لهذه الأسباب.. لن يكون العراق مثل أفغانستان التي سيطرت عليها طالبان

مع انهيار الجيش الأفغاني خلال أيام وفرار رئيس البلاد أشرف غني، تُطرح العديد من التساؤلات عن الكيفية التي سيكون عليها العراق مع انسحاب القوات الأميركية المقرر قبل نهاية العام الجاري.

جانب من اللقاء الذي جمع اللجنة العراقية الأمريكية العسكرية، المعنية بتنفيذ مخرجات الحوار الاستراتيجي، أولى اجتماعاتها في بغداد السبت 5/ 6/ 2021
لقاء في بغداد قبل شهرين للجنة العراقية الأميركية العسكرية المعنية بترتيب خروج القوات الأميركية من العراق (مواقع التواصل)

في الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت أفغانستان تحولا كبيرا، أدى إلى تمكن حركة طالبان من دخول العاصمة الأفغانية كابل بدون قتال وسط انهيار تام للجيش الأفغاني الذي أنفقت الولايات المتحدة قرابة 100 مليار دولار في تدريبه وتسليحه، حسب تصريحات المسؤولين الأميركيين.

ومع انهيار حكومة أفغانستان وفرار رئيس البلاد أشرف غني، تطرح العديد من التساؤلات عن الكيفية التي سيكون عليها العراق مع انسحاب القوات الأميركية منها بناء على الاتفاق الذي أفضت إليه الجولة الرابعة من الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن قبل أسابيع.

النائب أحمد الجبوري
الجبوري: العراق يختلف بشكل جذري عن أفغانستان في بنيته السياسية والعسكرية والاجتماعية (الجزيرة نت)

المقاربة السياسية

كانت الأسباب التي استندت إليها واشنطن لغزو أفغانستان عام 2001 قريبة مما تذرعت به عند غزوها العراق، إضافة إلى ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي أثبتت الوقائع أنها كانت محض افتراء.

ورغم أن واشنطن انسحبت نهائيا من العراق عام 2011، فإن القوات الأميركية عادت عام 2014 بناء على طلب من بغداد آنذاك بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من العراق، عندما انهارت قطعات الجيش والشرطة العراقية وسيطر مسلحو التنظيم على مدينة الموصل (شمالا) بدون مقاومة تذكر.

وفي هذا الصدد، وعن احتمالية تكرار ذات السيناريو، يقول عضو مجلس النواب أحمد الجبوري إن جميع المعطيات العراقية والمقاربات بين الوضع الأفغاني لا تصح، إذ إن العراق يختلف بشكل جذري عن أفغانستان في بنيته السياسية والعسكرية والاجتماعية.

ويتابع الجبوري الذي يشغل عضو اللجنة القانونية النيابية -في حديثه للجزيرة نت- أن النظام السياسي في العراق تطور كثيرا بعد أحداث عام 2014، وبالتالي شهد العمل السياسي حالة أفضل من الناحية التكاملية بين الكتل السياسية رغم بعض المعوقات، حسب تعبيره.

حصرية - استاذ االعلوم السياسية في جامعة جيهان - مهند الجنابي
الجنابي: رغم التشابهات في الوضع بين العراق وأفغانستان فإن التفاصيل لا ترجح تكرار المشهد الأفغاني بالعراق (الجزيرة)

أما أستاذ العلوم السياسية وخبير العلاقات الدولية بجامعة جيهان في أربيل مهند الجنابي، فيرى من جانبه أنه رغم وجود كثير من التشابهات بين وضع البلدين (العراق وأفغانستان) فإن التفاصيل الدقيقة لا ترجح تكرار المشهد الأفغاني على الأراضي العراقية.

ويعلق الجنابي "الوضع العراقي ووجود إقليم كردستان وتعدد الكتل السياسية والأحزاب تجعل من الصعوبة بمكان تكرار هذه التجربة بذات الحيثية، وأن فرضية إسقاط ما يجري في كابل على ما قد يحدث في بغداد لا يمكن سياسيا وأمنيا".

