لهذا يتحرك السُّنة في العراق لاستعادة منصب رئاسة الجمهورية

بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، لم يحصل السُّنة على رئاسة الجمهورية إلا مرة واحدة خلال الحكومة الانتقالية بقيادة إياد علاوي

اجتماع الرئاسات مع مفوضية الانتخابات والمبعوثة الأممية..
خارطة الرئاسات الثلاث في العراق أقرت بعد انتخابات 2005 (مواقع التواصل)

عُرف سياسي بات سائدا في العراق بعد أول انتخابات برلمانية جرت عام 2005، بتولي الشيعة رئاسة الوزراء، والكرد رئاسة الجمهورية والسنة رئاسة البرلمان، إلا أن زعامات سنية بارزة بدأت تحركات لافتة لاسترجاع منصب رئيس الجمهورية.

وأطلق رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي هذا التوجه عبر تصريحات صحفية نشرت مؤخرا، اعتبر فيها أن "من مصلحة العراق أن يكون رئيس الجمهورية سُنيا لكي يحظى العراق بدعم عربي كبير ويستعيد حاضنته العربية التي افتقدها منذ سنوات طويلة".

وبعد رئيس الوزراء الذي يمتلك السلطة التنفيذية، يمتلك رئيس البرلمان صلاحيات أوسع وأكبر وأكثر تأثيرا من رئيس الجمهورية من خلال دوره الرقابي والتشريعي، في حين يعدّ منصب رئيس الجمهورية منصبا رمزيا وفخريا، ولا توجد لديه أية صلاحيات قانونية يمكن الاستفادة منها مقارنة برئاستي الوزراء والبرلمان.

المادة 67

وبعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، لم يحصل السُّنة على رئاسة الجمهورية إلا مرة واحدة خلال الحكومة الانتقالية بقيادة إياد علاوي، وتسلمها في حينها الشيخ غازي عجيل الياور، لكن بعد أول انتخابات برلمانية في عام 2005 جرى اتفاق بين القوى الشيعية والكردية على إسناد المنصب للكرد وفق صفقة من صفقات تقاسم السلطة.

وتنص المادة (67) من الدستور العراقي على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقا لأحكام الدستور.

كما اشترطت المادة (68) من الدستور العراقي بأن يكون رئيس الجمهورية عراقيا بالولادة ومن أبوين عراقيين وكامل الأهلية وأتم الـ40 سنة من عمره، وذا سمعة حسنة وخبرة سياسية، ومشهودا له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف.

ريزان شيخ دلير تؤكد أن أي تغيير في العراق يجب أن يكون من خلال الاتفاقات بين الكتل السياسية بعد الانتخابات (الجزيرة)

اتفاقات وتحديات

وتعليقا على التحركات السنية ترى ريزان شيخ دلير النائبة عن الاتحاد الوطني الكردستاني المستحوذ على رئاسة الجمهورية لأربع دورات متتالية أن هناك حضورا قويا لدول الجوار وأميركا في اختيار الشخصيات ولا سيما فيما يتعلق بالرئاسات الثلاث، وتؤكد للجزيرة نت أن أي تغيير في العراق يجب أن يكون من خلال الاتفاقات السياسية بين الكتل بعد الانتخابات، لكنها تقلل من أهمية ما يُشاع عن إجراء هكذا تغييرات وتعتبرها مجرد أحاديث لا غير.

وبالنسبة للأكراد، فهم لا يرغبون بمنصب رئاسة البرلمان، إذ ليس فيه ما يستدعي التحفظ على مشاريع يرونها تضر المكون الكردي أو القضية الكردية في المستقبل المنظور، وبسبب وجود نائب الرئيس والسكرتير-كما يقول الكاتب الكردي والأستاذ في جامعة السليمانية الدكتور بهروز الجاف- اللذين لهما دور في مناورات تمرير القرارات، بالإضافة إلى أن منصب رئيس الجمهورية يحمل أبعادا سيادية، وتنفيذية داخلية، وسياسية خارجية، وهذا ما يجعله بلا شك، محط أنظار الكرد.

الجاف: منصب رئيس الجمهورية محط أنظار الكرد لما يحمله من أبعاد سيادية وتنفيذية داخلية، وسياسية خارجية (الجزيرة)

وعن أبرز التحديات التي سيواجهها الكرد للحفاظ على كرسي الرئاسة، يجيب الجاف عن ذلك بالقول إن الظفر بالمنصب يحتاج توافقات مريرة بين الكتل السياسية المختلفة الممثلة للمكونات، وكذلك بين الكتل الكردستانية ذاتها.

ويرى الجاف أن الصراع بادٍ على أوجه، منذ الآن، في إعلام الحزبين الكرديين الرئيسين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حول الظفر بمنصب رئاسة الجمهورية، وهذا ما سيضعف الموقف الكردي كثيرا في مفاوضاته لنيل المنصب في مقابل العمل السني الموحد والجاد للاستحواذ عليه، ولا سيما إذا ما رافق ذلك ضغط عربي أو دولي لتخلي الكرد عن المنصب أو ضغط أميركي أو إيراني لفرض شخصية كردية بعينها من أحد الحزبين، وهو ما يؤدي إلى أن يكون القول الفصل في نهاية المطاف للتوافقات السياسية.

وفيما إذا كان تغيير رئاستي البرلمان والجمهورية بين السُّنة والكرد يعتمد بالدرجة الأساس على التوافقات السياسية بينهما أم يعود الأمر في الأخير إلى التدخلات الإقليمية والخارجية، يؤكد الجاف أن كلتا الحالتين جائزة، لكنه يرجح في الوقت ذاته القرار النهائي للتوافقات السياسية.

