تونس.. دعوات للرئيس لوضع خريطة طريق واضحة والقضاء يحقق مع النهضة وقلب تونس بقضية تمويل أجنبي

أكدت هيومن رايتس أن الرئيس قيس سعيد يجب أن يسمح لوسائل الإعلام -بما فيها الجزيرة- بأن تمارس عملها بحرية، وأن يعلن أنه لن يجيز أي انتهاك لحق كل وسائل الاعلام في انتقاد سياساته

أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد أوامر جديدة بإعفاء مسؤولين كبار، وذلك بعدما دعته جمعيات ومنظمات مدنية لوضع خريطة طريق للخروج من الأزمة على ألا تتجاوز 30 يوما، في حين أعلنت مصادر قضائية فتح تحقيق ضد حزبي النهضة وقلب تونس بتهمة تلقي أموال من مصادر أجنبية.

ففي وقت متأخر من أمس الثلاثاء أعلنت الرئاسة التونسية صدور أمر رئاسي بإنهاء مهام عدة مسؤولين، ومنهم المعز لدين الله المقدم مدير ديوان رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، وكاتب عام الحكومة وليد الذهبي، وكل مستشاري رئيس الحكومة المقال، وهم رشاد بن رمضان وسليم التيساوي ومفدي المسدي، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية عبد الرزاق الكيلاني.

وقال الرئيس التونسي إن الإجراءات التي اتخذها مؤقتة، وإنها جاءت بسبب تعمق الأزمة، حسب وصفه.

وأضاف سعيد -خلال لقائه ممثلي منظمات محلية بينها الاتحاد التونسي للشغل- أن الحريات لن تمس بأي شكل.

وبعد اللقاء مع سعيد قال عميد المحامين في تونس إبراهيم بودربالة للجزيرة "عبرت للرئيس سعيد عن مخاوفنا على وضع الحريات".

وأضاف بودربالة أن الرئيس أكد للمنظمات الوطنية أنه قد يختصر مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية، وأنه عبر عن نيته تشكيل حكومة في أقرب وقت، كما التزم بملاحقة المتورطين بالفساد.

وقال إن "الرئيس عبر لنا فقط عن نيات والتزامات، ولكن لم يقدم لنا خريطة طريق ملموسة".

وأوضح بودربالة أن الرئيس ألح خلال اللقاء على توخي التهدئة واستعداده للحوار، ولكن ليس مع متورطين بالفساد، حسب قوله.

وأمس الثلاثاء، شددت 7 جمعيات ومنظمات تونسية -في بيان مشترك- على أن الخريطة المعنية يجب أن تتعلق بالقضايا المستعجلة، كمحاربة جائحة فيروس كورونا، ومراجعة القانون الانتخابي والنظام السياسي، ومكافحة الفساد.

وهذه المنظمات هي: النقابة الوطنية للصحفيين، الاتحاد العام للشغل، الهيئة الوطنية للمحامين، جمعية النساء الديمقراطيات، جمعية القضاة، رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وفي بيانها المشترك، حذرت المنظمات من أي تمديد غير مبرر، مشددة على ضرورة الالتزام بمدة الشهر لإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية، وتجميع السلطات بيد الرئيس، كما دعت إلى احترام استقلال القضاء ليتمكن من استرجاع دوره والعمل بكل استقلالية على التسريع في فتح كل الملفات، خاصة تلك المتعلقة بالاغتيالات والإرهاب والفساد.

العصر الجديد

بدوره، قال راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة -الذي أعلن الرئيس تجميد نشاطه- إن الأمور لا تبشر بخير في اليوم الثاني لما سماه العصر الجديد.

وأضاف الغنوشي أن البرلمان أغلق بدبابة، وصودرت مكاتب عدد من التلفزيونات ووسائل الإعلام، وأنه يأمل أن يوقف الرئيس ما سماه "مسار التدهور نحو الدكتاتورية الدستورية". وقال إن الدكتاتورية لا تنتج علاجا وإنما هي الخطر الأكبر.

وأشار إلى أنه لا يعتبر أن المستهدف حزب واحد هو النهضة، وإنما المستهدف هو النظام الديمقراطي الذي يضمن الفصل بين السلطات، ولذلك رفضت الحركة إجراءات الرئيس قيس سعيد، وأن معظم الساحة السياسية ترفض التضحية بالديمقراطية.

كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن على الرئيس التونسي قيس سعيد ضمان حقوق كل التونسيين وإلغاء كل القرارات التعسفية التي اتخذت منذ إعلان إجراءات 25 يوليو/تموز الجاري التي ركزت السلطات في مكتبه.

وأضافت أن الرئيس قال إنه يحظى بإسناد دستوري للسيطرة على سلطات هائلة، لكن ما تلا ذلك مباشرة هو استهداف الشرطة للصحفيين، وهذا ما لا يبشر بخير بالنسبة لحقوق الإنسان.