ويلفت الجنابي إلى حيثية وصفها "بالمهمة والخطيرة" وهي أن نسبة السكان الطائفية في العراق تختلف عن أفغانستان، وأن الحكومات العراقية ما بعد تنظيم الدولة تعمل بصورة جادة على الانفتاح السياسي الإقليمي والدولي، فضلا عن محاولات حكومة مصطفى الكاظمي الحالية لبناء سياسة إقليمية ودولية متوازنة بين إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.

رئيس مركز التفكير السياسي د. (إحسان الشمري (الجزيرة نت)
الشمري استبعد تكرار السيناريو الأفغاني في العراق (الجزيرة نت)

صراع سياسي

ولا يخفي الجنابي تخوفه من وقوع انكسارات أمنية في العراق في حال الانسحاب الأميركي، مفصلا ذلك في احتمالية حدوث صراع بين السلاح السياسي والفصائل والحكومة، بما قد يفتح المجال لتدخلات أجنبية مباشرة في البلاد من تركيا وإيران، وبالتالي قد يهيئ ذلك الأوضاع لعودة أكثر نشاطا لتنظيم الدولة في مناطق مختلفة في البلاد بدون تكرار أحداث 2014.

ويختم الجنابي بأن الانتخابات التشريعية المبكرة قد تكون الفيصل في الوضع العراقي، خاصة أنها تتزامن من حيث التوقيت مع موعد الانسحاب الأميركي، معتبرا أن إجراء الانتخابات أو تأجيلها ستكون له تبعات سياسية وأمنية في البلاد.

وبالذهاب إلى رئيس مركز التفكير السياسي في العراق إحسان الشمري، فقد أكد أن العراق سبق أفغانستان في سيناريو انهيار القوات الأمنية وانسحابها من الموصل عام 2014، عندما استطاع تنظيم الدولة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد بسهولة وبدون أي مقاومة تذكر ووصوله إلى أطراف العاصمة بغداد ومشارف محافظات الفرات الأوسط.

إلا أن الشمري -في حديثه للجزيرة نت- يستبعد أن يتكرر هذا السيناريو مرة أخرى في العراق، معللا ذلك بأن القوات الأميركية ورغم إعلانها الانسحاب من العراق نهاية العام الحالي، فإنه يرى أن هذه القوات لن تنسحب بصورة نهائية، مما يعطي انطباعا واضحا بوجود اهتمام أميركي كبير بالعراق.

القيسي اعتبر أن القوات العراقية لديها جاهزية كبيرة تحول دون تحقق السيناريو الأفغاني (الجزيرة نت)

مقاربة عسكرية

وعن الأوضاع العسكرية في العراق ومقارنتها بالأفغانية، يرى الشمري أن القوات العراقية وبعد تمكنها من استعادة المدن العراقية من تنظيم الدولة عام 2017 استطاعت استعادت الثقة بنفسها، فضلا عن التحولات الهيكلية الإيجابية في بنية الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب ووجود رفض شعبي من مختلف الطوائف والمدن لوجود تنظيمات أصولية متطرفة، حسب تعبيره.

واستمرارا لتحليله الأوضاع العراقية، يسلط الشمري الضوء على نقطة أخرى تتمثل في أن العراق وصل لمرحلة متقدمة في الانغلاق السياسي، وأن ذلك قد يتبعه هروب المسؤولين والطبقة الحاكمة، وأن ذلك قد يكون نتيجة ثورة شعبية ضد الفساد والأحزاب الموالية لدول خارجية.

ويعلق الشمري "إن التنوع الإثني في العراق يجعل من الصعوبة على أي جهة مسلحة -مهما كانت قوتها- أن تفرض عقيدتها على بقية المكونات سواء كانوا سنة أو شيعة أو أكرادا".

في السياق ذاته، يشير مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والإستراتيجية ماجد القيسي إلى أن القوات العراقية لديها جاهزية كبيرة متمثلة بالجيش والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب.

ليس هذا فحسب، فبحسب القيسي، فإن حركة طالبان تتمتع بحاضنة شعبية كبيرة مهدت لها الطريق في السيطرة على الولايات الأفغانية بسرعة كبيرة، وهذا مخالف للوضع العراقي، خاصة أن تنظيم الدولة خسر عسكريا ومجتمعيا وباتت عملياته تعتمد حرب العصابات والتعرضات غير المؤثرة على هيكلية القوات العراقية.

