تونس.. هدوء وانتظار بالشارع والنهضة تدعو الرئيس للتراجع والحوار والقضاء يرفض استحواذه على النيابة العمومية

Police officers stand guard outside the parliament building in Tunis
هدوء حول البرلمان التونسي بعد مناوشات ليلة أمس (رويترز)

قرر الرئيس التونسي قيس سعيد الاثنين تعطيل العمل بمؤسسات الدولة ليومين، إثر تجميده اختصاصات البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، فيما طالبت حركة النهضة الرئيس بالتراجع والدعوة إلى حوار وطني لإخراج البلاد من الأزمة.

وقبل ذلك بساعات، قالت الرئاسة في بيان إن سعيد أصدر أمرا رئاسيا يقضي بتعطيل العمل في المؤسسات الحكومية ذات الصبغة الإدارية لمدة يومين بداية من الثلاثاء، مع إمكانية تمديد مدة تعطيل العمل.

وبحسب البيان، يتيح الأمر الرئاسي لكل وزير معني أو مسؤول محلي اتخاذ قرار بتكليف عدد من الموظفين بفترات عمل محددة أو بالدوام عن بعد، وتستثنى من هذا الأمر الرئاسي قوات الأمن الداخلي والعسكريون والعاملون بالهياكل والمؤسسات الصحية ومؤسسات التربية والطفولة والتدريب والتعليم العالي الذين يخضعون لترتيبات خاصة لم يوضحها البيان.

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان سعيد فرض حظر تجول ليلي لمدة شهر، بعد قرارات مفاجئة له مساء الأحد تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وهو الأمر الذي رفضته أغلب القوى السياسية في البلاد.

النهضة تدعو للحوار

وقد دعت حركة النهضة التونسية إلى حوار وطني لإخراج البلاد من الأزمة، وقالت في بيان عقب اجتماع طارئ لمكتبها التنفيذي، إن الحركة "تدعو القوى السياسية والمدنية إلى تكثيف المشاورات حول المستجدات الأخيرة حفاظا على المكتسبات الديمقراطية"، مطالبة بالعودة في أقرب الأوقات إلى الأوضاع الدستورية والسير العادي والقانوني لمؤسسات ودواليب الدولة.

كما دعت الرئيس سعيد إلى "التراجع عن قراراته ومعالجة التحديات والصعوبات التي تعاني منها البلاد ضمن الإطار الدستوري"، وجددت الحركة موقفها من قرارات الرئيس معتبرة إياها غير دستورية، وتمثل انقلابا على الدستور والمؤسسات.

وحذرت في بيانها من خطورة خطابات العنف والتشفي والإقصاء ودعت كل التونسيين إلى مزيد التضامن والوحدة والتصدي لكل دعوات الفتنة والاحتراب الأهلي.

وقد خيم الهدوء صباح الثلاثاء على محيط مقر البرلمان والشوارع الرئيسية في العاصمة تونس، مع دخول قرارات سعيد المرتبطة بإعلان التدابير الاستثنائية في البلاد يومها الثاني.

وبدت ساحة باردو، أمام مقر البرلمان، شبه خاوية من المارة بينما انتشرت وحدات من الأمن في محيطه لتأمين المنطقة.

وشهدت الساحة مناوشات الاثنين بين أنصار حركة النهضة، وأنصار سعيد، كما اعتصم عدد من النواب ورئيس البرلمان الغنوشي داخل سيارته، أمام المقر لساعات احتجاجا على تجميد جميع اختصاصات المؤسسة التشريعية.

وتسير الحركة في شوارع العاصمة منذ صباح الثلاثاء بشكل اعتيادي وسط انتشار للأمن في المفترقات، والجيش أمام المقرات والمنشآت الحساسة، وبينها مقر الحكومة في القصبة الذي أخلي من موظفيه بعد إعلان الرئيس توليه السلطة التنفيذية بنفسه.

