تطاحن سياسي واحتقان شعبي.. هل مهدا الطريق أمام الرئيس التونسي؟
يستذكر التونسيون وثيقة نشرها موقع "ميدل إيست آي" منذ شهرين، وقيل إنها مسرّبة من ديوان قيس سعيد، تحدثت عن تدبير خطة لـ"دكتاتورية دستورية" تُركز السلطات كافة بيد الرئيس.
تونس – مهما اختلفت توصيفات ما يحدث في تونس، بين "الانقلاب" أو "تصحيح مسار الثورة"، فإن كثيرين يعتبرون ما قام به الرئيس قيس سعيّد غير مفاجئ، بل نتاجا طبيعيا لمواقف الرجل المشتبكة مع البرلمان والنظام السياسي، ومعركة النفوذ بين الرئاسات الثلاث.
ولم ينفك الرئيس سعيّد، القادم للسلطة من خارج المنظومة السياسية والحزبية، عن إظهار مواقفه السلبية تجاه الأحزاب والنظام السياسي القائم، حتى قبل توليه السلطة. ويبدو أنه -بحسب مراقبين- اقتنص اللحظة المناسبة، مستغلا تصاعد الغضب الشعبي ضد البرلمان والحكومة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإغلاق المؤسسات العمومية في تونس.. هل يسعى سعيّد لمكافحة الفساد؟
مقال بواشنطن بوست: على بايدن أن يبذل جهدا أكبر لوقف الانقلاب في تونس
بعد قرارات قيس سعيد.. منصات التواصل تضج بتحذيرات من عودة تونس إلى الوراء
وسبق أن أعلن سعيّد، في تصريحات إعلامية إبان ترشحه للانتخابات الرئاسية، عام 2019، أنه "سيُقدم مبادرة تشريعية من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي".
ولم يتوقف الرئيس، على مدار سنتين من الحكم، عن توجيه الاتهامات لخصومه من دون أن يسمّيهم، أو عن الحديث عن المؤامرات التي تُحاك ضده في الغرف المظلمة، متوعدا الجميع بالحساب "حين تأتي اللحظة".
صواريخ الرئيس
وانتقد سعيّد أكثر من مرة أداء النواب في البرلمان، مستغلا حالة الفوضى التي سببتها الصراعات بين الكتل البرلمانية، لا سيما كتلة الدستوري الحر، وما رافقها من تصاعد موجة الغضب الشعبي، والدعوات لحل البرلمان.
وسبق أن أكد قيس سعيد، في لقاء جمعه برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، أن لديه "الوسائل القانونية المتاحة له بالدستور، لإنهاء حالة العبث السياسي"، وأنها "كالصواريخ على منصات إطلاقها".
وشدد سعيد، خلال اللقاء ذاته، على أن الدستور التونسي مكّنه، في فصل من فصوله، للقيام بما يجب عليه للحفاظ على الدولة التونسية. في إشارة للفصل (80) من الدستور، الذي استند عليه في قرارات إقالة الحكومة وحل البرلمان.
ويعتبر كثيرون أن الرئيس سعى باستمرار لاستمالة المؤسستين العسكرية والأمنية، بل وجمعهما معا تحت إمرته، رغم مخالفة ذلك للدستور. وتكرر حديثه في أكثر من مناسبة أمام تشكيلات عسكرية وأمنية، بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية، وبأن ذلك مكفول له بالدستور.
وفي شهر أبريل/نيسان الماضي، أكد سعيد أيضا، خلال الاحتفال بعيد قوات الأمن الداخلي، أنه القائد الأعلى للقوات العسكرية والمدنية، مما خلف جدلا سياسيا وقانونيا. وسبق أن توعد في معركته مع رئيسي الحكومة والبرلمان، من وصفهم بالمتآمرين على الشرعية وعلى الدولة، بأن الجيش والقوات المسلحة جاهزة لهم في كل وقت ومكان، وبأنه يعلم جيدا تفاصيل ما يقومون به وما يسعون إلى تحقيقه.
صراع أقطاب
تعليقا على ذلك، يقول زعيم حزب العمال حمة الهمامي أن حزبه سبق ونبّه إلى خطورة الصراع الدائر بين أقطاب منظومة الحكم: رئيس البرلمان والحكومة من جهة، ورئيس الجمهورية من جهة ثانية، وهو صراع تحول إلى "حرب وجود".
ولفت الهمامي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن العامل الأخطر في هذا الصراع، الذي مهد للقرارات الرئاسية الأخيرة، تمثّل في دخول قوى إقليمية على خط التجاذبات السياسية، لحسم المعركة لصالح جهة على حساب أخرى.
وقال "حذرت على أكثر من منصة إخبارية، من خطر الانقلاب الذي يهدد تونس بدعم من أطراف إقليمية، الذي لن يأخذ بالضرورة، شكل الانقلابات العسكرية".
وحمّل مسؤولية ما وصلت إليه تونس للقوى السياسية والحزبية، التي حكمت طوال السنوات العشر الماضية، وفي مقدمتها حركة النهضة، إذ قال إنها "خلقت حالة من الاحتقان الشعبي والنقمة على الديمقراطية والحياة الحزبية".
وأشار الهمامي إلى أن كل هذه المبررات، لا يمكن أن تكون، بأي حال من الأحوال، مطية يركبها قيس سعيد للانقلاب على الدستور، واحتكار جميع السلطات في يده.
وثيقة الانقلاب الناعم
وعلى وقع المشهد الحالي في تونس، استحضر سياسيون ونخب، ما نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، منذ نحو شهرين، حين كشف عن وثيقة قيل إنه تم تسريبها من مكتب مديرة ديوان الرئيس قيس سعيد، وتتحدث عن تدبير خطة لـ"دكتاتورية دستورية" يُجهز لها في تونس.
وتتحدث الوثيقة عن خطة، وصفت بأنها "أداة " لتركيز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية، تنتهي بسحب الثقة من الحكومة المنتخبة، ووضع كبار المسؤولين والقيادات السياسية تحت الإقامة الجبرية، بمن فيهم رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأشارت الوثيقة إلى آليات تفعيل الرئيس التونسي للفصل (80) من الدستور، الذي يمنحه في حالة الطوارئ الوطنية سيطرة كاملة على الدولة. كما نصّت أيضا على تعيين اللواء خالد اليحياوي وزيرا للداخلية بالنيابة، فضلا عن نشر القوات المسلحة على جميع مداخل المدن والمؤسسات والمرافق الحيوية.
وكانت وسائل إعلام محلية قد أكدت فعلا، تكليف الرئيس قيس سعيّد لمدير الأمن الرئاسي خالد اليحياوي بالإشراف على وزارة الداخلية بالنيابة. في حين انتشر الجيش التونسي في المدن والمؤسسات السيادية، ومنع دخول رئيس البرلمان والنواب إلى المجلس، تنفيذا لقرارات رئيس الجمهورية.