ما سر الرقم 56 في العراق؟ ولماذا يرفضه مرشحو الانتخابات؟

قرار حذف الرقم 56 لم يسلم من التعليقات الساخرة مع بقاء المحتالين، ومطالبات بحذف مرشحين متهمين بالفساد بدل حذف أرقامهم

الانتخابات العراقية تجري في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول القادم (رويترز)

أصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق قرارا فريدا من نوعه، يتمثل بإلغاء الرقم 56 من تسلسل المرشحين للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وجاء القرار إثر رفض الكثير من مرشحي الانتخابات حمل هذا الرقم في أوراق الاقتراع. فما لغز هذا الرقم، ولماذا يتحفظ عليه المرشحون.

جمانة الغلاي المتحدث باسم المفوضية
الغلاي: حذف الرقم 56 يأتي لمنع التاثير سلبا على حظوظ المرشح بالانتخابات (الجزيرة)

سمعة سيئة الصيت

لا ترتبط سمعة الرقم 56 بالعملية الانتخابية وحسب بل هو رقم منبوذ وسيئ الصيت لدى العراقيين منذ سنوات عدة، وحيثما حل هذا الرقم فإن ذكره وحامله يكونان محلا للسخرية والاستهزاء في الكثير من الأحيان.

وجاء ذلك من الارتباط بالمادة القانونية 456 في قانون العقوبات والمعنية بجرائم النصب والاحتيال، وانطلاقا من هذه المادة وعقوبتها فإن العراقيين لجؤوا منذ سنوات لإطلاق الرقم 56 على أي شخص يتهمونه بالنصب والاحتيال، وكثيرا ما كانت توسم تلك الصفة للتعبير عن سخط العراقيين من الطبقة السياسية.

ودفعت سمعة ذلك الرقم مفوضية الانتخابات إلى حجبه من تسلسل المرشحين للانتخابات القادمة بهدف عدم تعريضهم للإحراج مثلما حدث سابقا، كما توضح المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي للجزيرة نت، مبينة أن اقتراح إلغاء هذا الرقم قدمته شعبة شؤون المرشحين إثر مطالبات بإلغائه.

وقالت الغلاي إن استبعاد هذا الرقم جاء نتيجة المدلولات الخاصة به، وبالتالي قد يؤثر على حظوظ المرشح بالانتخابات، لذلك تم استبعاده تحقيقا لعدالة الفرص أمام جميع المرشحين.

سعد المطلبي مرشح عن بغداد - تحالف تشرين الوطني
المطلبي اعتبر أن خطوة إلغاء الرقم 56 إيجابية وتصب في صالح المرشحين (الجزيرة)

رفع الحرج

يعبر الكثير من المرشحين عن ارتياحهم لقرار المفوضية الذي رفع عنهم الحرج من حمل هذا الرقم، وكذلك شعور القلق والانتظار والتعرض للاتهام بالنصب والفساد حال حمله دون التمعن في برنامج المرشح أو شخصه وإمكانياته.

وفي هذا المجال، يصف المرشح عن بغداد سعد المطلبي هذه الخطوة بالإيجابية وتصب في صالح المرشحين، مشيرا إلى أن سمعة هذا الرقم ليست بالجديدة، لكنها تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، وارتفاع نسب ظواهر الاحتيال والنصب لسرقة أموال المواطنين نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وأوضاع الحصار التي عاشها العراق حينها.

وبعد الغزو الأميركي الذي أطاح بالرئيس (الراحل) صدام حسين عام 2003 وانتشار الفساد في المرحلة التي تلت ذلك، ألصقت هذه التهمة التي وصفها المطلبي بالظالمة بالسياسيين، فليس كل السياسيين فاسدين، مؤكدا أهمية إلغاء الرقم بالقول "إن أي مرشح سيحمله سيكون محل للسخرية والإسقاط، ولن يتمكن من الوصول إلى مجلس النواب على اعتبار أنه سيتهم بأنه فاسد حتى قبل أن يصل للمسؤولية".

رأي المطلبي يختلف مع آراء القليل من المرشحين ممن تحدثوا عن استغرابهم من حذف الرقم، كحال المرشح عن محافظة كربلاء أحمد الهلالي والذي عبر عن أمنيته بحمل الرقم 56 بدل إثارة كل هذه الزوبعة حوله، مشيرا إلى أن "العبرة بالشخص وليس الرقم، الناس ستختار مرشحها بغض النظر عن رقمه، صحيح أن سمعة هذا الرقم سيئة لكن العراقيين باتوا يعرفون تقييم المرشحين".

ومن جانبه اعتبر الصحفي عبد الأمير الكناني أن خطوة المفوضية جيدة، لكنه يتساءل عما إذا كان حذف صفة النصب سيضمن حصول العراقيين على نواب وحكومة نزيهة تتمتع بالكفاءة ونظافة اليد والذمة، وربما إجابته بيد العراقيين وليس بيد الأرقام إذا ما كانت هناك مشاركة واسعة تسير بالاتجاه الصحيح بدلا من المضي خلف السمعة والصيت.