وأوضحت هيومن رايتس ووتش أن الرئيس سعيد يقول إن الفصل 80 من الدستور يسمح بتجميد البرلمان، فيما ينص هذا الفصل على أن البرلمان يجب أن يبقى في انعقاد دائم.

وذكرت المنظمة أن 20 شرطيا بدون زي رسمي داهموا مكتب الجزيرة، وطالبوا الصحفيين بالمغادرة وعدم العودة لاحقا، وأكدت أن الرئيس سعيد يجب أن يسمح لوسائل الإعلام -بما فيها الجزيرة- بأن تمارس عملها بحرية، وأن يعلن أنه لن يجيز أي انتهاك لحق كل وسائل الاعلام في انتقاد سياساته.

تحقيقات قضائية

من جانب آخر، قالت مصادر قضائية إن القضاء التونسي فتح تحقيقا بشأن 3 كيانات سياسية، من بينها حزبا النهضة وقلب تونس للاشتباه في تلقيها أموالا من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019، بالإضافة إلى جمعية "عيش تونسي".

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن المتحدث باسم المحكمة الابتدائية في العاصمة محسن الدالي قوله، إن التحقيقات تجري بعد شكاية تقدم بها حزب "التيار الديمقراطي"، القريب من الرئيس سعيد.

وأضاف الدالي أن قاضي التحقيق يمكنه أن يصدر قرارا مثل تحجير السفر وتجميد أموال.

وقالت مراسلة الجزيرة من تونس ميساء الفطناسي إن التحقيق فتح يوم 14 يوليو/تموز الجاري قبل أن يقيل الرئيس سعيد رئيس الوزراء ويجمد البرلمان، مشيرة إلى أن هذا التحقيق ليس جديدا، وإنما أعلن اليوم استكمال الإجراءات الابتدائية التي فتحت سابقا.

وحزبا النهضة وقلب تونس -الذي يتزعمه قطب الإعلام نبيل القروي- هما أكبر حزبين في البرلمان المنقسم بشدة الذي تم انتخابه في سبتمبر/أيلول 2019.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل دعا أمس الثلاثاء لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي للكشف عن التحويلات المالية للأحزاب والجمعيات وعرضها على القضاء.

حشود أمام البرلمان التونسي بين مدافعين عن الشرعية ومؤيدين لقرارات الرئيس سعيد (الجزيرة)

السلطة القضائية

ودعت جمعية القضاة رئيس الجمهورية إلى التعجيل بإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية، والإفصاح عن آليات استئناف المسار الديمقراطي.

واعتبرت الجمعية -في بيان- أن حل الأزمة سيتم بعد الاحتكام إلى الشرعية الدستورية، واحترام استقلالية النيابة العامة.

كما طالبت الجمعية النيابة العامة بالقيام بدورها في حماية المجتمع والدولة من الجريمة، خاصة تلك المتعلقة بجرائم الفساد والإرهاب ومتابعة مرتكبيها، حسب تعبير البيان.

وفي وقت سابق، دعا المجلس الأعلى للقضاء إلى النأي بالسلطة القضائية عن كل التجاذبات السياسية.

ووصف المجلس -في بيان عقب لقاء ممثلين عنه الرئيس سعيد- القضاة بأنهم مستقلون، وأن النيابة العمومية جزء من القضاء العدل، وأنها تمارس مهامها في نطاق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري العمل بها.

جاء ذلك بعدما أعلن سعيد الأحد الماضي ضمن الإجراءات الاستثنائية التي لجأ إليها اعتزامه رئاسة النيابة العمومية، بالإضافة إلى حل الحكومة وتجميد عمل البرلمان.

جملة قرارات

وكان سعيد قرر أول أمس الاثنين تعطيل العمل بمؤسسات الدولة ليومين بداية من أمس الثلاثاء إثر تجميده اختصاصات البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، مما أحدث أزمة سياسية في البلاد.

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان سعيد فرض حظر تجول ليلي لمدة شهر بعد قرارات مفاجئة له الأحد الماضي تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وهو الأمر الذي رفضته أغلب القوى السياسية.

وكان الرئيس قد قال أول أمس الاثنين -خلال اجتماع مع رؤساء عدد من المنظمات المهنية- إن ما قام به ليس انقلابا وإنما إجراءات وفق الدستور بعدما وصلت البلاد إلى حد غير مقبول، على حد تعبيره.

وكان سعيد قد علل قراراته بتعطيل عمل البرلمان وحل الحكومة بالاستناد إلى الفصل رقم 80 الذي يخول لرئيس البلاد اعتماد قرارات استثنائية في حال وجود خطر داهم يتهدد تونس.

