عام على اتفاقيات أبراهام.. هل حقق التطبيع أهدافه؟

وفق تقدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، لا يزال إنشاء حلف ومحور تعاون بالشرق الأوسط لكبح نفوذ إيران في المنطقة هو التحدي والهدف الرئيس من "اتفاقيات أبراهام".

تدشين سفارة الإمارات في تل أبيب
تدشين سفارة الإمارات في تل أبيب (الجزيرة)

القدس المحتلة- يُجمع باحثون ومحللون إسرائيليون على أن "اتفاقيات إبراهيم/إبراهام" مع الإمارات ودول عربية أخرى تشكل إنجازا سياسيا هاما لتل أبيب، ويرى هؤلاء في ظل مرور عام على توقيع اتفاقيات التطبيع أن الفرصة ما تزال سانحة أمام إسرائيل لتحسين وضعها الإستراتيجي بالشرق الأوسط.

ورغم ما اعتبره الباحثون "إنجازا سياسيا" فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أن التغييرات التي أحدثتها هذه الاتفاقيات في عامها الأول كانت أقل من التقديرات التي سادت لدى توقيعها مع الجانب الإماراتي من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

ويتفق المحللون ومراكز الأبحاث الإستراتيجية في تل أبيب على أن التهديد الإقليمي المشترك الذي تشكله إيران ومشروعها النووي كان المحفّز الأساس لإبرام "اتفاقيات أبراهام" بيد أن هذا المحفز تآكل وتراجع بانتهاء عهد ترامب، والتغيير الذي حدث في سياسة خلفه جو بايدن الذي أبدى عزوفا عن تقديم الدعم الأمني والاقتصادي لسياسة التطبيع.

خلال التوقيع على اتفاقيات إبراهام في البيت الأبيض
خلال التوقيع على "اتفاقيات أبراهام" في البيت الأبيض (الجزيرة)

نتائج وإنجازات

يقول المحلل العسكري بصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل إن هدف "اتفاقيات أبراهام" الانطلاق نحو تطبيع مع دول عربية وإسلامية أخرى، وفي مقدمتها السعودية، بغية تشكيل حلف إستراتيجي جديد موال لأميركا بالشرق الأوسط، وذلك لمواجهة "المحور الشيعي" الذي تقوده إيران، وأيضا من أجل الإثبات للعالم بأن إسرائيل ليست بحاجة لإنهاء الصراع وللسلام مع الفلسطينيين من أجل تحسين علاقاتها مع دول عربية وإسلامية.

وحسب هرئيل، فإن انضمام المغرب والسودان لاحقا للتطبيع كان أبرز ما حققته الاتفاقيات، واعتبره من أهم إنجازات السياسية الخارجية الإسرائيلية خلال 12 عاما من ولاية نتنياهو.

لكن الإسرائيليين، بحسب هرئيل، لا يشعرون بالنتائج والإنجازات الإستراتيجية للتطبيع، بينما الثمار الأساسية للسلام مع الإمارات تحققت جزئيا في المجال الاقتصادي والتكنولوجي، كما وثقت العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين البلدين.

وأشار المحلل العسكري إلى أن إسرائيل كانت تراهن على أن تصبح أبو ظبي جزءا من حلف معلن ونشط بغية الحد من النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط، "لكن هذا الرهان والاعتقاد كان على ما يبدو زائفا" حيث تخشى الإمارات كما دول خليجية أخرى من اعتبار إيران "عدوا" ويُنظر إليها كدولة إقليمية تتحدى أميركا.

كما أن نشاط الإمارات بالساحة الفلسطينية، بحسب المحلل، بقي منخفضا "دون أن يحلّ المال الإماراتي محل المال والدعم القطري في قطاع غزة".

مصلحة وشرعية

وإلى جانب الحاجة إلى تعميق العلاقات القائمة بموجب "اتفاقيات أبراهام" فإن لتل أبيب -وفقا لمراكز الأبحاث الإسرائيلية- مصلحة في الاستفادة منها لتوسيع "دائرة السلام" مع المزيد من الدول العربية والإسلامية.

كما أن للإمارات والبحرين مصلحة في توسيع دائرة السلام مع تل أبيب، من أجل اكتساب الشرعية لاختيارهما خيار التطبيع، لكن هذا لوحده لا يكفي دون الدعم الأميركي الضروري أيضا لتعميق وتوسيع اتفاقيات التطبيع، بحسب هذه المراكز.