جميعهم 56

ولم يسلم قرار حذف الرقم 56 من التعليقات الساخرة مع بقاء المحتالين، ومطالبات بحذف مرشحين متهمين بالفساد بدل حذف أرقامهم.

ويجد المواطن علي جلال (33 عاما) أن عملية إلغاء الرقم لم تكن صحيحة فهو الرقم الوحيد حسب رأيه الذي يناسب نسبة كبيرة من السياسيين والمسؤولين والنواب، مشيرا إلى أنه والكثير من العراقيين ضد هذا القرار لأن هذا الرقم يناسب الكثير من المسؤولين الحاليين والبرلمانيين ممن تلطخت أيديهم بالفساد وسرقة العراقيين والاحتيال عليهم.

البعض الآخر من المواطنين طالب بإعادة الرقم لوجود من يستحق حمله من المرشحين، كما يقول علي عباس (36 عاما) الذي رأى أن قرار حذف رقم 56  خاطئ لأنه ينطبق على جميع قوائم الأحزاب وأرقام المرشحين.

وتحدث المواطن بغضب فقال "لم نجنِ من السياسيين سوى السرقة والفساد وإهدار 18 عاما من عمرنا، والمفروض أن تمنحهم المفوضية الرقم 56 دون استثناء، وهذا أقل ما يستحقوه بعد ما وعدونا بالجنة طيلة الانتخابات السابقة، ولم نجنِ سوى الخراب وانقطاع الكهرباء والماء وغياب الخدمات".

د.ندى العابدي باحثة اجتماعية
العابدي رأت أن لجوء العراقيين لإطلاق الرقم 56 على السياسيين بمثابة نقد للسلطة وتعبير عن السخط (الجزيرة)

التكميم والترميز

ويرى باحثون أن لجوء العراقيين للترميز ليس بأمر مستحدث بل هو من الأمور المتجذرة الناجمة عن السلطات الحاكمة المتسلطة التي اعتمدت على تكميم الأفواه وتقييد الحريات ومنتقدي السلطة والمسؤول، كما تشير الباحثة الاجتماعية ندى العابدي.

وتحدثت العابدي -للجزيرة نت- عن لجوء العراقيين الناقدين بطبعهم والناقمين على السلطة لإطلاق صفة الرقم 56 على السياسيين، كنقد للسلطة والتعبير عن السخط، وقالت إن ما ساعد على ذلك هو ما شهده البلاد بعد عام 2003 من اتساع ظاهرة الفساد والسرقات للمال العام وتراجع الوضع العام للبلد وارتفاع مستوى الفقر، وهذا يدفع بالمواطن إلى أن يستخدم رموزا للتعبير عن تذمره ونقمه على الأوضاع وللتهرب من المسألة من قبل السلطة في حالة الإشارة المباشرة.

وأكدت أن "العراقي ناقم على مظاهر الفساد والاستغفال، لذا لجأ إلى إطلاق مصطلح 56 بشكل غير مباشر ليشير إلى ما ناله من تلاعب وعمليات سرقة واحتيال تعرض لها على أيدي السياسيين والمسؤولين عن تراجع الأوضاع بالبلاد، وهذه الفطرة التي تمزج بين النقد والفكاهة سمة متكررة لدى العراقيين في التعبير عن سخطهم إزاء السلطة المكممة للأفواه".

خلفيات وأرقام مشؤومة

مصطلح 56 لم يصبح مرتبطا برأي المواطنين إزاء المسؤولين الفاسدين وحسب بل أصبح مصطلحا متداولا مجتمعيا، فالكثير من العراقيين بدأ يطلق هذا المصطلح على كل دخيل أو طارئ في غير تخصصه، كذلك أي شخص يحاول إظهار خلاف حقيقته أو يحاول خداع الناس بالمظاهر الكذابة والزيف.

كما أن إلغاء الرقم من تسلسل المرشحين أعاد الى الواجهة أصل استخدام المصطلح وتبعاته، كما أن لقرار إلغاء التسلسل 56 خلفيات سابقة خلال الانتخابات الماضية، فتحالف "سائرون" حمل التسلسل 156، وكان محل تهكم الآخرين وإشارة للرقم في الحديث عن التحالف.

ويرتبط الأمر بحوادث أخرى مشابهة من الخشية من الأرقام وتأثيرها السيئ على حاملها، ففي أوروبا يعتبر "13" رقم الشيطان ورمز التشاؤم وسوء الحظ، لما ارتبط به من دلالات من خلال وشاية "يهوذا الأسخريوطى" بالسيد المسيح، وهو ما صوره الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشى فى لوحة "العشاء الأخير" بالقرن 15.

المصدر : الجزيرة