخية.

بدأت الضجة بتداول صور لعمال ومعدات هدم في محيط القصر الواقع قرب معبد الأقصر، وظن البعض أنها محاولة لتنظيف ساحة القصر من المخلفات، حتى تم التأكد من أنها معدات للهدم.

عدد من المتخصصين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي رفضوا هدم القصر التاريخي، مؤكدين أن من الممكن ترميمه والحفاظ عليه، خاصة أنه يشكل جزءا كبيرا من الذاكرة القومية لمحافظة الأقصر.

التنقيب عن الآثار

وقال رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري محمد أبو سعدة -في تصريحات لموقع "اليوم السابع" المصري- إن قصر أندراوس لم يكن مسجلا من الأساس في التنسيق الحضاري، وذلك لأنه مبنى آيل للسقوط، نتيجة أعمال التنقيب غير الشرعي عن الآثار أسفل المباني، ولذلك تم صدور قرار من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط بإزالته.

مسؤول بموقع الهدم قال -في تصريحات مصورة لجريدة الوطن المصرية- إن قرار هدم القصر صدر بسبب تهالكه، وكونه آيلا للسقوط، مشيرا إلى أن السلطات قامت بفحص القصر والتحفظ على المقتنيات الموجودة فيه؛ تمهيدا لتسليمها لأصحابه.

وأشار إلى شكوى وصلت العام الماضي لمكتب محافظ الأقصر بوجود محاولة للتنقيب عن الآثار داخل القصر، كونه يقع في حرم معبد الأقصر، وأن عمليات التنقيب أثرت على سلامة المبنى، وأصبح يشكل خطورة على حرم المعبد، وهو ما أكدته لجان الفحص المتعددة.

وثائق رسمية

ونشر رئيس جهاز التنسيق الحضاري الأسبق سمير غريب -على حسابه في موقع فيسبوك- وثيقة عبارة عن الصفحة الأخيرة من اللجنة التي شكلها وزير الثقافة عام 2009، لبحث هدم القصر، والتي رفضت بالإجماع الهدم، بحضور ممثلين عن التنسيق الحضاري والآثار، وبرئاسة صابر عرب أستاذ التاريخ المعاصر ورئيس دار الكتب والوثائق وقتها.

وحسب الوثيقة، فقد أوصت اللجنة بعدم هدم المبنى لأنه يمثل قيمة تاريخية ومعمارية متميزة، بما يخضعه لمواد القانون رقم 144 لسنة 2006. كما نشر غريب أيضا الصفحة الأخيرة من مذكرة صابر عرب موقعة بخط يده، ويرفض فيها هدم القصر.

وأوضح غريب أنه "كان هناك قصران متلاصقان؛ تم هدم الأول بموجب قرار اللجنة الثالثة، وبقي القصر الثاني الذي هُدم أمس. وعندما سُئل محافظ الأقصر وقتها عن سبب عدم هدم القصر الثاني قال إنه أبقاه كنموذج للتراث المعماري في تلك الفترة".

غضب المختصين

وقالت سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة جهاز التنسيق الحضاري -في تصريحات صحفية- إن "استخدام تعبير آيل للسقوط محاولة للالتفاف على القانون الذي ينص على حماية المباني غير الآيلة للسقوط"، مشيرة إلى أن "أي مبنى يمكن ترميمه، وهناك درجات متعددة للتعامل مع المباني ذات القيمة التاريخية والطراز المعماري المتميز، ومن بينها قصر أندراوس".

المؤرخ والمرشد السياحي بسام الشماع قال -في بيان نقلته صحف مصرية- إن هدم القصر "لأي منطق أو لأي أسباب؟ ونحن في بلد الترميم التي نفخر بوجودها وبأنها تحوي آثارا عظيما".

وأوضح الشماع أن "موجة هدم الآثار لم تتوقف عند قصر أندراوس، فقبلها كان هناك تعد على قناطر أحمد بن طولون النادرة في القاهرة، التي تهدّم جزء منها، كما هدمت طابية ومسجد الفتح في أسوان، وقيل إن السبب خطأ من سائق البلدوزر، واليوم نرى هدم قصر أندراوس".

ويقود الشماع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لوقف هدم قصر أندراوس، قبل إتمام الهدم.

جدل مستمر

هدم قصر أندراوس أعاد الجدل حول التعديات المتكررة على المناطق التاريخية، إذ شهدت العديد من أحياء العاصمة المصرية عمليات لإزالة مواقع تراثية، وكذلك حدائق وأشجار، مما أثار غضبا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

عميدة كلية الآثار بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري مونيكا حنا شنت هجوما شديدا على القائمين على وزارة السياحة والآثار في مصر، وقالت -في منشور مطول لها على موقع فيسبوك- إنها شاركت عام 2009 في لجنة وطنية رفضت بالإجماع هدم القصر لقيمته التاريخية، ولأنه جزء مهم للسياق التاريخي لمدينة الأقصر، ونشرت صورة من القرار.

ذاكرة الأمة

يعود تاريخ قصر توفيق باشا أندراوس لأكثر من 120عاما، إذ أُسس عام 1897، خلف معبد الأقصر، وفي واجهة كورنيش النيل، وأصبح أحد القصور التاريخية بعد أن شهد الكثير من الأحداث السياسية المهمة والتاريخية إبان ثورة 1919، وأُطلق عليه لقب "بيت الأمة بالأقصر.

وقال مدير مكتب دراسات الصعيد بالأقصر عبد المنعم عبد العظيم إن توفيق باشا أندراوس أحد رجالات الحركة الوطنية المصرية أثناء ثورة 1919، وكان نائب الأقصر 3 دورات في مجلس الأمة، ولم تنتخب الأقصر نائبا غيره حتى وافته المنية في السادس من يناير/كانون الثاني 1935 أثناء إعداده لمؤتمر الحركة الوطنية بالصعيد، وكان أهل الأقصر يحبونه كثيرا، سواء من المسلمين أو الأقباط.

وأضاف عبد المنعم أن توفيق باع 700 فدان عقب نفي الزعيم الوطني سعد زغلول، ووضعها بخزينة الوفد للصرف على الحركة الوطنية وقتها، وفي عام 1921 شهد القصر استقبال "سعد زغلول"، كما حضرت شخصيات عدة جنازة أندراوس، منهم سكرتير حزب الوفد مكرم عبيد باشا، ووزير المواصلات توفيق دوس، ونقيب الأشراف محمد أبو الحجاج الحجاجى.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي