مع تكرار اعتداءات المستوطنين.. سكان حي الشيخ جراح حبيسو منازلهم ويناشدون توفير حماية دولية

ننام ساعات قليلة وبشكل متقطع ونتناوب على الوجود بمنازلنا لأن الوضع بات خطيرا، ويبدو أن المحاولات الأخيرة لخنق أصحاب الأرض تهدف لإرهابهم وتخويفهم لدفعهم لترك بيوتهم، هكذا بدأت إحدى سكان حي الشيخ جراح حديثها للحزيرة نت.

مدخل حي كرم الجاعوني في حي الشيخ جراح اليوم بعد إغلاقه بالمكعبات الإسمنتية والسواتر الحديدية وتقييد على دخول سكان الحي(الجزيرة نت)
مدخل حي كرم الجاعوني بالشيخ جراح بعد إغلاقه بالسواتر الحديدية وتقييد الدخول (الجزيرة نت)

القدس المحتلة – لا يحتاج المتضامنون كثيرا من الوقت ليعرفوا أنهم على وشك الوصول إلى حي الشيخ جرّاح، إذ تستقبلهم رائحة المياه العادمة على بعد عشرات وربما مئات الأمتار، مرحبة بهم في حي انقلبت الحياة فيه رأسا على عقب منذ نحو شهرين.

إن نجح الزائر في تخطي مشكلة المياه العادمة والتعاطي معها بارتداء كمامة أو غيرها، فإنه سيفشل حتما في دخول الحي الذي تطوقه 3 نقاط عسكرية ثابتة ولا يُسمح بعبورها إلا لسكان الحي، وبعد تدقيق ووابل من الأسئلة الأشبه بالتحقيق.

عبر أسطح المنازل وأزقة مجاورة يتمكن عدد قليل من دخول حي كرم الجاعوني بالشيخ جراح المهدد سكانه بالطرد من منازلهم لصالح المستوطنين، وهناك يرى الزائر بأم عينيه حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء الناس، ويسمع بأذنيه أمنيات امرأة تحلم بأن تحتضن أحفادها المبعدين عن الحي قسرا لأنهم لا يسكنون فيه، ومناشدة رجل بضرورة توفير الحماية الدولية للسكان نظرا للخطر الشديد الواقع عليهم من اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال التي تستبيح المكان.

آثار الاعتداءات الليلية بدت واضحة على وجوه أصحاب الأرض الذين باتوا يتمنون الخلود للنوم وهم لا ينالون أمنيتهم في ظل تصاعد حدة اعتداءات المستوطنين منذ أسبوع، والذين يبدؤون منذ الصباح بالتوافد إلى الحي من أكثر مستوطنات الضفة تطرفا جالبين معهم الألعاب النارية ورذاذ الفلفل.

3-أسيل جندي، الشيخ جراح، المستوطنون المتطرفون يتجمعون بشكل يومي أمام منزل عائلة الغاوي المستولى عليه ويعتدون على السكان(الجزيرة نت)
مستوطنون يتجمعون بشكل يومي أمام أحد المنازل التي استولوا عليها في حي الشيخ جراح (الجزيرة نت)

ظلام وظلم

يتجمع المستوطنون في المنازل التي تم الاستيلاء عليها عام 2009 بالحي، ويتمركزون في ساحاتها وعلى أسطحها، ومع حلول الظلام يبدؤون باستهداف المنازل والسكان برشق الحجارة والألعاب النارية وإلقاء كل ما يقع تحت أيديهم تجاههم، ثم يشيرون بأصابع الاتهام نحو الأهالي الآمنين بمنازلهم ليبدأ مسلسل آخر من اعتداءات القوات الخاصة والشرطة وجيش الاحتلال على المنازل وأصحابها.

الممرضة نهى عطية (59 عاما) وصفت ما يجري في الحي منذ أيام بأنه ساحة حرب، وقالت إنها أسعفت 40 شخصا قبل يومين جراء اعتداءات المستوطنين والشرطة على السكان، ورغم إبرازها بطاقة التمريض والإسعاف فلم يُسمح لها بمغادرة منزلها في الحي لمساعدة المصابين بالمنازل المجاورة.

"عندما أسمع صرخات الجيران والمتضامنين واستنجادهم بسبب الإصابات المتكررة، أشعر بأنني عاجزة فلطالما كنتُ عنوانا لكافة سكان الحي كوني الممرضة الوحيدة بين السكان".

