بعد أن بات الملء الثاني لسد النهضة واقعا.. الجزيرة نت ترصد استعدادات السودان لإدارة أزمة المياه

استعدادا للأضرار الناجمة عن اكتمال الملء الثاني لسد النهصة أعلنت الحكومة السودانية البدء في تنفيذ خطة طوارئ للتعامل مع أي نقص محتمل في المياه

ما تزال الخلافات بخصوص سد النهضة، الذي تشيده إثيوبيا على بعد 15 كيلومترا من الحدود السودانية بكلفة 5 مليارات دولار، وبطاقة تخزينية تقدر بنحو 74 مليار متر مكعب من المياه، قائمة بين أديس أبابا من جهة والخرطوم والقاهرة من جهة أخرى.

وتطل بصورة يومية العديد من الوساطات لتقريب وجهات النظر، من بينها الوساطة أو المبادرة الأميركية، وجهود الاتحاد الأفريقي المتواصلة بلا جدوى، في وقت تبدو فيه إثيوبيا عازمة على البدء في الملء الثاني خلال أيام قليلة، غير عابئة بالمطالبات المصرية السودانية حول المخاطر المحتملة للملء الثاني لبحيرة السد.

ويعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، جلسة طارئة لبحث تطورات الخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة والتدخل لوقف الملء الأحادي للسد، غير أن التعليقات الأولية من المندوب الفرنسي في مجلس الأمن لم تكن في صالح مصر والسودان، حيث لمح المندوب الفرنسي إلى أن المفاوضات يجب أن تكون بين الدول الثلاث فقط، وهو ما لم يرق للقاهرة.

منسوب المياه في مجرى نهر النيل بالخرطوم
منسوب المياه في مجرى نهر النيل بالخرطوم تراجع وهو ما يهدد مصالح السودان الإستراتيجية (الجزيرة)

تغير في المواقف

ولعل التشدد السوداني، أو الانقلاب في مواقف الخرطوم للنقيض من تأييد السد إلى رفضه، بحسب مراقبين وخبراء، مرده إلى الانفراد الإثيوبي بالقرار حين قامت بالملء الأول (يوليو/تموز 2020) دون إخطار السودان والتنسيق معه، وهو ما أثر على محطات المياه السودانية وأصاب بعضها بالجفاف.

وتغيرت إستراتيجية وفد التفاوض السوداني، بحسب مسؤولين، إثر غياب تبادل المعلومات عبر اتفاق مُلزم لكافة الأطراف، حتى لا يتحول السد من مشروع تنموي إلى مشروع سياسي يستخدم سلاح المياه لتغيير موازين اللعبة السياسية في الإقليم، وبالأحرى إلى مهدد أمني للسودان.

علاوة على ذلك تخطط إثيوبيا لبناء 3 سدود كبرى بخلاف سدّ النهضة، وهي سدود "كارداوبة" و"بيكو أبو" و"مندايا"، والتي تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما سرّع بتغيير السودان لمواقفه واصطفافه بصورة أكبر مع الجانب المصري.

خطط طوارئ

وفي خضم تصاعد الاتهامات بين الأطراف الثلاثة، السودان ومصر وإثيوبيا، وبدء التعبئة الثانية لسد النهضة، أعلنت الحكومة السودانية البدء في تنفيذ خطة طوارئ للتعامل مع أي نقص محتمل في المياه.

وأعلنت إدارة الخزانات بوزارة الري والموارد المائية عن حجز حوالي 600 مليون متر مكعب من المياه بخزان جبل أولياء والروصيرص، عقب انتهاء فترة تفريغ الخزان، لضمان استمرار العمل بمحطات الطلمبات على النيل الأبيض والنيل الرئيسي، وهي خطوة أولى ربما لن تكون كافية، في ظل سعي معظم دول حوض النيل لتأمين حصة أكبر من أجل التوليد الكهرومائي، والمشروعات الزراعية وغيرهما.

وقد رصدت كاميرا ‘الجزيرة نت" من خلال جولة ميدانية في منطقة خزان "جبل أولياء" جنوب الخرطوم التغيرات التي طرأت على خزان جبل أولياء، وتأمين حصة مقدرة من المياه، إلى جانب فتح الخزانات، لتنساب المياه على طول امتداد البحيرة حتى جنوب السودان.

وقال المهندس معتصم العوض مدير إدارة الخزانات بوزارة الري السودانية للجزيرة نت، إن وزارة الري عملت وفق دراسات فنية على تغيير سياسة تشغيل الخزانات، هذا العام لمقابلة تأثيرات سد النهضة المتوقعة.

