سد النهضة.. هل قبلت مصر بالواقع وتستعد لما بعد التشغيل؟

تتواصل الاستعدادات الإثيوبية للملء الثاني لسد النهضة وسط اعتراضات مصر والسودان (الجزيرة)

القاهرة- حملت الأيام الأخيرة تطورات في سياسة مصر الداخلية والخارجية تجاه التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي، بعد وصول المفاوضات مع أديس أبابا إلى طريق مسدود، وهو ما دفع البعض للخشية من أن يكون هذا السد قد تحول بالفعل إلى أمر واقع.

وخفض مجلس الأمن الدولي من سقف التوقعات قبل جلسة مقررة حول السد الخميس المقبل، بعد تلقيه طلبا من مصر والسودان لمناقشة الأزمة، وقال في بيان أمس السبت "لن يكون بمقدورنا حل مشكلة سد النهضة، لكن سندعو الدول الثلاث إلى الحضور وسنشجّعها على التفاوض".

وعلق وزير الخارجية المصرية سامح شكري على موقف مجلس الأمن، بالقول إن القاهرة تتوقع من مجلس الأمن جهدا إضافيا لدفع الأطراف لاستئناف مفاوضات سد النهضة، معتبرا أن هناك مصالح متضاربة داخل المجلس، وأن بعض أعضائه يترددون في مناقشة قضايا المياه.

وأكد شكري، في الوقت نفسه، أن لدى بلاده كل الوسائل لحماية أمنها القومي، وأن كل الوسائل متاحة لديها من أجل ذلك، على حد قوله.

وخلال افتتاح قاعدة 3 يوليو البحرية شمال البلاد أمس، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنه لا يجوز أن يستمر التفاوض مع إثيوبيا إلى ما لا نهاية.

كما استخدم مقدم الحفل العميد ياسر وهبة لغة تصعيدية احتفى بها نشطاء مواقع التواصل، حينما قال "أحيانا تأتي الرياح بما تشتهي السفن لكن على السفن ألا تأمن غضبة الرياح، ورياح جيش مصر رياح رشيدة لا تثور ولا تنتفض إلا إذا تعلق الأمر بالأمن القومي المصري والعربي، فإنها تتحول إلى أعاصير لا تبقي ولا تذر".

ورغم تصاعد اللهجة المصرية تجاه أزمة السد، لكنها لا تتجاوز حدود التصريحات، ولذلك يخشى مصريون أن تؤدي تلك التطورات إلى التعامل مع سد النهضة كأمر واقع، بعد أن فشلت كل أوراق التفاوض والضغط الإقليمي والدولي في الوصول إلى أي اتفاق، فضلا عن السياسات المصرية الداخلية التي بدأت في تفعيل بدائل لمياه النيل.

تحركات مصر بحوض النيل

بالتوازي مع التحركات الخارجية نحو مجلس الأمن وغيره، كثفت القاهرة تواصلها مع دول حوض النيل لإنشاء سدود مائية توفر لها الكهرباء، وهي الدول التي من المتوقع أن تستفيد من تشغيل سد النهضة وتوليده للكهرباء، وبالتالي شرائها من إثيوبيا.

تحركات القاهرة لتعزيز التعاون في مجالات السدود والكهرباء، ومقاربة الخطى بحسب قراءة مراقبين للمشهد، تأتي ضمن مساعيها للتعامل مع أزمة سد النهضة، وإعادة توزيع وجودها على الخريطة المائية في حوض النيل، واستمالة مواقف تلك الدول في مواجهة محاولات أديس أبابا لتغيير خارطة توزيع المياه التاريخية.

وفي هذا الصدد، انخرطت مصر في دراسة وبناء العديد من السدود لإنتاج الكهرباء في دول مثل تنزانيا وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية التي تسعى لاستكمال تنفيذ سد "إنغا" الذي يقع على أضخم منحدرات مائية في العالم، فضلا عن مساهمتها سابقا في بناء سدود في كل من السودان وأوغندا.

نكران الجميل

وفي هذا السياق، قال مستشار وزير الري المصري السابق الدكتور ضياء الدين القوصي "هذا التوجه ليس بجديد، مصر لم تدخر جهدا في بناء العديد من السدود منذ ثلاثينيات القرن الماضي وإلى اليوم سواء في أوغندا أو السودان، وساهمت في إنشاء العديد من المشروعات التنموية في دول حوض النيل".

واستدرك القوصي، في حديثه للجزيرة نت، لكن للأسف هناك نكران للجميل لكل هذه الأفضال التي قدمتها مصر للعديد من دول أفريقيا وخاصة حوض النيل، وأرجع السبب في ذلك لمحاولات إثيوبيا الدائمة إلى تشويه صورة مصر وتأليب تلك الدول عليها، حسب قوله.

وتوقع أنه رغم الدعم السخي من مصر طوال العقود الماضية سواء ماديا أو معنويا، ودورها في تحرير بعض الدول الأفريقية، وتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية، لم ولن تحصل على مقابل، مؤكدا أن مزاعم إثيوبيا بإنشاء السد لتوليد وتصدير الكهرباء محض هراء، وأنه سد وهمي للقبض على رقبة مصر، على حد وصفه.