نهى التي انتقلت للعيش في كرم الجاعوني منذ عام 1988 بعدما ارتبطت بزوجها اللاجئ من يافا، أكدت أن الأيام الأخيرة بالشيخ جراح لم يسبق لها مثيل، وأن اعتداءات المستوطنين أصبحت أكثر خطورة لدرجة أن نساء الحي بتن يخلدن إلى النوم بحجابهن وعباءاتهن خوفا من اقتحام مفاجئ للمنازل.

"ننام ساعات قليلة وبشكل متقطع ولا نترك منازلنا فارغة ونتناوب على الوجود فيها لأن الوضع بات خطيرا جدا، ويبدو أن المحاولات الأخيرة لخنق سكان الحي بعربدة المستوطنين تهدف لإرهابهم وتخويفهم لدفعهم لترك منازلهم قبل حلول موعد جلسة المحكمة العليا في الثاني من أغسطس/آب المقبل".

مغادرة المنازل مجازفة

وجدت نهى نفسها مضطرة للاقتصاد في استخدام الاحتياجات الأساسية لمنزلها تجنبا لمغادرته، وكذلك بقية سكان الحي وبينهم صالح ذياب (51 عاما) الذي اضطر للبقاء مع أحد أشقائه بمنزل العائلة في حي كرم الجاعوني وإخلائه من الأطفال ووالدهم التسعيني الذي تدهورت حالته الصحية مع تكرر استنشاق الغاز المدمع والمياه العادمة.

يعيش 24 فردا من عائلة ذياب اللاجئة من يافا في منزل تحيطه الأشجار المثمرة، لكنها لم تسلم ولا أحجار المنزل ولا السكان من الاعتداءات الأخيرة.

ذياب أوضح للجزيرة نت أن منزل العائلة مستباح لقوات الاحتلال على مدار الساعة، إذ تقتحمه وتعيث فيه فسادا لأن المستوطنين يدعون أن شبانا يتمركزون داخله وعلى أسطحه ويستهدفونهم بالحجارة.

"المستوطن يأمر الجندي ويوجهه أين يقتحم ومن يضرب، ويتم كل ذلك بعيدا عن عدسات الصحفيين الممنوعين من دخول الحي بعد استهدافهم لأنهم أوصلوا قضيتنا إلى العالم أجمع".

يصف ذياب الحي بالسجن الكبير الذي يضيق يوميا على أصحابه ومن فيه، وسط عربدة المستوطنين والشرطة والقوات الخاصة دون أي رادع لهم.

الشيخ جراح، رجال وشباب الحي يتجمعون في الشارع لمراقبة تحركات المستوطنين(الجزيرة نت)
رجال وشباب الحي يتجمعون لمراقبة تحركات المستوطنين (الجزيرة نت)

يضطر صالح وشقيقه للتناوب في النوم خوفا من اقتحام المنزل بشكل مباغت وإلحاق الأذى بهم على يد المستوطنين، وهو يقول "أسهر يوميا حتى الخامسة فجرا ويستلم شقيقي المناوبة عني وهكذا.. نعيش ظروفا مأساوية ونتمنى أن يغادرنا كابوس الإخلاء إلى الأبد".

إلى جانب نهى وصالح يعيش 500 فرد في حي كرم الجاعوني حياة يسودها القلق الدائم على مصير منازلهم المهددة بالإخلاء، ويشعر بالقلق كل من يخالط أهالي الحي، إذ كتب محمد أبو الرب أحد أساتذة منى الكرد الجامعيين "لفت انتباهي تحديق العزيزة منى بشكل مستمر في جوالها، سألتها وإذ بها تتابع بث الكاميرات في محيط منزلها خوفا من مهاجمة المستوطنين لعائلتها في غيابها، قلّما تخرج من منزلها وحي الشيخ جراح، لكنها خرجت اليوم لتعاين ثوب التخرج وتلتقط الصور التذكارية، لا تخفي منى خوفها من مشاركتها وعائلتها بعد أيام في حفل التخرج واستغلال المستوطنين خروجهم من البيت لساعات للاستيلاء عليه، يا الله.. كيف يمكن أن يفهم هذا العالم خوف الفلسطيني من لحظة فرح قد تتحول إلى مأساة دائمة؟".

يُذكر أن 160 مواطنا في الحي وصلتهم مؤخرا أوامر لإخلاء منازلهم لصالح المستوطنين، بينهم 46 طفلا. وينتمي هؤلاء إلى 12 عائلة مختلفة، ويبلغ عدد سكان الحي بأكمله 500 فلسطيني بينهم 111 طفلا.

المصدر : الجزيرة