في ذكرى استهداف المفاعل النووي العراقي.. كيف تمكنت إسرائيل من تدميره؟

مقاتلات من طراز "إف-15 وإف-16" تجتاز دولا عربية وتقصف المفاعل العراقي وتدمره وتقتل 10 عراقيين وفرنسيا وتعود سالمة!

مفاعل تموز النووي العراقي قصفته إسرائيل بغارة جوية عام 1981 ودمرته (الفرنسية)

في حادثة تعد الأولى من نوعها عالميا، استهدفت مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف-15 وإف-16" (F-15 وF-16) مفاعل تموز العراقي النووي في 7 يونيو/حزيران 1981 وقد دمر المفاعل بصورة شبه كلية، مع مقتل 10 عراقيين ومدني فرنسي، وعُرفت العملية باسم أوبرا.

ورغم أن العراق كان يخوض حينها حربا ضروسا مع إيران، ورغم امتلاكه دفاعات جوية وطائرات حربية وجهاز مخابرات قويا، فإنه أخفق في اكتشاف الضربة والدفاع عن المفاعل النووي.

مفاعل تموز

يقع المفاعل النووي العراقي، المعروف باسم "مفاعل تموز" (أوزيراك) بالفرنسية، في منطقة التويثة التي تبعد 17 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من العاصمة بغداد.

وكان العراق قد حاول منذ ستينيات القرن العشرين الدخول رسميا في النادي النووي السلمي وربما العسكري عبر برنامج نووي طموح، حيث استغل حينها إمكانياته البشرية العلمية والثروة التي تحققت بعد تأميم نفطه عام 1973.

مطلع عام 1975 وافقت فرنسا على بناء مفاعلين نوويين في العراق بمنطقة التويثة، وكانا مشابهين للمفاعلات النووية في مركز الأبحاث النووية التابع لوكالة الطاقة الفرنسية  (CEA) حيث كان المفاعل الأول (تموز 1) بقدرة 40 ميغاواط والآخر (تموز2) لأغراض التدريب بقدرة 600 كيلواط.

ومع قرب اكتمال بناء المفاعل العراقي، شهدت البلاد أول عملية عسكرية نوعية في العالم، عندما تمكنت القوات الجوية الإسرائيلية من تدمير المفاعل النووي العراقي بصورة كلية في 7 يونيو/حزيران 1981.

العلاف: واشنطن اتخذت من عدم التزام العراق بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل بشكل صريح حجة للغزو - الجزيرة نت
العلاف: حاولت إيران قبل إسرائيل استهداف المفاعل العراقي ولكنها لم تنجح (الجزيرة نت)

استهداف المفاعل

يقول المؤرخ العراقي وأستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل إبراهيم العلّاف إن استهداف إسرائيل مفاعل تموز العراقي لم يكن الأول، إذ ومع استمرار وتصاعد الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) شنت إيران في 30 سبتمبر/أيلول 1980 غارات جوية على المفاعل العراقي لكنها لم تصب أي منشآت مهمة في المفاعل، واقتصرت الأضرار حينها على الأبنية الفرعية.

ويضيف العلاف (مؤلف كتاب القدرات النووية في الشرق الأوسط) في حديث حصري للجزيرة نت أنه وبعد تلك الحادثة بـ 9 أشهر، جاء القصف الإسرائيلي للمفاعل في 7 يونيو/حزيران 1981 حيث أدى القصف إلى خسائر بالغة بالمفاعل.

وجاء القصف الإسرائيلي بعد أن أعيد انتخاب مناحيم بيغن رئيسا لحكومة إسرائيل عام 1981، واتخذ حينها قرارا بقصف المفاعل النووي العراقي، مبررا ذلك بأن مفاعل "تموز1" كان على وشك البدء بالتشغيل العملي ولابد من إحباط محاولة بغداد استخدام هذه المفاعلات لإنتاج أسلحة نووية تستخدم ضد إسرائيل التي تمكنت من إنتاج نحو 200 قنبلة نووية من مفاعلها الفرنسي الأصل (مفاعل ديمونا) خلال 3 عقود.

