انفجار مرفأ بيروت.. هل تسقط ادعاءات المحقق العدلي أمام الحصانات والعوائق السياسية والطائفية؟

Vehicles drive near the grain silo that was damaged during Beirut port explosion, in Beirut
صورة التقطت قبل 3 أشهر لموقع التفجير (رويترز)

بيروت– على مسافة شهر واحد من الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، الذي شكّل منعطفًا تاريخيًّا لأزمات لبنان؛ أطلق المحقق العدلي الجديد في قضية الانفجار القاضي طارق البيطار مسارًا جديدًا وسّع مروحة الملاحقات القضائية، مستأنفًا ما بدأه سلفه القاضي فادي صوان -الذي تنحى عن مهمته- بعد 4 أشهر من توليه الملف.

وتحت وطأة القلق الشعبي والحقوقي من اصطدام البيطار -كحال صوان- بعقبات سياسية وطائفية، قد تؤول إلى عدم جلاء الحقيقة قريبًا؛ وصف كثيرون قراره بالخطوة الشجاعة.

فمن جهة، أكد ما سبق أن ما ذهب إليه صوان؛ بتحديد موعد لاستجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، كمدعى عليه، الذي سبق أن امتنع عن المثول أمام القضاء، كما وجه كتابًا إلى البرلمان بواسطة النيابة العامة التمييزية، وطلب فيه رفع الحصانة النيابية عن كل من وزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر، وتوسع في طلبه ليشمل أيضا وزير الداخلية السابق والنائب الحالي نهاد المشنوق.

ومن جهة أخرى، تجلى تطور ملفت في طلب المحقق العدلي من رئاسة الحكومة إعطاء الإذن لاستجواب قائد جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا كمدّعى عليه (الجهاز تابع هيكليًا لرئاسة الحكومة)، وطلب الإذن من وزير الداخلية محمد فهمي للادعاء على المدير العام لجهاز الأمن العام (تابع هيكليًا لوزارة الداخلية) اللواء عباس إبراهيم، وملاحقته، إلى جانب الادعاء على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، مع أمنيين آخرين.

فهل فتح البيطار نافذة جديدة في مسار العدالة المحفوف بالألغام؟

هذا الانفجار الذي هز بيروت تسبب في مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6500 آخرين، إثر اشتعال أطنان من مادة نترات الأمونيوم شديدة الاشتعال، وهي جزء من حمولة كانت تقدر بـ2750 طنا، وفق تقديرات رسمية، بعد أن تم تخزينها في العنبر رقم 12، والتي كانت مُصادرة من سفينة رست في مرفأ بيروت ومُخزنة فيها منذ 2014، وسط غموض وملابسات تخفي خيوطًا من الحقيقة.

لذا، لقيت خطوة البيطار صدىً إيجابيًا لدى معظم اللبنانيين والحقوقيين، وتحديدًا عند ذوي ضحايا الانفجار، الذين يطالبون بالإسراع في التحقيقات علّها تشفي بعض آلامهم.

وهنا، يقول وليم نون (شقيق الضحية جو النون، الذي توفي مع رفاقه في فوج إطفاء بيروت أثناء توجههم لإخماد حريق المرفأ) إن أهالي الضحايا يشدون على يد القاضي، وكانوا ينتظرون ادعاءاته منذ نحو شهر ونصف الشهر، بعد أن تلقوا وعدًا منه بإنصافهم.

لكن الجميع، وفق حديث وليم للجزيرة نت، يترقبون مسار التنفيذ الذي يبدأ بإعطاء الأذونات الرسمية ورفع الحصانات، مشيرًا إلى أن الأهالي يعملون على مساندة القاضي عبر توفير غطاء شعبي له.

ويكشف وليم عن أنهم بصدد وضع جدول للتحركات على الأرض، بدءًا من الاثنين، كما يعملون على تحضير تحرك واسع النطاق في الرابع من أغسطس/آب 2021، "لأن كل مسؤول يرفض المثول أمام القضاء سيضع نفسه في مواجهة مباشرة معنا".

عوائق الحصانات

شكليًّا، أبدى النائبان حسن خليل وزعيتر استعدادهما للمثول أمام القضاء، كذلك أعلن وزير الداخلية عبر الإعلام نيته إعطاء الإذن بملاحقة اللواء إبراهيم، من دون أن تسلك بعد مسارًا تنفيذًا، ومن المفترض أن تنجلي الصورة في الأيام المقبلة على مستوى رفع الحصانات، خاصة أن القاضي بيطار أعطى مهلة 10 أيام ليبدأ تحديد مواعيد استجواب المدعى عليهم.

وهنا، يشير إيلي الفرزلي نائب رئيس مجلس النواب إلى أن البرلمان سيكون متعاونًا مع القاضي لمراعاته أصول الادعاء، "الذي ما زال في مرحلة طلب الاستجواب، لإظهار نوع الجرم وصفته".

ويضيف الفرزلي للجزيرة نت أن البرلمان لم يطلع بعد على طلب رفع الحصانات مرفقًا بالتحقيق للحكم عليه. وإذا كان مضمون الملف يستدعي الادعاء كما يقول- "سيباشر البرلمان رفع الحصانة، وإن ارتأى أنه لا يستحق لن يرفعها، وهو قرار يجري اتخاذه بالإجماع".