سد جبل أولياء - على نهر النيل الأبيض بالسودان يقع على بعد 44 كيلومتر جنوب العاصمة الخرطوم (4)
سد جبل أولياء على نهر النيل الأبيض بالسودان يقع على بعد 44 كيلومترا جنوب العاصمة الخرطوم (الجزيرة)

وأضاف العوض أنه بالنسبة للملء الثاني لسد النهضة، فقد "اتخذت وزارة الري السودانية -عبر الدراسات الفنية- التحوطات والتدابير اللازمة لتقليل الآثار السالبة لملء سد النهضة على الخزانات والمشاريع المروية في السودان، وهي ممثلة في تغيير السياسة التشغيلية للخزانات، خصوصا خزاني الروصيرص وجبل أولياء".

وأضاف العوض أن التصريفات اليومية للنيل الأبيض تتراوح ما بين 60 إلى 70 مليون متر مكعب في اليوم من المياه، بينما هذا العام وصلت إلى 100 مليون متر مكعب في اليوم نسبة للأمطار الغزيرة على بحيرة فكتوريا والهضبة الاستوائية.

أما خزان الروصيرص فسوف يتم الإبقاء على المخزون بحوالي مليار متر مكعب من المياه خلال شهر يوليو/تموز، لمقابلة احتياجات الزراعة ومياه الشرب على النيل الأزرق، ونهر النيل.

غياب الرؤية الإستراتيجية

ويرى كثير من المختصين في السودان أن هناك حاجة لبناء إستراتيجية وطنية متفق عليها لاستثمار السودان في موارده المائية، وهو ما أكده البروفيسور محمد حسين أبو صالح أستاذ التخطيط الإستراتيجي والأمن القومي في الجامعات السودانية، حيث أوضح أن العالم يشهد زيادة مطردة في السكان، ونقصا واضحا جدا في الأراضي الزراعية، لذلك تفاقمت أزمة الغذاء في العالم مع نقص في المياه.

وقال أبو صالح إن أحد الشروط الستة المؤكدة لقيام الحروب، هو الحرب حول المياه، وهو يدفع السودان لبلورة رؤية إستراتيجية بخصوص استخدامات المياه تؤمن من خلالها احتياجات الغذاء وتنمية الموارد المائية وطرق استغلالها.

وأرجع أبو صالح الخلل في عدم قدرة السودان على الاستفادة من حصته في مياه النيل إلى عدم وجود رؤية، أو مركز لصناعة القرار، ولذلك تمت الاختراقات، على حد وصفه، لافتا إلى حاجة السودان كذلك لحصاد المياه، واعتبر أن قضية سد النقص في الغذاء العالمي لا تتم فقط بمياه النيل، وهي فقط 18 مليار متر مكعب، وإنما ثمة حاجة للمياه الجوفية، ومياه الأمطار.

وزاد أن "السودان يستقبل حوالي، 450 مليار متر مكعب من المياه، ومن خلال عمل علمي إستراتيجي يمكن أن نؤسس لـ13 نهرا جديدا مستداما، مثل خور أبو حبل، غرب السودان، وهذا تلقائيا سيحول السودان إلى سلة غذاء العالم".

فوائد سد النهضة

من جهة ثانية، يقر السودان بوجود فوائد كبيرة لسد النهضة ستستفيد منها الدولتان في حال تم الاتفاق بشكل مفصل على كل النقاط الخلافية بين الخرطوم وأديس أبابا، ويرى الأستاذ بكلية الهندسة في جامعة الخرطوم والخبير أيضا في الموارد المائية الدكتور بابكر إبراهيم برسي، عددا من الإيجابيات بخصوص سد النهضة أهمها أنه سينظم الجريان في نهر النيل الأزرق وبالتالي يمكّن السودان من استخدام حصته الفائضة التي تقدر بـ6.5 مليارات متر مكعب في السنة تذهب سنويا إلى مصر، لأن السودان لا يملك المواعين التخزينية الكافية لتخزين هذه الكمية.

ويضيف برسي، أن السد سيزيد التوليد الكهربائي في سد الروصيرص بما يقارب 50% ويزيد التوليد الكهربائي في سد مروي بنسبة 20%، وسيرفع المناسيب في النيل الأزرق وفي نهر النيل الرئيسي، وبالتالي يقلل من تكلفة الاستهلاك الكهربائي للمشاريع المروية.

ومن جهة أخرى، يبدو أن هنالك أكثر من وجهة نظر داخل السودان حيال التعامل مع تطورات تشغيل السد الإثيوبي، خاصة مع وجود انقسام في الشارع وتباين في الآراء وسط الخبراء، مع تراوح في ردود الفعل الرسمية داخل الخرطوم بين الترحيب بالسد تارة، والتخويف من مخاطره تارة أخرى، وهو ما يراه كثيرون غيابا في رؤية إستراتيجية قد تؤثر بشكل كبير على الموارد المائية للسودان، وتضر بخطط جلب استثمارات لمشروعات تؤمن مستقبل الأجيال المقبلة.

المصدر : الجزيرة