وبغض النظر عن كيفية استهداف المفاعل وتمكن الطائرات الإسرائيلية من اختراق حدود دول أخرى والوصول إلى المفاعل النووي العراقي، فإن أسئلة كثيرة تطرح عن أسباب فشل أجهزة الاستخبارات العراقية في اكتشاف الضربة قبل حدوثها وعن فشل الدفاعات الجوية العراقية في مواجهة الطائرات الإسرائيلية على أقل تقدير.

الجميلي يرى أن جهاز المخابرات العراقية أخفق في توقع استهداف إسرائيل مفاعل تموز (الجزيرة نت)

فشل الاستخبارات

وبالعودة إلى العلاف، يشير إلى أن ما سُمِّي عملية "أوبرا" الإسرائيلية لاستهداف المفاعل النووي العراقي كانت دقيقة للغاية، وتفوق بكثير المحاولة الإيرانية.

ويؤكد أن الاستخبارات العراقية والدفاعات الجوية لم تكن في وضع يساعدها في كشف الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحلق على مديات مختلفة، حيث قطعت مسافة 2500 كيلومتر وعبرت أجواء الأردن والسعودية، وهي على ارتفاع لا يزيد على 100 قدم من الأرض دون أن تكشفها الرادارات الأردنية والسعودية.

ويتابع أن الطائرات الإسرائيلية كانت تستخدم تكنولوجيا متطورة للغاية، فضلا عن أن الطيارين الإسرائيليين كانوا قد تدربوا لفترة طويلة على استهداف المفاعل العراقي.

ومن جانبه يقول سالم الجميلي مدير شعبة أميركا بجهاز المخابرات العراقي السابق للجزيرة نت إن مهام جهاز المخابرات العراقية الخاصة بحماية المفاعل النووي كانت تنحصر في 3 مهام، الأولى تتعلق بأمن الموظفين ويشمل ذلك التدقيق وجمع المعلومات عن جميع الأفراد العاملين في البرنامج النووي للتأكد من سلامة وضعهم  قبل وأثناء العمل.

أما المهمة الثانية فكانت تتعلق، حسب الجميلي، بأمن المنشأة النووية بما في ذلك السيطرة على المداخل والمخارج وإصدار بطاقات الدخول ومراقبة المنشأة من الداخل، والتنسيق مع القوة العسكرية المسؤولة عن حراسة المفاعل ومحيطه.

ويتابع الجميلي أن المهمة الثالثة كانت تتعلق بأمن العلماء، إذ وبعد عملية اغتيال العالم النووي المصري يحيى المشد عام 1980 في باريس والذي كان له دور بارز في البرنامج النووي العراقي، اتخذت القيادة العراقية قرارا بتخصيص ضباط مخابرات لمرافقة العلماء وحمايتهم داخل وخارج البلاد.

أبو رغيف عزا فشل العراق في حماية مفاعله النووي إلى التخبط السياسي للنظام السابق (الجزيرة نت)

عدة اعتبارات

أما الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف فيعزو فشل العراق في الدفاع عن المفاعل لعدة اعتبارات، أولها التخبط السياسي للنظام السابق في التعامل مع فرنسا بأحادية دون الرجوع للولايات المتحدة وبريطانيا الرائدتين في هذا المجال.

ويتابع أبو رغيف -في حديثه للجزيرة نت- أن المخابرات العراقية لم تكن عالمية، إذ كانت تعمل ضد معارضي النظام في الداخل والخارج دون العمل الحثيث على حماية الأمن القومي، لافتا إلى أن النقطة المفصلية كانت تتمثل بشخصية الرئيس صدام حسين الذي كان دائما ما يدعو إلى مهاجمة إسرائيل مما أدى لتسريعها في شن ضربة على المفاعل النووي خشية قدرة العراق على الحصول على القنبلة الذرية.