وبالعودة إلى الجبوري، حيث يؤكد أن الوجود الأميركي في العراق يختلف عن أفغانستان، حيث لا يوجد أي أثر للقوات الأميركية في الشوارع والمدن العراقية، على خلاف المشهد الأفغاني الذي ظلت فيه الولايات المتحدة تقود عمليات عسكرية حتى الأشهر القليلة الماضية.

ويتسق هذا الطرح مع ما يؤكده الخبير الأمني العراقي حسن العبيدي في وصفه الخبرات العراقية العسكرية بالتراكمية سواء عن طريق القيادات العراقية التي عملت مع الجيش السابق أو الخبرات التي اكتسبها الجيش بعد حربه ضد تنظيم الدولة.

ويضيف العبيدي أن الجهد العسكري العراقي بات واضحا وأكثر جرأة واستقلالية منذ عام 2017، حيث تخطط القوات العراقية لعملياتها وتنفذها بدون الاستعانة بالقوات الأميركية، وأن الدور الأميركي طيلة السنوات الثلاث الماضية اقتصر على الدعم الاستخباراتي والطيران المسير، حسب رأيه.

داغر يرى أن الشعب العراقي بات رافضا لكل ما هو راديكالي ومتطرف (الجزيرة نت)

البعد الإستراتيجي

يختلف العراق عن أفغانستان في جميع الظروف السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية، وهو ما يؤكده القيسي، حيث يرى أنه لا تصح المقارنة بين العراق وأفغانستان، وأن الواقع الجيوسياسي العراقي أكثر أهمية من نظيره الأفغاني.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع القيسي أن الولايات المتحدة خرجت من أفغانستان بدون ترتيبات سياسية أو اتفاقية إستراتيجية رغم المباحثات مع طالبان في الدوحة، حيث لم تسفر تلك المباحثات عن تفاهمات، لافتا إلى أن العراق يرتبط مع واشنطن باتفاقية الإطار الإستراتيجي، فضلا عن امتلاك العراق ثورة نفطية هائلة يُصّدِرُ منها قرابة 4 ملايين برميل شهريا، وهو ما يجعل العراق ذا أهمية بالغة للأسواق العالمية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالتحركات الدولية السياسية والعسكرية، وهو ما لا تملكه أفغانستان.

وبالتالي، يرى أن التجربة العراقية بعد عام 2014 تطورت، وكانت درسا قاسيا استفادت منه المنظومة المجتمعية والأمنية في البلاد، معلقا "يجب أن يقرأ الدرس الأفغاني بجدية في العراق عبر حل الإشكالات السياسية والخلافات التي طال أمدها فضلا عن ضرورة السيطرة على السلاح المنفلت بالبلاد".

ويتفق هذا الطرح مع رؤية منقذ داغر، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة غالوب الأميركية للأبحاث، حيث يؤكد أن تنظيم الدولة لم يعد فاعلا كما هو حال حركة طالبان التي احتفظت بقدراتها العسكرية رغم المحاولات الأميركية لإنهائها.

وفي حديث حصري للجزيرة نت، يضيف داغر أن الشعب العراقي بات رافضا لكل ما هو راديكالي ومتطرف، وبالتالي لن ينجح أي تنظيم في فرض إرادته على العراقيين.

ويضيف أن الولايات المتحدة ومنذ نحو عامين لم يعد لديها التأثير العسكري الكبير في العراق، خاصة أن القوات الأميركية لديها عشرات القواعد العسكرية في محيط العراق، وبالتالي لن يؤثر الانسحاب الأميركي "المحدود" من العراق على رؤية واشنطن الإستراتيجية رغم استبعاده انسحابها نهائيا.

ورغم الفروقات بين العراق وأفغانستان، فإن داغر يرى أن الشبه الوحيد بين البلدين يكمن فيما وصفه "بفشل نظامي الحكم"، مفصلا ذلك بأن العراق ما لم يصحح وضعه السياسي، فإنه سيواجه فوضى قد تستغل من تنظيم الدولة أو الفصائل المسلحة، بما قد يؤدي إلى كثير من الأحداث قد يكون من بينها تقسيم البلاد، حسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة