ذكرى انتحار أم اغتيال.. أشرف مروان ملاك الموساد أم وطني مخلص كما وصفه مبارك؟

أشرف مروان (يسار) والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (مواقع التواصل)

القاهرة– في تمام الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر الأربعاء 27 يونيو/حزيران 2007، سقط رجل الأعمال المصري أشرف مروان من شرفة منزله في حي راق بالعاصمة البريطانية لندن ليفارق الحياة عن 63 عاما.

وكتب ذلك اليوم نهاية غامضة لرجل كان صهرا للرئيس المصري جمال عبد الناصر، ثم سكرتيرا للمعلومات مع الرئيس أنور السادات، لتتشابه نهايته الغامضة مع الممثلة الشهيرة سعاد حسني، والليثي ناصف الذي كان قائد سلاح الحرس الجمهوري في عهد السادات.

وفي الأول من يوليو/تموز 2007، شيعت جنازة مروان بالقاهرة، في حضور رسمي من كبار رجال الدولة، تقدمهم جمال مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك، وشيخ الأزهر آنذاك محمد سيد طنطاوي، وسط حالة من الجدل حول حقيقة الرجل، وهل كان حقا جاسوسا لإسرائيل أم كان عميلا مزدوجا لصالح القاهرة، وعمل بوصفه جزءا من خطة خداع مصر لإسرائيل؟ وهل انتحر فعلا أم قتل عمدا؟

وطني مخلص

في أعقاب وفاته، وصف حسني مبارك، الرئيس المصري الراحل، مروان بأنه كان وطنيا مخلصا، وقام بالعديد من الأعمال الوطنية التي لم يحن الوقت للكشف عنها. وذكرت بي بي سي (BBC) أن الوثائق البريطانية تقول إن مروان لعب دورا في مساعدة الرئيس المصري أنور السادات في الحصول على السلاح استعدادا لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ضد إسرائيل.

واتهمت أسرته جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) بقتله لدوره في خداع إسرائيل خلال هذه الحرب وتقديم معلومات مضللة لهم.

عميل لإسرائيل

لكن هذه التصريحات الرسمية من مبارك لم تحسم حالة الجدل التي ارتبطت باسم مروان، منذ صدور كتاب "الأسطورة مقابل الحقيقة: حرب يوم كيبور الإخفاقات والدروس" عام 2004، الذي كتبه رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق إيلي زيرا، وذكر فيه أن مروان كان عميلا، وأبلغ إسرائيل بموعد بداية حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لكن قادة إسرائيل تجاهلوا التحذير.

وقبل أعوام، أفرجت تل أبيب عما قالت إنها برقية التحذير الرسمية التي أرسلها رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي تسفي زامير قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، وذلك بعد لقائه أشرف مروان، حيث أطلعه مروان على ساعة الصفر.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن أشرف مروان كان من أفضل الجواسيس المصريين الذين قدموا أحسن الخدمات لإسرائيل، وأضافت أن "دوافع مروان لعرض خدماته على إسرائيل وخيانة بلاده لم تكن واضحة، لكن من الأسباب التي تُقال إنه كان مستاءً من عبد الناصر الذي حاول منع زواجه من ابنته منى".

وأنتجت شبكة نتفليكس (Netflix) فيلما مأخوذا من الرواية الإسرائيلية المعنونة "الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" للكاتب الإسرائيلي أوري بار جوزي، الذي يشرح بالتفصيل تواصل مروان مع الموساد الإسرائيلي.

مبارك يحذر الفقي

في الوقت الذي يؤكد فيه الإسرائيليون أن مروان كان جاسوسا لهم، لا يقدم المسؤولون المصريون أجوبة واضحة، رغم وصف مبارك العلني له بالوطني المخلص.

لكن في لقاء تلفزيوني لمصطفى الفقي، الذي عمل سكرتيرا للمعلومات مع الرئيس مبارك عدة سنوات؛ قال إن مبارك كان يحذره من مروان بقوله "جهاز التسجيل دائما في جيبه".

ويحكي الفقي أنه قبل شهر من وفاة مروان طلب منه كتابة مقدمة لمذكراته، فلم يمانع الفقي وطلب قراءتها، فقال له مروان إنه سيأتيه بها المرة القادمة، ويعتقد الفقي أن السادات كان يكلفه بمهام معينة عند الإسرائيليين، ومن الممكن أن يكون قد استعمله طعما، أو أخبرهم بموعد "حرب أكتوبر" دون التوقيت المحدد.

وفي لقاء تلفزيوني لرئيس المخابرات ووزير الحربية الأسبق أمين هويدي، قال إن كل الاحتمالات قائمة، وإنه لا يمكن نفي أو تأكيد أن مروان كان جاسوسا، موضحا أن هناك قاعدة مهمة في التعامل مع مثل هذه القضايا؛ فما لا يمكن نفيه بصفة قاطعة، يجب أن تتعامل معه كأنه حقيقة قائمة.

مواجهة مع هيكل

مروان نفسه أنكر الاتهامات بكونه جاسوسا لإسرائيل خلال حياته، وفقا لرواية الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه "مبارك وزمانه".

يحكي هيكل عن لقاء جمعه معه في لندن قبل أشهر من رحيله، حيث واجهه هيكل بما يتردد عنه، فأخرج له مروان قصاصة من جريدة الأهرام، نشرت نص ما قاله السادات في تكريم مروان عندما ترك منصبه في رئاسة الجمهورية، وقال ألا تكفيك شهادة أنور السادات حين يقول إنني قدمت خدمات كبيرة لمصر؟

وتابع مروان، وقد بدا عليه الحرج -والرواية لهيكل- "هل تتصور أن صهر جمال عبد الناصر جاسوس، وأنت كنت أقرب الأصدقاء إليه وتعرفه؟" فرد هيكل "دعني أكون واضحا معك؛ لا شهادة حسن سير وسلوك من أنور السادات، ولا صلة مصاهرة مع جمال عبد الناصر تعطيان عصمة لأحد، نحن أمام مشكلة حقيقية تقتضي وضوحا مقنعا حقيقيا".

وفي الكتاب نفسه، يقول هيكل إن كرامة البلد وسمعة أشرف مروان نفسه تتطلبان تحقيقا رسميا مصريا في الموضوع، بواسطة هيئة رفيعة المستوى، تضم عناصر قضائية، وبرلمانية، على أن تمثل فيها المخابرات العسكرية والمخابرات العامة، وظني أنه من دون ذلك لا تستقيم الأمور.

هل اغتاله الموساد؟

مع الجدل الثائر حول حقيقة كونه عميلا مزدوجا أم جاسوسا سرّب للإسرائيليين موعد الهجوم في "حرب أكتوبر"، يبقى الجدل أيضا حول حقيقة وفاته الغامضة، فقد قضت محكمة التحقيق العلنية البريطانية في يوليو/تموز 2010 بأن الوفاة "غير معروفة الأسباب"، وقال القاضي إن الأدلة التي قدمتها الشرطة وشهادات الشهود لا تدعم أي فرضية بشأن وفاته.

وعلقت منى عبد الناصر -أرملة مروان وابنة الرئيس جمال عبد الناصر- بأنها راضية عن الحكم لأنه أثبت أن أشرف لم يمت منتحرا، مضيفة في تصريحات صحفية أن زوجها كان يعتقد قبل وفاته أن حياته في خطر، وأنه أخبرها قبل 9 أيام من رحيله أن فرق اغتيال تتعقب حركته، وذكرت أن الموساد اغتاله.

كما أكدت منى -التي ظلت زوجته لنحو 40 عاما- أن مشروع مذكراته الشخصية اختفى من رف كتبه، علما أن المذكرات في حال نشرها كانت ستفضح أسرار أجهزة الاستخبارات في منطقة الشرق الأوسط، على حد قولها.

دفع حياته ثمنا لمذكراته

هذه الرواية يؤكدها الصحفي والمذيع المصري عمرو الليثي، الذي أجرى تحقيقا تلفزيونيا من لندن عن رحيل أشرف مروان، والتقى أيضا السيدة منى عبد الناصر، التي قالت "أعتقد أنه دفع حياته ثمنا للمذكرات التي كتبها، وهذه المذكرات كان يقرؤها لي، ولم تكن تلك المذكرات للحكي، بل كانت عبارة عن دراسة، ولم يقل لي إذا كان فيها دوره مع المخابرات المصرية ضد المخابرات الإسرائيلية، كان كتوما".

كما نقل الليثي عن شاهد عيان التقاه أنه رأى جسد مروان يطير في الهواء لمدة ثانيتين، وأضاف أنه "بعد عدة دقائق من وقوع الحادث رأيت شخصين يقفان في الشرفة وينظران إلى أسفل، وعندما فكرت مرة أخرى رأيت أن ما حدث شيء غريب، لكن ربما يكونان من أفراد عائلته، ويتفقدان المكان بعد وقوع الحادث، وهذا منطقي".

ويكيليكس: تم قتله

وفي تحقيق استقصائي لقناة الجزيرة بعنوان "كيف انتهت حياة أشرف مروان في لندن؟" ضمن برنامج "نهايات غامضة"، حصل فريق التحقيق على وثيقة من ويكيليكس تقول إن الافتراض الأقوى لدى أجهزة الأمن البريطانية أن مروان تم قتله، ولكنهم لا يستطيعون قول ذلك علنا.

وفي التحقيق التلفزيوني -الذي تم بثه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017- عُرض سيناريو تمثيلي مفترض لواقعة قتل مروان وإلقائه من شرفة شقته، وبقي السؤال الأكثر غموضا: من قتل مروان؟

وولد مروان عام 1944 لأب كان ضابطا بالجيش، وبعد حصوله على بكالوريوس العلوم عام 1965 عمل في المعامل المركزية للقوات المسلحة، ثم مساعدا لعبد الناصر.

وبعد وفاة عبد الناصر عام 1970، أصبح المستشار السياسي والأمني للرئيس الراحل أنور السادات، كما تولى رئاسة الهيئة العربية للتصنيع بين عامي 1974 و1979، ثم تقاعد وتوجه إلى بريطانيا حيث عاش فيها بوصفه رجل أعمال حتى وفاته.

المصدر : الجزيرة