وسط دهشة المصريين.. هذه أسباب الموقف الروسي تجاه سد النهضة

Egypt's President Abdel Fattah el-Sisi and Russia's President Vladimir Putin at the 2019 Russia-Africa Summit in Sochi, Russia Image: REUTERS
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) ينصت لنظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

القاهرة – "التفاهم المتبادل والثقة أمران أساسيان، أما صبّ الزيت على النار والتهديد باستخدام القوة فأمر يجب منعه وتفاديه"، بنوع من الدهشة استمع المصريون إلى تلك الكلمات من "فاسيلي نيبينزيا" مندوب روسيا في الأمم المتحدة، خلال جلسة مجلس الأمن بنيويورك الخميس الماضي، بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي.

وحول ما قصده مندوب روسيا بشأن رفض موسكو خطاب التهديد بين أطراف الأزمة، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري "أفسره على أنه يوجه الحديث إلى إثيوبيا لأنه كثيرا ما يصدر عنها تهديد بالملء دون اتفاق أو حمايته ضد خطر افتراضي، أحيانا تكون هناك عبارات تؤخذ بشكل مبهم، يسأل فيها من يصدرها".

ورغم محاولات شكري التقليل من الموقف الروسي -خلال تصريحاته المتلفزة- غير أن كثيرا من المصريين أصابتهم الدهشة نظرا إلى العلاقات المصرية الروسية التي يشيد بها النظام المصري طوال الوقت، ويتحدث عنها الإعلام المصري بوصفها من إنجازات نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ولعل ما يزيد التساؤلات إزاء الموقف الروسي هو توقيع وزارة الدفاع الإثيوبية اتفاقية تعاون عسكري في أديس أبابا مع وفد من إدارات القوات الفنية للجيش الروسي بغرض رفع كفاءة الجيش الإثيوبي.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الإثيوبية، فإن الاتفاقية تستهدف تحديث قدرة الجيش الإثيوبي في المعرفة والمهارات والتكنولوجيا.

يذكر أنه عقب اجتماع مجلس الأمن، أشادت وزيرة الدفاع الإثيوبية، مارتا لويجي، بالموقف الروسي الذي كان مؤيدا لإثيوبيا في مختلف القضايا والساحات الدولية ومن بينها الانتخابات العامة الإثيوبية، وسد النهضة، على حد قولها.

تفسيرات مفترضة

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي محمد أبو النور أن هناك أسبابا محتملة تفسر الموقف الروسي الذي ظهر غير ودّي لمصر، ورصد أبو النور للجزيرة نت أبرز تلك التفسيرات:

  • مشاركة مصر بمناورات الناتو

وهي مناورات جرت في البحر الأسود يوم 28 يونيو/حزيران الماضي وشاركت بها أكثر من 30 دولة منها 4 دول عربية بينها مصر، وضمّت أوكرانيا العدو اللدود لروسيا.

وشاركت أميركا في هذه المناورات رغم احتجاج روسيا الرسمي التي رأت هذه المناورات استفزازا لها وضد الأمن الوطني، إذ صرحت بأنها سترد إذا استدعى الأمر لحماية أمنها، وبالطبع كان لهذا أثر في الغضب الروسي من مصر التي شاركت رغم مطالب روسيا بعدم المشاركة.

  • الغاز الطبيعي

وبعد تشكيل مصر منتدى غاز شرق المتوسط عام 2019 والاهتمام الكبير الذي أولته مصر باكتشافات الغاز والحقول الموجودة، أسفر ذلك عن اتجاه مصر للتصدير إلى الخارج ومن ثم الدخول في فلك المنافسة على تصدير الغاز، وأصبح ذلك بمنزلة عنصر تهديد لصادرات روسيا من الغاز الطبيعي لأوروبا، وهو ما تسعى مصر لاقتناص جزء من كعكته من خلال نشاط منظمة الغاز في شرق المتوسط.

  • التوسع بالقرن الأفريقي

تهتم روسيا بأن يكون لها موطئ قدم في إثيوبيا لمنافسة الوجود الأميركي وتعزيز الاقتصاد الروسي من خلال المشاركة في استثمارات بسد النهضة، لذلك لم تجد روسيا أنسب من إثيوبيا، خصوصا أن أميركا كانت قد أقنعت السودان سابقا بإلغاء اتفاقية مع روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية هناك، وكانت روسيا تأمل أن يكون لها نفوذ في منطقة البحر الأحمر.

ولعل ذلك ما حاولت السودان تداركه الاثنين الماضي، عبر زيارة وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي إلى روسيا، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن خطط إنشاء قاعدة بحرية في السودان تحرز تقدما.

مواقع التواصل

والموقف الروسي كان له صدى واسع بين الخبراء والمحللين المصريين، حيث تحدث عماد جاد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات عن إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية بين مصر وروسيا، وتساءل عن الاتجاه للرد على روسيا من القاهرة بتوقيع اتفاقيات جديدة مع واشنطن التي تتطلع إلى ذلك وكسب تأييدها في ملف مياه النيل بكل تبعاته.

