انسحاب قوات الحكومة الإثيوبية من تيغراي.. أسئلة الحوار والانفصال

رغم الخلاف السوداني المصري مع الحكومة الإثيوبية على خلفية نزاع سد النهضة، فإن ميزان المصالح للسودان خاصة، لا يرجح دعمه انفصال تيغراي والقتال ضد الجيش الإثيوبي

Ethiopian army patrols streets of Mekelle city
القوات الإثيوبية غادرت مدينة ميكيلي وتركتها لمقاتلي تيغراي (الأناضول)

أديس أبابا- مثّل انسحاب قوات الحكومة المركزية الإثيوبية الاثنين (28 يونيو/حزيران 2021) من إقليم التيغراي شمال البلاد، تطورا مهما في الصراع المندلع منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وعلى وقع مغادرة قوات الحكومة المركزية "ميكيلي" عاصمة الإقليم، ودخول قوات التيغراي لها، أعلنت الحكومة وقف إطلاق النار من طرف واحد. وعللته بإتاحة الفرصة لنجاح الموسم الزراعي المرتبط بهطول الأمطار.

وردا على الإعلان، أعلن المتحدث باسم "جبهة تحرير شعب التيغراي" قيتاشوا ريدا، استمرار عملياتها في الإقليم، بل أشار إلى احتمال تمددها جغرافيا.

إلا أن انسحاب قوات الحكومة من الإقليم، لاقى ترحيبا دوليا واسعا وخاصة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

وبالنظر إلى الموقفين المتصارعين للحكومة المركزية والجبهة، يثور السؤال: هل يفتح الانسحاب الباب أمام تسوية بين الحكومة والتيغراي؟ وهل يعود السلام إلى الإقليم وتفتح صفحة جديدة مع الحكومة؟ أو أنه الطريق إلى الانفصال؟ وهو الأمر الذي يثير مخاوف حقيقية من فتح شهية أقاليم أخرى للمطالبة بتقرير مصيرها، الأمر الذي يتيحه الدستور الإثيوبي.

مخاوف الانفصال

وتنص المادة 39 من الدستور على أنه "لكل شعب وقومية وأُمَّة في إثيوبيا الحقّ المطلق غير المشروط  في تقرير مصيرها، بما في ذلك حقّها في الانفصال".

ومع التطورات الأخيرة تزداد هذه المخاوف في أقاليم بني شنقول المتاخم للسودان والذي تبني الحكومة على أرضه "سد النهضة"، وإقليم أوروميا الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء آبي أحمد، ويضم أكبر كثافة سكانية، وتمثل قومية الأورومو 40% من سكان الدولة الذين يقدرون بحوالي 120 مليون نسمة.

وتتعزز هذه الخشية أيضا في ظل مناداة بعض المعارضين لآبي من الأورومو بالانفصال، وكذلك بعض المنتمين لإقليم العفر المتاخم لإقليم التيغراي.

بل إن النزعة الانفصالية هنا تأخذ شكلا عابرا للحدود مع مناداة بعض المتشددين بقيام "دولة العفر"، عبر اقتطاع المناطق التي تعيش فيها قوميتهم من دول إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا.

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (بزي عسكري) يصافح قادة عسكريين خلال زيارته مدينة ميكيلي نهاية العام الماضي (مواقع التواصل)

هل يشكل انسحاب القوات الإثيوبية فرصة للحوار مع الجبهة في التيغراي؟

الإجابة جاءت سريعا من بسط قوات جبهة التيغراي سيطرتها على المزيد من المدن والبلدات واقترابها حتى من حدود الإقليم مع السودان، وبسيطرتها الثلاثاء (29 يونيو/حزيران) على مطار مدينة الحمرة. والذي يبعد عن الحدود السودانية الإثيوبية مسافة 40 كيلومترا.

ويؤكد ذلك أنها لا تريد التفاوض في الوقت الراهن حتى تسيطر على كامل الإقليم، بل إنها قد تمتد إلى مناطق متنازع على تبعيتها مع إقليم الأمهرة، وكانت تتبع لإقليم التيغراي عندما كان في سطوته قبل 2018.

ما العقبات أمام التسوية التي قادت إلى الانسحاب؟

يعتبر رئيس الوزراء آبي أحمد قيادات الجبهة مجموعة خارجة عن القانون ويجب القبض عليهم ومحاكمتهم، بل إنه استصدر قرارا من البرلمان السابق باعتبار "جبهة تحرير شعب تيغراي" حركة إرهابية. وإزاء هذه المواقف المتضاربة يصبح جلوس الطرفين للحوار دون وسيط، أمرا مستبعدا حاليا.

لكن الترحيب الذي وجده قرار وقف إطلاق النار، والدعوة لجلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي الجمعة المقبل، قد يقودان إلى بلورة وساطة دولية. وخاصة قبيل جولة للمبعوث الأميركي جيفري فيلتمان في المنطقة الأسبوع المقبل، تتركز حول قضيتي إقليم التيغراي وخلافات سد النهضة.

