متداولة منذ 10 سنوات.. قضية المجتمع المدني تتجدد بمحاكمة حقوقيين مصريين

الحقوقي المصري جمال عيد عقب الاعتداء عليه من مجهولين عام 2019 (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة- في مطلع مارس/آذار 2012 وعقب عام وشهرين من ثورة أطاحت برئيس أكبر دولة عربية، واستلام المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد تحط طائرة أميركية على أرض مطار القاهرة وتظل محركاتها تدور، يتوجه إليها سريعا عدة أشخاص يختفون داخلها في عجالة، لتطير بهم كأنما تفر، مخلفة وراءها غبارا من أسئلة غامضة، وغضبا مشتعلا في سماء مصر.

جاءت تلك الواقعة الشهيرة التي خرج فيها حقوقيون أجانب من مصر ضمن وقائع عدة مثيرة في قضية المجتمع المدني رقم 173 لسنة 2011 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية، والتي استؤنفت هذا الأسبوع جلسات التحقيق فيها.

وقد مثل اثنان من أشهر الحقوقيين المصريين هما جمال عيد ونجاد البرعي أمام قاضي التحقيق، علما بأنهما ممنوعان من السفر ضمن عدد من الحقوقيين الآخرين المتهمين في القضية ذاتها، وجرى التحفظ على أموال بعضهم بقرارات قضائية.

وقال عيد -الذي يرأس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان- للجزيرة نت إنه "غير متفائل" بفتح التحقيق مؤخرا في هذه القضية المتداولة منذ 10 سنوات، معربا عن قلقه من أن يكون "الأوان قد حان لمحاولة الانتقام من المؤسسات المستقلة".

ونفى عيد علمه بأن يكون الهدف من التحقيق في القضية مؤخرا رفع العقوبات عنه، معربا عن اعتقاده من خلال "حجم الفبركات فيها" أن الهدف النهائي هو "الانتقام" من المؤسسات الحقوقية المستقلة.

وقال بيان للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إن المستشار علي مختار قاضي التحقيق الجديد المنتدب للقضية عقد أولى جلسات التحقيق مع مدير الشبكة المحامي جمال عيد، وذلك بعد مرور نحو 10 سنوات على فتح هذه القضية السياسية "الملفقة"، حسب تعبير البيان.

وقائع الجلسة

واقتصرت جلسة التحقيق -التي استمرت نحو 3 ساعات تقريبا- على الاطلاع على ملف القضية والوقائع المنسوبة للشبكة أو مديرها.

وتضمن ملف القضية صورا ضوئية لتقارير قانونية وبحثية أصدرتها الشبكة العربية، مثل تقرير عن الحبس الاحتياطي المطول وخطورته، وتقارير عن الصحفيين السجناء وسجناء الرأي في مصر.

وشمل الملف تقريرا من الأمن الوطني يفيد بأن هذه التقارير الحقوقية تهدف إلى هدم الدولة وإثارة الرأي العام، وأن الشبكة العربية تلقت تمويلا من منظمة هيومن رايتس ووتش ولجنة حماية الصحفيين في نيويورك، بدعوى أنهما منظمتا تمويل تعاديان النظام المصري.

وقال بيان الشبكة إن الملف تضمن كذلك مذكرات وتقارير "متضاربة" حول نشأة الشبكة وسدادها الضرائب، وجاء في تحريات الأمن الوطني عن المنظمة ومديرها جمال عيد أنهما لعبا دورا رئيسيا في "أحداث يناير ومحاولات هدم الدولة" على حد وصف الأمن، وأكد البيان أن الشبكة العربية ومديرها يؤكدان الاعتزاز بالمشاركة في ثورة يناير/كانون الثاني، لمحاولة "إنقاذ مصر من الفساد والاستبداد".

اختفاء مستندات

أما المفاجأة "الصادمة" -بحسب البيان- فتمثلت في اختفاء مستندات هامة من ملف القضية سبق تقديمها في القضية ترد على تحريات ضابط الأمن الوطني بتلقي جمال عيد منحا على حسابه الشخصي.

والمستندات المختفية عبارة عن وثائق من البنك التجاري الدولي تثبت أن التحويلات التي تلقاها جمال عيد على حسابه الشخصي هي تحويلات من حسابه في نيويورك لحسابه في مصر.

وأكد عيد أن "من ينفق من أمواله الخاصة على مكتبات عامة لا يهدم الدولة، بل يحاول بناء المجتمع والدولة"، مؤكدا أن "الاستبداد" و"غياب سيادة القانون" هما ما يهدمان الدول والمجتمعات.

وأعرب عيد عن أمله في أن يكون أداء المستشار علي مختار قاضي التحقيق الحالي في القضية مختلفا عمن سبقه.