ومنذ سنوات يحاول النظام المصري تدعيم التقارب مع روسيا عبر مشاريع اقتصادية مشتركة مليارية لم يتم معظمها حتى الآن، مثل مفاعل الضبعة النووي المقدرة قيمته بـ25 مليار دولار، ومشاريع تنمية محور قناة السويس التي كانت قد قدرتها الحكومة المصرية بـ7 مليارات دولار، عوضا عن صفقات الأسلحة العديدة التي عقدتها مصر مع  روسيا، آخرها صفقة مقاتلات سوخوي الروسية البديلة لمقاتلات (F-35) الأميركية، لكنها لم تتم وسط اعتراضات واشنطن.

بدوره، يقول الكاتب والباحث السياسي عمرو الشوبكي إن مصر اختارت بمحض إرادتها منذ عقود أن تدخل في تحالف مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهي التي اتخذت مواقف أكثر دعما للموقف المصري، وإن كان المطلوب ليس حب أميركا وأوروبا وكراهية روسيا والصين، مشيرا إلى أن مصر ستدخل مرحلة جديدة في التعامل مع أزمة السد بعد أن استنفدت كل أدوات السياسة الناعمة، حسب وصفه.

أما الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام سابقا، فقد رأى أن روسيا التي تتفهم حاجة مصر إلى مياه النيل ترفض العمل العسكري كخيار لضمان التدفق الحر لها، وهي تحاول إرضاء كل من مصر والسودان وإثيوبيا معا بموقف مائع لا فرق بين وجوده وعدمه ولا يرضي أحدا، مضيفا أن مواقف دول الاتحاد الأوروبي لا تختلف عن الموقف الروسي، كما أن الموقف الإيطالي أكثر قربا من إثيوبيا بخاصة أن إحدى أكبر شركاتها (ساليني) تقوم بالدور الرئيس في تنفيذ السد.

 

رؤية بحثية

وفي هذا الإطار، أصدر مركز الدراسات العربية الأوراسية المتخصص بالشؤون الروسية ورقة بحثية ذكر فيها أنه في ظل نظام عالمي جديد يتشكل، تحدد القوى الكبرى، ومن بينها روسيا، علاقاتها مع الآخرين وفق معيار قوة تأثير الطرف الآخر- إيجابا أو سلبا- في مصالحها، لا وفق معيار الصداقة والعلاقات التاريخية، أو التوافق في المواقف المعلنة دون فاعلية على الأرض، وبهذه الصورة يمكن فهم طبيعة تحالفات روسيا في المنطقة.

المركز الذي يترأسه المذيع عمرو عبد الحميد المقرب من الأجهزة الأمنية المصرية ذكر أسبابا عدة لما وصفه بانحياز روسيا لموقف إثيوبيا، أبرزها:

  • لم يعد لدى مصر نفوذ يذكر في المناطق الساخنة التي لروسيا مصالح فيها، أو أوراق يمكن أن تستخدمها ضد موسكو وتخشى منها، بخاصة أن نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحترم خصومه الذين يمتلكون أنيابا ومخالب يمكن أن تؤذي المصالح الروسية حال اختلف معهم، فالنظام الروسي الحالي لا يؤمن بسوى القوة، لظروف تاريخية وموضوعية، وطبيعة شخصية بوتين وخلفيته التي قدم منها.
  • إثيوبيا بلد ناهض ولروسيا إرث كبير فيه منذ تأسيس النظام الجمهوري، ويمكن القول إن إثيوبيا الحالية بنظامها السياسي الفدرالي استنساخ من النموذج الروسي البلشفي، وروسيا تريد العودة إلى القارة من بوابتها، واستغلال حالة الجفاء الأميركي مع أديس أبابا بسبب حرب إقليم تيغراي.
  • روسيا ما زالت تتلمس طريقها في القارة الأفريقية، ولا تمتلك نفوذا يمكنها من فرض رؤيتها الخاصة لحل أي صراع، ولا سيما في موضوع معقد وممتد التفاوض مثل سد النهضة، ومصر فضلت منذ البداية الوساطة الأميركية، وإثيوبيا لا تقبل سوى الوساطة الأفريقية، وسواء أيدت موسكو موقف القاهرة أو أديس أبابا، فلن يغير ذلك من الواقع شيئا، ولكن روسيا تتمسك بما يبدو موقفا حياديا يحمل في طياته تأييدا للرؤية الإثيوبية، ويمكن أن تحقق به مكاسب عدة لمصالحها القومية كما سلف.
  • غياب حديث النخب بين مصر وروسيا وعدم وجود علاقات بين المجتمع المدني المصري ونظيره الروسي.

المصدر : الجزيرة