ويذهب في هذا المنحى -كذلك- العلاف الذي يؤكد أن الإسرائيليين برروا قصف المفاعل العراقي بأنه دفاع عن النفس واستباق لما كان يمكن أن تفعله بغداد التي كانت تهدد الوجود الإسرائيلي صباح مساء، فضلا عن أن العراق كان البلد الوحيد الذي لم يوقع على اتفاقيات الهدنة بعد حرب 1948.

ويفصل العلاف -في حديثه للجزيرة نت- أن استهداف المفاعل تم من خلال الخبير التقني الفرنسي الذي أعطى إحداثيات المفاعل للجهات الاستخبارية الإسرائيلية عبر وضعه جهاز تحديد للمواقع الجغرافية داخل المفاعل، مشيرا إلى أن هذه الرواية أكدها كتاب صادر عن جهاز الموساد في تل ابيب، مستدركا "كثير من تفاصيل الهجوم الإسرائيلي لا تزال غامضة، خاصة أن الخبير الفرنسي قتل بالضربة الجوية حيث لم يغادر المفاعل، ولا أحد يعلم لماذا".

ورغم امتلاك علاقات قوية مع الاتحاد السوفياتي آنذاك، فإن العراق لم يتلق أي تحذير استخباراتي، ويعلل ذلك الخبير الأمني والعسكري مؤيد سالم الجحيشي الذي يرى أن العملية كانت إسرائيلية بحتة، وبالتالي لم تكن الاستخبارات الدولية على علم مسبق بالضربة.

من مواقع التواصل الاجتماعي - الخبير الأمني والعسكري - مؤيد سالم الجحيشي
الجحيشي: الخطأ العراقي الرئيسي كان الاعتقاد بأن استهداف المفاعل سيكون من ناحية إيران وليس من أي جهة أخرى (مواقع التواصل)

فشل الدفاعات الجوية

وإلى جانب تقصير أجهزة الاستخبارات العراقية، أخفقت الدفاعات الجوية في اكتشاف الطائرات الإسرائيلية وصدها، وفي هذا المنحى يرى أبو رغيف أن العراق كان يمتلك منظومة دفاع جوي سوفياتية من طراز "سام-6" وكانت تعتبر قديمة ومتهالكة في تلك الفترة، فضلا عن أنها كانت متأخرة تكنولوجيا مقارنة بالطائرات الأميركية التي استخدمت في الضربة الجوية.

ويتابع أبو رغيف أن أنظمة الرادارات أخفقت في اكتشاف الطائرات التي استخدمت أنظمة الحرب الإلكترونية والتشويش مما حال دون اكتشافها، لافتا إلى أن الضربة الإسرائيلية كانت تهدف، بالإضافة لمنع العراق من الحصول على قدرة نووية عسكرية- للحفاظ على الميزان العسكري بين العراق وإيران خلال حرب البلدين التي امتدت 8 سنوات.

أسباب عديدة يشير إليها الخبراء العسكريون، وبالعودة إلى الجحيشي فإنه يؤكد أن العراق وفي خضم حربه مع إيران كان يركز جلّ اهتمامه الأمني والعسكري على الجبهة الشرقية للبلاد، وبالتالي لم يكن يتوقع ضربة عسكرية من إسرائيل، بحسبه.

ويتابع الجحيشي للجزيرة نت أن بطاريات الإنذار ومنظومات الرادار كانت نادرة على الحدود الغربية للعراق التي جاءت منها الطائرات الإسرائيلية، لافتا إلى أن الخطأ العراقي الرئيسي كان في الاعتقاد بأن استهداف المفاعل النووي سيكون من إيران التي تخوض بغداد معها حربا وليس من أي جهة أخرى.

المصدر : الجزيرة