وقبل أيام، أعلنت وزارة الموارد المائية والري توقيع بروتوكول تعاون فني مع جنوب السودان، يتضمن إعداد دراسة جدوى لإنشاء سد "واو" المتعدد الأغراض على نهر سيوي أحد فروع نهر الجور الرئيسي بحوض بحر الغزال (وهو أحد روافد نهر النيل) في دولة جنوب السودان.

وتؤكد مصر دائما أنها ليست ضد أي مجالات للتنمية في دول حوض النيل، وأنها تدعم إنشاء السدود ولكن بما يتماشى مع القوانين والأعراف الدولية، وبما لا يضر بمواردها المائية وحصتها التاريخية، إلا أنها ترى عكس ذلك في سد النهضة.

بدائل داخلية

على المستوى الداخلي، لجأت الحكومة المصرية إلى تبني خطط إستراتيجية لتوفير المياه من جهة، وتقليل الهدر وترشيد الاستهلاك من جهة أخرى، وقامت في سبيل ذلك بإنشاء محطات لتحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف.

إلى جانب استخدام أصناف جديدة من المحاصيل تستهلك كميات أقل من المياه، وتقليل مساحات زراعة الأرز والموز وقصب السكر، وهي محاصيل شرهة للمياه، واعتماد أنظمة الري الحديث بدلا من الطرق التقليدية، وتبطين آلاف الكيلومترات من الترع والقنوات الفرعية.

وفي سبيل تحقيق أكبر قدر من تنظيم وترشيد استهلاك المياه، أصدر البرلمان المصري قانون الموارد المائية والري، الذي تضمن فرض غرامات وعقوبات في بعض مواده، وتقول الحكومة أنه يهدف إلى الحفاظ على الموارد المائية وتنميتها وتحسين كفاءة الري.

ورغم أهمية تلك الخطوات في تعظيم الاستفادة من المياه، إلا أنها، وفق خبراء ومختصين، مرتفعة التكلفة وتحمل المواطنين أعباء مالية كبيرة، ولا تعوض النقص المحتمل في تدفقات مياه نهر النيل في حال احتجزت إثيوبيا كميات ضخمة من مياه النيل الأزرق، شريان الحياة لنهر النيل.

وتبلغ تكلفة "الخطة القومية للمياه" في مصر لمواجهة نقص المياه 50 مليار دولار، وتستمر حتى 2037، بحسب تصريحات وزير الري محمد عبد العاطي الذي لم يكشف كم مليار متر مكعب سوف توفره سنويا.

لا بديل عن النيل سوى النيل

في تقديره، يعتقد الدكتور عبد التواب بركات الأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية بالقاهرة، سابقا، أن "حياة المصريين رهن بنهر النيل، ولا بديل عن النيل سوى النيل، مهما استحدثت الدولة من بدائل أو سنًت من قوانين أو تبنت من خطط".

واعتبر بركات، في حديثه للجزيرة نت، أن تكلفة حماية حصة مصر التاريخية من مياه النيل بكل الطرق والخيارات ستكون أقل بكثير من تكلفة الجوع والعطش، وستكون أقل من تكلفة البحث عن بدائل أخرى سواء بتحلية مياه البحر أو تنقية مياه الصرف أو منع زراعة بعض المحاصيل.

الواقعية.. الأماني

التعامل مع السد الإثيوبي على اعتبار أنه أمر واقع تقره السودان منذ البداية، بحسب المحلل السياسي والكاتب الصحفي السوداني ياسر محجوب الحسين. في حين كان تحول موقف مصر من الرفض المبدئي إلى القبول بالأمر الواقع، في مارس/آذار 2015، عقب توقيعها على اتفاق المبادئ في الخرطوم.

وأضاف محجوب، للجزيرة نت، لكن لا يبدو أن مرحلة ما بعد ملء السد وتشغيله بالنسبة لمصر أو حتى السودان قد تم التخطيط والاستعداد لها، وإنما ظل البلدان رهنا للظروف الإقليمية والدولية، فضلا عن فعالية سياسة شراء الوقت التي ظلت تنتهجها إثيوبيا حتى أصبح السد واقعا دون التوصل لاتفاق.

وقلل المحلل السياسي من احتمال نجاح محاولات مصر في إحداث اختراق أفريقي، فلم تستطع القاهرة رغم مساعداتها الفنية والمادية لدولة جنوب السودان أن تسحب جوبا في صفها، إذ إنها بقيت داعمة للموقف الإثيوبي بدون تردد، حسب قوله.

ولفت إلى أن هناك شبه اصطفاف أفريقي ضد مصر والسودان منذ العام 2010  حيث وقعت 6 من دول حوض النيل بينها إثيوبيا على اتفاقية عنتيبي، لكن القاهرة والخرطوم رفضتا التوقيع عليها لأنها تنقض اتفاقيتي مياه النيل التاريخيتين عامي 1929 و1959 اللتين تضمنان حصصا تاريخية لمصر والسودان في المياه.

المصدر : الجزيرة