ومع ذلك، ووفقا لتقدير موقف صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، لا يزال التحدي والهدف الرئيسي من "اتفاقيات أبراهام" هو إنشاء حلف ومحور تعاون في الشرق الأوسط لكبح نفوذ إيران في المنطقة.

لذلك، فإن إسرائيل مطالبة وفقا للدراسة التي أعدها الباحثان أودي ديكل ويوؤال جوزينسكي بـ "سد الثغرات في المجال الأمني، ​​وتعزيز اتفاقيات التعاون لجني ثمار السلام، عن طريق إزالة الحواجز البيروقراطية التي تعيق تنفيذ الاتفاقيات، وتوظيف كيانات الأعمال والشركاء الخارجيين لتعزيز مبادرات الاستثمار في مشاريع البنية التحتية التي ستساهم بالازدهار".

وزير الخارجية الإسرائيلي لبيد خلال زيارته للإمارات وتشدين السفارة الإسرائيلية
وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد (الرابع من اليمين) خلال زيارة للإمارات دشن خلالها السفارة (الجزيرة)

معيقات وتحديات

واستعرض جوزينسكي وديكل المعيقات والعراقيل التي تجعل من الصعب على دول المنطقة توسيع وتعميق "اتفاقيات أبراهام" وأبرزها سياسة إدارة بايدن التي تتجه لتقليص وجود القوات الأميركية بالشرق الأوسط، وتستبعد الخيار العسكري ضد طهران، وتفضيلها العودة للاتفاق النووي، وهو ما يعزز شكوك دول خليجية، وخاصة المطبعة مع إسرائيل، من إمكانية أن تمنحها أميركا "مظلة دفاع" ضد إيران.

ويعتقد ديكل -الذي يشغل منصب مدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي- أنه بحال تم التوصل إلى اتفاق يقضي بعودة أميركا والدول العظمى للاتفاق النووي، فإن ذلك سيسمح لإيران بتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، مما يردع الدول العربية عن مواجهة مباشرة مع طهران، ويُسهم بفتور وخفض العلاقات مع إسرائيل.

من جانب آخر، يرجح ديكل أن ضعف السلطة الفلسطينية والدولة اللبنانية ينطوي على العديد من المخاطر، إذ ستجد البلدان العربية صعوبة في تعزيز اتفاقيات التطبيع مع تل أبيب في حال التصعيد والمواجهة العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك مع بيروت.

كما أن الإضرار بممرات الشحن والموانئ والمنشآت الإستراتيجية وروتين الحياة بدول "اتفاقات أبراهام" من شأنه أن يسهم بتعطيل قطار التطبيع وتعزيز تيار المقاطعة بالدول العربية الرافض للتطبيع.

ويتبنى الطرح ذاته جوزينسكي الذي يعتقد أنه من أجل تجاوز المعيقات التي تقف حجر عثرة أمام قطار التطبيع بالشرق الأوسط، فإن إسرائيل مطالبة بتسريع تطبيق اتفاقيات التعاون لتجسيد "ثمار السلام". وفي الوقت نفسه يجب على تل أبيب التقليل من مقولة إن "اتفاقيات أبراهام" تهدف في المقام الأول لمنح إسرائيل منصة للعمل العسكري ضد إيران.

مخاوف وصراع

ولضمان تثبيت اتفاقيات التطبيع، يعتقد الباحث بمركز أبحاث الأمن القومي أن إسرائيل مطالبة بتجنيد إدارة بايدن للترويج لـ "اتفاقيات أبراهام" في ظل مخاوف دول بالخليج من "التخلي" الأميركي عن المنطقة، مشيرا إلى أن الدول العربية تنظر إلى إسرائيل على أنها عامل مؤثر للغاية لدى واشنطن..

وأوضح جوزينسكي أن الحجة المركزية المقنعة لإدارة بايدن هي التحالف الجديد الذي يربط حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط، والذي من شأنه أن يساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، ويولد مقاومة ضد العوامل الإشكالية التي تديم الصراعات، ويمنح واشنطن مجالا للمرونة في معالجة القضايا الإقليمية والعالمية في وقت واحد.

لكن هذه الحجة كما يقول الباحث الإسرائيلي "قد لا تكون كافية، وإدارة بايدن ستطالب إسرائيل في المقابل بالامتناع عن خطوات أحادية الجانب تتجاوز تحقيق حل الدولتين في حلبة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

المصدر : الجزيرة