موقف النهضة

من ناحية أخرى، دعت حركة النهضة الرئيس للتراجع عن القرارات الاستثنائية التي اتخذها الأحد الماضي، ومعالجة التحديات والصعوبات التي تعاني منها تونس ضمن الإطار الدستوري والقانوني، مع ضرورة استئناف عمل مجلس نواب الشعب.

ونادت "النهضة" بحوار وطني للخروج من الأزمة، وقالت في بيان -عقب اجتماع طارئ لمكتبها التنفيذي- إن الحركة "تدعو القوى السياسية والمدنية إلى تكثيف المشاورات حول المستجدات الأخيرة حفاظا على المكتسبات الديمقراطية"، مطالبة بالعودة في أقرب الأوقات إلى الأوضاع الدستورية والسير العادي والقانوني لمؤسسات ودواليب الدولة.

وقد خيم الهدوء صباح أمس الثلاثاء على محيط مقر البرلمان والشوارع الرئيسية بالعاصمة تونس، مع دخول قرارات سعيد المرتبطة بإعلان التدابير الاستثنائية في البلاد يومها الثاني.

وبدت ساحة باردو (أمام مقر البرلمان) شبه خاوية من المارة في وقت انتشرت وحدات من الأمن بمحيطه لتأمين المنطقة، وقد أغلق محيط البرلمان بعد انسحاب أعداد من أنصار الرئيس ورافضي قراراته من المكان عقب دخول قرار حظر التجول حيز التنفيذ.

ودعت "النهضة" أنصارها أول أمس الاثنين إلى الانسحاب من أمام مقر البرلمان تغليبا للمصلحة الوطنية، حسب وصفها، وذلك بعدما شهدت الساحة مناوشات أمس بين أنصار الحركة وأنصار سعيد.

الكتل البرلمانية

وعارضت أغلب الكتل البرلمانية القرارات الاستثنائية لرئيس الجمهورية، إذ عدتها "النهضة" (53 نائبا من أصل 217) انقلابا، واعتبرتها كتلة "قلب تونس" (29 نائبا) خرقا جسيما للدستور، كما رفضت كتلة "التيار الديمقراطي" (22 نائبا) ما ترتب عليها، ووصفتها كتلة "ائتلاف الكرامة" (18 مقعدا) بالباطلة، في حين أيدتها حركة "الشعب" (15 نائبا).

كما أدان البرلمان -الذي يترأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي- بشدة في بيان لاحق قرارات الرئيس، وأعلن رفضها.

وجاءت قرارات سعيد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات بدعوة من نشطاء طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.

مواقف دبلوماسية

وفي وقت مبكر من فجر اليوم الأربعاء، قالت وزارة الخارجية التونسية إن وزير الخارجية عثمان الجرندي اتصل هاتفيا بنظرائه في تركيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وذلك لطمأنتهم بأن تونس تعتزم المضي قدما في المسار الديمقراطي.

وأضاف البيان أن الوزير شرح لهم أن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة، وأن نظراءه تعهدوا بمواصلة دعم الديمقراطية الناشئة.

من جهتها، قالت وزارة الخارجية البريطانية إن الحل في تونس يتحقق فقط عبر مبادئ الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، وطالبت كل الأطراف بحماية المكتسبات الديمقراطية لثورة 2011.

كما قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إنها تتابع مجريات الأوضاع في تونس، وتحترم كل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي وتعده أمرا سياديا.

وجدد البيان الوقوف إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار تونس، وقال إن المملكة تؤكد ثقتها في القيادة التونسية في تجاوز هذه الظروف وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي وازدهاره.

ودعت الخارجية السعودية المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب تونس في هذه الظروف لمواجهة تحدياتها الصحية والاقتصادية.

وفي سياق متصل، قالت الرئاسة التونسية أمس الثلاثاء إن الرئيس سعيد تلقى رسالة شفهية من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون نقلها له وزير الخارجية رمطان لعمامرة، وأفادت باجتماع الرئيس مع الوزير لعمامرة في قصر قرطاج خلال زيارة يقوم بها إلى البلاد مبعوثا خاصا من تبون.

كما التقى سعيد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي يقوم بزيارة البلاد مبعوثا خاصا ناقلا رسالة شفهية من الملك محمد السادس، وفق الرئاسة التونسية.

ولم يكشف عن فحوى الرسالتين الشفهيتين اللتين تلقاهما الرئيس التونسي من نظيره الجزائري وملك المغرب.

يشار إلى أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس تأتي في وقت تعاني فيه البلاد منذ أشهر من أزمة سياسية واقتصادية، ليضاف إليها في الفترة الأخيرة تدهور الوضع الوبائي جراء القفزة الكبيرة في ضحايا جائحة فيروس كورونا المستجد.

المصدر : الجزيرة + وكالات