لهذه الأسباب يتظاهر الفرنسيون ضد الشهادة الصحية وإلزامية التلقيح

المسيرة الاحتجاجية ضد الجواز الصحي ليوم السبت
مسيرة احتجاجية في باريس -أمس السبت- على الجواز الصحي (الجزيرة)

باريس – منذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منتصف يوليو/تموز الجاري عن الإجراءات والقيود الوقائية الجديدة المتمثلة في إلزامية تلقي اللقاح لمقدمي الرعاية الصحية وعدة مهن أخرى، ووجوب حيازة "الشهادة الصحية" الخاصة بوباء كورونا لدخول أغلب الأماكن العامة، انطلقت الأصوات المنددة بهذه القيود الجديدة، وترجمت سريعا على أرض الواقع في شكل مظاهرات ومسيرات واحتجاجات واسعة في كامل فرنسا.

وبعد أن تظاهر نحو 114 ألف شخص في جميع أنحاء فرنسا ضد هذه الإجراءات والقيود الجديدة يوم 17 يوليو/تموز الجاري، من بينهم 18 ألف شخص في العاصمة باريس، وفقا للأرقام الرسمية، تواصلت على مدى هذا الأسبوع المسيرات والاحتجاجات أمام مقر الجمعية العامة ومجلس الشيوخ.

وبلغت الاحتجاجات ذروتها أمس السبت 24 يوليو/تموز في باريس وكامل فرنسا، حيث خرج نحو 161 ألف متظاهر -وفق الأرقام التي قدمتها وزارة الداخلية الفرنسية- منددين بإجبارية التطعيم وبالشهادة الصحية، ومرددين شعارات من قبيل "حرية.. حرية"، و"لا للشهادة الصحية"، و"ضد الديكتاتورية الصحية"، و"من أجل الحرية"، و"لا لإجبارية التلقيح"، و"لا تلمس جسدي.. لسنا فئران تجارب مخبرية".

وقد شملت هذه الاحتجاجات أغلب المدن الفرنسية الكبرى، مثل مرسيليا ونيس وليون وتولوز ومونبلييه ونانت ودونكيرك. أما في العاصمة باريس، فقد سار المتظاهرون في مسيرة من ساحة الباستيل مرورا بساحة ليزانفاليد، قبل أن تفرقهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع عند وصولهم إلى جادة الشانزليزيه، حيث وقعت مواجهات بينهم وبين قوات البوليس.

وأما الحراك الباريسي الثاني والأكبر، فقد كان في ساحة التروكاديرو قرب التوريفال، حيث تجمع الآلاف، وهتفوا ونددوا بالإجراءات والقيود التي تحاول الحكومة فرضها عليهم.

تراجع الموقف الرسمي

وبعد المصادقة عليه في الجمعية العامة أول أمس الجمعة، صادق مجلس الشيوخ في ساعة متأخرة من ليل أمس السبت على قانون توسيع نطاق الشهادة الصحية والتلقيح الإجباري للعاملين في القطاع الصحي وعدة مهن أخرى.

وأتت المصادقة بعد إجراء تعديلات كثيرة على القانون، مثل حذف الفقرة المتعلقة بالشهادة الصحية للمراهقين والقصّر، وترغب الحكومة الفرنسية في دخول القانون حيز التنفيذ قبل نهاية الأسبوع، في خضم ارتفاع كبير لعدد الإصابات بكورونا والانتشار السريع للمتحور "دلتا".

ووسط ارتفاع حدة الاحتجاجات، لاحظ مراقبون تراجعا طفيفا في الموقف الرسمي للحكومة ممثلة في وزير الصحة أوليفييه فيران، الذي أقر الجمعة الماضية في تصريحات إعلامية محلية، أن الاضطرار إلى تقديم تصريح صحي للذهاب إلى المطاعم أو المسارح لم يكن لطيفا "ولكن ليس لدينا خيار"، وأكد أن "الشهادة الصحية حل مؤقت، وسننهيها في اللحظة التي نستطيع فيها ذلك. ويسمح لنا القانون باستخدامها في موعد أقصاه 31 ديسمبر/كانون الأول القادم".

بوصلة الشارع وموقفه

ولئن كان البعض يشكك في جدوى الشهادة الصحية وينتقدها، فإن بعض المختصين يؤكدون فاعليتها وأهميتها في الوقت الحاضر، مثل اختصاصي الأوبئة أنطوان فلاوو الذي صرح -لوكالة الأنباء الفرنسية- أنه "إذا تم التقيّد بنظام مراقبة الشهادة الصحية فمستوى الخطر سينخفض بشكل ملموس".

ولكن موقف فلاوو لا تتبناه بييرات دو فوكوفال التي أكدت أنها ضد الشهادة الصحية كليا؛ لأنها تعتبرها ليس لها أي مبرر، وهي ضد الحرية الفردية للمواطن.

وترى فوكوفال -في حديثها للجزيرة نت- "إذا كان هناك فيروس فيجب أن نلجأ إلى الأدوية ليس إلا. وبالإضافة إلى كونها ستخلق التفرقة والتمييز بين المواطنين الفرنسيين، فإني أعتبر هذه الشهادة الصحية خطيرة جدا على الحرية، وعلى الحقوق الأساسية للمواطن الفرنسي".