بالمقابل، وصف الحقوقي نجاد البرعي أجواء التحقيق بأنها كانت ودية للغاية، كما سارت التحقيقات على نحو مرض.

ومضى البرعي في منشور بصفحته الشخصية قائلا "أيا ما كانت النتائج التي ستنتهي إليها تلك القضية فإنني أجد نفسي فخورا بما قمت به مع زملاء أعزاء من أعمال وأنشطة".

وأشار البرعي إلى مساهمته ضمن حقوقيين آخرين متهمين في القضية في "إنقاذ" بعض ضحايا الانتهاكات، وبذل جهد كبير في الترويج لثقافة حقوق الإنسان قدر المستطاع، وتقديم الكثير من النصائح والخطط للحكومات المتعاقبة منذ عام 1986.

وكشف البرعي عن توقعه ما وقع من متاعب "ممتعة" واجهها منذ عمله الحقوقي بالبلاد، لأنه يعمل في مصر، وهي واحدة من بلدان العالم الثالث، لا في سويسرا أو فنلندا، حسب تعبيره، مخلفا إرثا من القيم لا المال يفخر به أبناؤه.

وحددت جلسة الأحد 1 أغسطس/آب المقبل لاستكمال التحقيق.

محطات القضية

وبدأت قضية التمويل الأجنبي بتشكيل لجنة تقصي حقائق في يوليو/تموز 2011 حول التمويل الأجنبي للمنظمات المحلية والمنظمات الأجنبية غير المرخص لها في مصر، وبعد شهرين سلمت اللجنة تقريرها ليحقق فيه مستشاران بمحكمة استئناف القاهرة انتدبهما وزير العدل آنذاك.

وقرر المستشاران إحالة 43 حقوقيا للمحاكمة الجنائية في فبراير/شباط 2012 -بينهم 29 غير مصريين- بتهمة تلقي تمويل أجنبي بالمخالفة للقانون واستعماله في أنشطة محظورة، وحددت محكمة الاستئناف جلسة 26 من الشهر ذاته لبدء المحاكمة.

وبعد يومين من بدء المحاكمة تنحت هيئة المحكمة برئاسة المستشار محمد شكري عن نظر القضية لاستشعارها الحرج، ليلي ذلك في اليوم التالي إلغاء حظر السفر عن المتهمين الأجانب بعد دفع كفالة مليوني جنيه (نحو 320 ألف دولار بسعر الدولار في ذلك الوقت، فيما يساوي الدولار حاليا نحو 16 جنيها) لكل منهم.

وأثار إخلاء سبيل المتهمين الأجانب والإبقاء على المصريين -رهن القضيةـ الرأي العام وقتها، ورغم ذلك الاحتجاج غادر 9 أميركيين و8 من جنسيات أخرى من المتهمين في القضية الأراضي المصرية على متن طائرة أميركية خاصة في مارس/آذار من العام ذاته.

وبينما كانت يجري وضع اللمسات الأخيرة لانقلاب يوليو/تموز 2013 قضت محكمة جنايات القاهرة في يونيو/حزيران 2013 بمعاقبة 27 متهما غيابيا بالسجن 5 سنوات ومعاقبة 5 آخرين حضوريا بالحبس سنتين وبمعاقبة 11 آخرين بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ وتغريم كل متهم ألف جنيه، وإغلاق جميع مقرات وأفرع المعهدين الجمهوري والديمقراطي الأميركيين، و"فريدوم هاوس" (Freedom House)، و"كونراد أديناور" الألمانية على مستوى محافظات الجمهورية ومصادرة أموالها والأوراق التي ضبطت بها.

وبعد 3 سنوات على هذه الأحكام تقرر فتح التحقيق من جديد في مارس/آذار 2016، ليجري منع الحقوقي جمال عيد و6 حقوقيين آخرين من السفر والتحفظ على أموالهم وأموال أفراد أسرهم باعتبارها "تدابير احترازية" لحين التحقيق معهم، دون توجيه أي اتهامات لهم.

ولاحقا، أيدت محكمة جنايات القاهرة قرار منع الناشطين الحقوقيين من التصرف في أموالهم، لارتباطها بالقضية 173 لسنة 2011، فيما رفضت طلب التحفظ على أموال زوجاتهم وأولادهم، ثم قضت محكمة جنايات القاهرة العام الماضي برفض تظلم 14 حقوقيا على قرار منعهم من السفر.

وبعد شهور قرر قاضي التحقيق استبعاد 20 منظمة من القضية في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، لانتفاء الجريمة وعدم كفاية الأدلة، منها مؤسسة محمد علاء مبارك الخيرية.

المصدر : الجزيرة