وقال النائب إن الجرم يبدأ بالقصد الجرمي، وينتهي بالإهمال، وهناك فرق كبير بينهما، لافتًا إلى أن محاكمة النواب والوزراء تتم أمام المحكمة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

لكن المحامي والخبير الدستوري بول مرقص يذكر أن ثمة اجتهادا خاصا بمحكمة التمييز يتعلق بمحاكمة الوزراء في القضايا التي تخرج عن الإخلال بالواجبات، فتحال إلى القضاء الجزائي.

وعليه، فإن "الادعاء الحالي متعلق بجرائم جزائية لا تتطلب إحالتها إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، واصفًا تركيبته المؤلفة من 7 نواب و8 قضاة بالهجينة، "لأن إحالة أي اتهام إليه تستدعي موافقة أكثرية ثلثي البرلمان، مما يصعب تحقيقه".

وقانونيًا، يشير مرقص إلى أن الإحالات التي تقدم بها المحقق العدلي تسند إلى "القصد الاحتمالي"، الذي تنص عليه المادة 189 من قانون العقوبات، ويعني عنصر الجريمة المعنوي، أي إذا كانت هناك جريمة مقصودة، وحصلت نتيجة ثانية غير متوقعة، ولكن كان يجب توقعها، وبإمكان توقعها اتخاذ الإجراءات الوقائية من مخاطرها، فيعاقب عليها المتهم كجريمة مقصودة.

وقال الخبير الدستوري إن "أي حصانة غير مبرّرة بجريمة المرفأ، إلا أنه وفق النصوص الراهنة لا يجوز للمعنيين رفع الحصانة عن أنفسهم، بل يعود ذلك أصولًا للمراجع النيابية والحكومية والنقابية، والإذن بالملاحقة مفعول حصري لا يسري إلا بعد رفع الحصانة".

المحامي بول مرقص - الجزيرة نت
بول مرقص: وفق النصوص الراهنة لا يجوز للمعنيين رفع الحصانة عن أنفسهم (الجزيرة نت)

آمال وعقبات

وبالموازاة، يرى وزير العدل السابق إبراهيم النجار أن الخطوة التي قام بها القاضي البيطار إيجابية، وتعكس تقدمًا بالنسبة للقرار الذي سبق أن أصدره القاضي صوان، لكنه مجرد شوط من أشواط متعددة.

ويُذكّر النجار بأن انفجار المرفأ تجاوز في خطورته -كحدث وفعل- اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري (2005)، واغتيال رئيس الجمهورية السابق بشير الجميل (1982)، وكل مسار الاغتيالات والتفجيرات بلبنان؛ مما يعكس -وفق رأيه- حساسية الملف ودقته، والذي يتطلب من المحقق جرأة وشفافية واستقلالية وجدية.

ويرى الوزير السابق في حديث للجزيرة نت أن مخاطر ملف التحقيقات تتجاوز عوائقه، "خصوصًا إذا ذهب القاضي للبحث في أسباب التفجير، الذي يسعى لحفظ الوثائق والمحاضر ونصوص التحقيقات بمكان آمن".

وقال النجار إن "المطلوبين للاستجواب، كأمنيين وسياسيين، كانت لديهم إمكانية للاطلاع على خطورة النترات من دون اتخاذ خطوة احترازية، مما قد يؤدي بالادعاءات إلى الاتهام بالإهمال المقصود أو غير المقصود"، مشيرًا إلى أن البيطار قد يضطر للاستعانة بخبرات دولية وصور من الأقمار الاصطناعية.

على مستوى آخر، يصف الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي فادي الأحمر ادعاءات البيطار بـ"القنبلة" على المستويين السياسي والقضائي، لأنها طالت كبار الأمنيين، كاللواء عباس إبراهيم الذي يعد حزب الله مرجعيته السياسية، كما يحظى بشبكة واسعة من العلاقات العربية والغربية، ويلعب دورًا وسيطًا في التسويات بين مختلف القوى داخليًا، إلى جانب الادعاء على اللواء طوني صليبا، الذي يعد فريق رئيس الجمهورية ميشال عون مرجعيته السياسية.

ويرجح الباحث في حديث للجزيرة نت أن يسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري (حليف حزب الله) لإيجاد مخرج بديل عن رفع الحصانات، خاصة أن الادعاءات تطول معاونه النائب علي حسن خليل، الذي يوصف بيده اليمنى.

ويتوقع الأحمر أيضًا أن يسعى رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى التحصن برؤساء الحكومات السابقين، وبالمرجعيات الدينية السنية، مما قد يأخذ منحىً طائفيًا، على قاعدة استهداف ممثلي طوائف ومراجعها السياسية.

وقال إن تجاوز البيطار للألغام السياسية والطائفية يتطلب دعمًا على مستويين: الأول قضائي ونقابي، والثاني دعم شعبي.

وحتى الآن، يبدو أن القوى السياسية قادرة على امتصاص الغضب الشعبي عبر الترحيب بادعاءات صوان، وفق الباحث. مذكرًا بأن القاضي يقف في وجه سلطة تتقن فن المناورات، ولو على حساب العدالة والحقيقة.

ويذكر الباحث أن انفجار المرفأ يأخذ أبعادًا إقليمية، تصل إلى سوريا -ومن خلفها- بعد إثارة معطيات عن علاقة النظام السوري بالنترات، كما تصل إلى إسرائيل -ومن خلفها- التي لم تتأكد بعد نظرية عدم تورطها بالانفجار.

المصدر : الجزيرة