وتضيف "كذلك أنا ضد إجبارية التطعيم للعاملين في القطاع الصحي، أو أي مهنة أخرى، نظرا لكون هذا يعتبر أيضا اعتداء على الحرية الفردية". وختمت حديثها -للجزيرة نت- قائلة "الحل ليس في مثل هذه القيود والإجراءات المستعجلة، بل الحل في نشر الطمأنينة والسلام والتفاؤل بين المواطنين، وليس في تخويفهم بمثل هذه الإجراءات".

وهذا الرأي يتبناه أيضا المواطن أندوييان (49 عاما)، الذي أرجع كل الذي يعيشه العالم اليوم إلى الأزمة الاقتصادية، التي تعيشها الاقتصاديات العالمية الكبرى.

ويوضح -للجزيرة نت- موقفه هذا بالقول "إن هؤلاء السياسيين والاقتصاديين يريدون أن يخرقوا كل القوانين الدستورية الفرنسية والدولية، ويفرضوا علينا أجنداتهم الأيديولوجية والاقتصادية المعولمة. هناك قانون عالمي لسنة 1956، يمنع أن يفرض أي تلقيح أو تعطى أي أدوية من دون المرور بطبيب عام يقرر مثل هذه الإجراءات".

ويضيف أندوييان "هي حرب سياسية واقتصادية واضحة، فضلا عن كونها حربًا أمنية معلوماتية تفرض علينا نظام مراقبة يخترق كل خصوصياتنا".

ويشرح "إذا كنت تجلس في المطعم أو المقهى يجب على صاحب المحل أن يتثبث من هويتك وحالتك الصحية ويطلب الشهادة ومعطياتك الشخصية الصحية، وإذا لم يفعل هذا، تأتي دورية أمنية وتعاقبه، وهو ما يحرم المواطن من حقوقه الأساسية التي نص عليها الدستور مثل حق التنقل. إنها حلقة كاملة من التضييقات تدخل في مشروع كبير اسمه العولمة الاقتصادية والسياسية الوحشية".

وهو ما توافق عليه أوديل (60 عاما)، التي تعتبر أن كل هذه الإجراءات والقيود التي تحاول الدولة فرضها على المواطنين تدخل في مشروع أكبر، وهو حرب البيانات الشخصية، والتي تحاول الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت فرضها.

وتؤكد -للجزيرة نت- قائلة "النظام الصحي الفرنسي يعتبر أخطر الأنظمة العالمية من حيث البيانات الشخصية الدقيقة التي يطلبها من كل مريض؛ هذه البيانات الشخصية تباع وتشترى، والمواطن مخترق من كل النواحي، ولا ينقصنا سوى قانون الشهادة الصحية -بكل سيئاته وقيوده وتفاصيله التي يطلبها- لكي يقضي على آخر نفس حر في المواطن".

المسيرة الاحتجاجية ضد الجواز الصحي ليوم السبت
لافتات مكتوب عليها أحب الحرية رفضا لإجراءات الحكومية والقيود المفروضة على المواطنين (الجزيرة)

التضامن والتضحية

ولأن الشارع ليس كله على موقف أودييان هذا، بل هناك من هو مقتنع بجدوى الشهادة الصحية وبضرورة فرض إلزامية التلقيح، تقول ليتيسيا "أنا مع التلقيح وإجبارية التلقيح؛ لأنني أعتقد أن هذا الوباء سيزول وينقشع خلال عام، ومن هنا لابد من التفكير في الآخرين من حولنا في الشارع، حتى نتجاوز هذه الأزمة الصحية الخانقة لا بد أن نفكر بعقلية جماعية ونتصرف بشكل جماعي".

وتضيف ليتيسيا -للجزيرة نت- "أنا مع إجبارية التطعيم كذلك، خاصة للعاملين في القطاع الصحي، لأنهم يشتغلون في قطاع حساس، ويتعاملون مع مرضى، ومن ثم يجب أن يحافظوا على أنفسهم، وكذلك يحافظوا وينتبهوا لصحة محيطهم خاصة في دور رعاية المسنين، حتى نتجاوز الأزمة الصحية خلال عام ونعود إلى حياتنا الطبيعية".

وبين هذه الآراء المتباينة يقف المتظاهر إيمانويل -الذي وجدناه يتجول في ساحة الباستيل حاملا لافتة كتب عليها "لا تلمس جسدي.. لسنا فئران تجارب مخبرية"- موقف الوسط ويبرز وجهة نظره هذه -للجزيرة نت- قائلا "أنا في الحقيقة لست ضد التلقيح في المطلق، أنا مع التلقيح، باللقاح الوطني الذي ينتجه معهد ومخابر (سانوفي) -مثلا- التي أثق فيها. أما اللقاحات المستوردة من الخارج فليس لدي ثقة فيها، ولا أريد أن أكون فأر تجارب في مخابر هذه الشركات التجارية الربحية".

المصدر : الجزيرة