وهذا يحتاج لتغيير في موقف آبي أحمد الذي ظل على مدى ثمانية أشهر يرفض الوساطات، باعتبار أن القضية شأن داخلي لكن احتمال تغير موقفه يدعمه تحول التيغراي إلى قضية إنسانية بسبب التطورات التي أفرزتها الحرب.

كيف سيفكر التيغراي في التسوية؟

من الواضح أن مسؤولي الإقليم، ومنذ تفجر الأزمة ورفضهم عام 2018 قرار الحكومة المركزية بتأجيل الانتخابات وإقامتهم انتخابات خاصة عام 2019، وعدم اعترافهم بالتمديد لحكومة آبي أحمد بعد انتهاء ولايتها، سيتشددون في المطالبة بتغيير تركيبة السلطة المركزية، وهذا قد يضع العقدة في المنشار.

من أين حصل التيغراي على الدعم خلال الحرب؟

يفتح التطور العسكري السريع لجبهة التيغراي، باب الأسئلة حول مصدر الدعم الذي حصلت عليه خاصة بعد أن تلقت الضربة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وأُخرجت من المدن الرئيسية وسيطرت القوات الحكومية وحليفتها الإريترية حتى على الطرق الرئيسية، عندما أعلن أحمد انتهاء عملية "فرض القانون" حينها.

وتحد إريتريا إقليم التيغراي من الشمال، وهي حليف آبي أحمد، مما يستبعد فرص تقديمها الدعم أو السماح حتى بمرروه. لكن يقف السودان على الحدود الشمالية الغربية للتيغراي، وله خلافان مع الحكومة الإثيوبية هما سد النهضة الذي يتشارك أمره مع مصر، إضافة للخلاف على منطقة الفشقة الحدودية.

وعندما بدأ النزاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اتهمت الحكومة المركزية التيغراي بمهاجمة القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي اللامركزي. وهي واحدة من أبرز أربع قيادات للجيش تضم تشكيلات برية وجوية. كما أنها كانت تتمتع بأهمية خاصة لقربها من إريتريا التي ظلت إثيوبيا على نزاع حدودي معها منذ 1998 وحتى 2018. والسيطرة على هذا المركز قد يجيب عن سؤال الحصول على مصدر الإمداد.

وإضافة للقيادة الشمالية، تحتفظ إثيوبيا بمستودعات ضخمة من الأسلحة والذخائر في الجزء الشمالي من إقليم تيغراي قرب الحدود مع إريتريا، وباكرا سيطرت الجبهة على هذه المستودعات ويحتمل أنها استخدمتها كإمداد أيضا.

لكن المدى الزمني الذي أخذته سيطرة الحكومة المركزية، يثير شكوكا حول أن تكون الجبهة استفادت من هذه المراكز العسكرية.

سد النهضة الإثيوبي.. هل تلعب الصين دورا في حلحلة الأزمة؟
أزمة سد النهضة هل تدفع السودان ومصر إلى الضغط على إثيوبيا في تيغراي؟ (مواقع التواصل)

من المستفيد من الضغط على الحكومية المركزية؟

قد تشير الأصابع إلى السودان ومصر جراء قضيتي السد والفشقة، لكن الواقع الجغرافي يفرض اختلاف موقف الدولتين في خلق حالة عدم استقرار في إثيوبيا.

فالسودان يجاور أربعة من الأقاليم الإثيوبية هي تيغراي وأمهرة وأوروميا وبني شنقول، ويعيش بها 80% من سكان إثيوبيا، ويشكلون أكثر من ضعف سكان السودان، مما يجعل أي محاولة سودانية لخلخلة استقرار الجارة مغامرة تفتح الباب واسعا أمام تدفقات للاجئين في مناطق سودانية تشكو من ضعف البنى التحتية والفقر والهشاشة الأمنية.

كما أن الحدود المفتوحة بين البلدين سهلة العبور، قد تؤدي إلى تدفق سلاح بشكل غير قانوني، في منطقة تعاني من صراعات قبلية بين مزارعين ورعاة.

إضافة إلى أن حكومة السودان، المكونة من مدنيين وعسكريين، تبدو شبه منقسمة تجاه إثيوبيا، فالمدنيون يعتبرون العلاقة مع أديس أبابا إستراتيجية آخذين بالاعتبار مصالح الخرطوم في السد والفشقة. أما العسكريون فلديهم تحالفات إقليمية مع مصر والخليج تؤثر على موقفهم من إثيوبيا، ولذا فإن إقدام السودان على التدخل في الشأن الإثيوبي يبدو مستبعدا.

أما مصر التي ليست لديها حدود مباشرة مع إثيوبيا ولن تتأثر بالوضع الأمني فيها، وفي الوقت ذاته من مصلحتها الضغط على أديس أبابا حتى تحمي مصالحها في مياه النيل، قد تدعم للوهلة الأولى عدم استقرار إثيوبيا.

ولكن كيف يمكنها الوصول إلى التيغراي في ظل تحالف أسمرا مع أديس أبابا؟ يبقى أمامها خيار واحد، هو أن يتم ذلك عبر السودان الذي لديه تعقيداته المختلفة مع إثيوبيا أيضا.

المصدر : الجزيرة