القضاء يرفض

من جانبه، دعا المجلس الأعلى للقضاء في تونس إلى النأي بالسلطة القضائية عن كل التجاذبات السياسية، ووصف القضاة بأنهم مستقلون.

وأكد المجلس، في بيان، أن النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي، وأنها تمارس مهامها في نطاق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري العمل بها.

جاء ذلك بعدما أعلن الرئيس قيس سعيد في وقت سابق اعتزامه رئاسة النيابة العمومية.

موقف الأحزاب

وعارضت أغلب الكتل البرلمانية في تونس هذه القرارات، إذ عدتها حركة النهضة (53 نائبا من أصل 217) انقلابا، واعتبرتها كتلة قلب تونس (29 نائبا) خرقا جسيما للدستور، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائبا) ما ترتب عليها، ووصفتها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعدا) بالباطلة، فيما أيدتها حركة الشعب (15 نائبا).

كما أدان البرلمان -الذي يترأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي- بشدة في بيان لاحق قرارات سعيد، وأعلن رفضها.

وجاءت قرارات سعيد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.

مؤتمر وطني للإنقاذ

وفي السياق ذاته، دعت حركة "مشروع تونس" (3 نواب) -في بيان أمس الاثنين- سعيد إلى توضيح برنامج عمله خلال أجل 30 يوما الذي منحه لنفسه، وذلك بوضع خارطة طريق في إطار مؤتمر وطني عاجل للإنقاذ.

واقترحت الحركة أن ينتهي هذا المؤتمر "بتنظيم استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي وتعديل المنظومة الانتخابية برمتها".

بدورها، حثت حركة "تحيا تونس" (10 نواب) -في بيان- الطبقة السياسية على تحمل مسؤوليتها التاريخية، وتقديم التنازلات الكفيلة بخفض مستوى الاحتقان في البلاد، وإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب للانطلاق في عملية الإنقاذ الشامل الصحي والاقتصادي والاجتماعي.

ودعت حركة "آفاق تونس" (نائبان) -في بيان- رئاسة الجمهورية وكل القوى السياسية والمجتمع المدني إلى تجنيد الأنفس للحفاظ على مكتسبات الثورة، والانخراط في إصلاح وتعديل وبناء صادق وشجاع لمسار ديمقراطي حقيقي وثورة اقتصادية واجتماعية ترتقي لتطلعات التونسيين.

وشددت على ضرورة أن تعطي التدابير الاستثنائية التي سيعلن عنها سعيد ضمانات للداخل والخارج أنها تعمل وفق الدستور (…)، وأن الهدف منها إعلاء دولة القانون والمؤسسات واحترام النظام الجمهوري وتصحيح المسار الديمقراطي.

من جهة ثانية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس -في بيان- إن الوزير أنتوني بلينكن حث الرئيس التونسي على "الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان"، وذلك في اتصال هاتفي الاثنين.

وأضاف أن بلينكن "حث الرئيس سعيد على مواصلة الحوار المفتوح مع كل الأطراف السياسية والشعب التونسي"، مشيرا إلى أن "الولايات المتحدة ستظل تراقب الموقف".

وكان الرئيس سعيد قد قال -في اجتماع مع رؤساء عدد من المنظمات المهنية- إن ما قام به ليس انقلابا وإنما إجراءات وفق الدستور بعدما وصلت البلاد إلى حد غير مقبول، على حد تعبيره.

وأضاف أنه طبق الفصل الـ80 من الدستور وفق شروطه، باستثناء شرط المحكمة الدستورية لتعذره، وأنه أعلم كلا من (رئيس الحكومة المقال هشام) المشيشي والغنوشي بالقرارات الاستثنائية التي اتخذها.

من جهته، تعهد المشيشي بتسليم المسؤولية لأي شخص يختاره الرئيس، مؤكدا في بيان أنه لن يكون معطلا أو جزءا من إشكال يزيد وضعية البلاد تعقيدا.

المصدر : الجزيرة + وكالات