ويعزّز الجاف من جبهة التوافقات السياسية في هكذا مواضيع بالإشارة إلى الحالات السابقة عندما ارتأت الولايات المتحدة أن يكون عدنان الباجه جي رئيسا دوريا لما كان يعرف بمجلس الحكم العراقي بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، وهو عربي سني، وفضلت في دورة أخرى اخيتار إياد علاوي رئيسا لذلك المجلس، وهو عربي شيعي، وفي السنوات الأخيرة عندما ضغطت إيران لكي يكون فؤاد حسين رئيسا، وهو كردي شيعي، فشلت كلها أمام التوافقات السياسية وأمام توجهات "عراقية" عامة لمعظم أعضاء البرلمان وكتلهم البرلمانية.

ويقلل الجاف في الوقت ذاته من عدم وجود مستجدات مؤثرة ترجح كفة الضغط الإقليمي أو الدولي لفرض توزيع المناصب السيادية الثلاثة على عكس ما هي عليها الآن، ولكن طموح المكونين السني والكردي لكي يكون لهما دور حاسم في القرارات التنفيذية، وخصوصا عند مستوى السياسة الخارجية، والتمثيل بمنصب أكثر رمزية، أي رئاسة الجمهورية، سيكون القول الفصل فيها للتوافقات السياسية.

العيثاوي لا يتوقع حدوث أي تغيير في خارطة توزيع الرئاسات الثلاث في الانتخابات المقبلة (الجزيرة)

عودة العراق عربيا

وبالرغم من أن الحلبوسي ألمح إلى وجود تحرك من الزعامات السنية لاسترجاع منصب رئيس الجمهورية، وتأكيده بأنه من مصلحة العراق أن يكون رئيس الجمهورية سُنيا لكي يحظى بدعم عربي كبير ويستعيد حاضنته العربية التي افتقدها منذ سنوات طويلة، فإن النائب عن ائتلاف الوطنية يحيى العيثاوي لا يتوقع حدوث أي تغيير في خارطة توزيع الرئاسات الثلاث في الانتخابات المقبلة.

وفي حال حصل أي تغيير في تداول هذه المناصب بين المكونات الثلاثة، لا يعني ذلك إحداث أي تغيير أو إضافة صلاحيات أخرى على الموجودة حاليا سواء بالنسبة لرئيس الجمهورية أو البرلمان، بل تبقى جميع الصلاحيات كما هي دون أي تغيير فيها.

ويشير العيثاوي في رده على سؤال الجزيرة نت عن أهمية رئاسة الجمهورية للكرد والبرلمان بالنسبة للسُّنة إلى أن الأول له رمزية خاصة عند الكرد، ولا تقل أهمية رئاسة البرلمان الذي يتمتع بتأثير قوي من خلال تشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة.

السراجي: الرئاسات الثلاث مجرد حصص تتقاسمها الكتل الفائزة لمصالحها الحزبية والقومية (الجزيرة)

القبضة الحديدية

وبالمقابل، أكدت التجربة السياسية ما بعد مرحلة 2003، أنه بات عُرفا لدى العراقيين أن الرئاسات الثلاث ما هي إلا مجرد حصص تتقاسمها الكتل الفائزة كاستحقاق انتخابي تستثمره لمصالحها الحزبية والقومية حصرا، بحسب المحلل السياسي أحمد السراجي.

هذه التجربة تؤكد أيضا أن الديمقراطية العراقية بُنيت على أساس التوافق وليس كما هو معروف لبقية الشعوب حينما تكون الأغلبية الفائزة هي من تشكل الحكومات، وهذا ما يدفع السراجي إلى القول إنه من المستحيل والمستبعد أن تتخلى الأحزاب عن هذه الآلية التي تجعلها مسيطرة دون منافس إذا ما سمحت بالتخلي عن التوافق رغم معرفتها بفشل هذه التجربة التي أوصلت البلاد إلى حافة الهاوية والإفلاس مع تصاعد غير مسبوق للاحتجاجات والعنف وغياب الثقة بين الشعب والطبقة السياسية.

ويؤكد السراجي أن توازن الرعب هو السائد في تحديد المسار، والقبضة الحديدية تكون لمن في السلطة ضد أغلبية مسحوقة تنتظر الخلاص ولو كان عبر تدخل خارجي لمعرفة الجميع -حكاما ومحكومين- بأهميته كونه صاحب التغيير وهو الذي جعل الانتخابات الطريق الوحيد للتغيير.

ويقارن السراجي الأكراد وما حصلوا عليه من إعمار وبناء وانتعاش اقتصادي، بوضع الشيعة البائس في الوسط والجنوب، لذا سيكون الفرق كبيرا بالرغبة في المشاركة بالانتخابات، وكذلك الحال مع السُّنة الذين بدؤوا التحشيد مبكرا لها، مستبعدا حدوث أي تغيير في توزيع الرئاسات الثلاث، لكنه يؤكد أن الصراع سيكون داخل المكونات، عازيا السبب إلى أن الجميع فهم أن عراق ما بعد 2003 أصبح عبارة عن مكونات مقسمة لا يجمعها سوى قيمة أسهمها في الموازنات.

السهلاني: التغييرات في المناصب الرئاسية ترتبط بتوافقات معينة بين الكتل النافذة (الجزيرة)

تغيير الصورة النمطية

ولأن العراق بلد عربي ومحيطه عربي سيتفاعل بشكل كبير في رئاسة الجمهورية إذا كان فيها بُعد عربي، بالإضافة إلى أنه يسهم في تغيير صورة الأنماط السلوكية للقيادة العراقية ويؤكد أن البلد لا يحكم بالطائفية أو العرقية أو القومية كما يقول النائب عن تحالف الفتح الدكتور وليد السهلاني، مع احتمالية إحداث تغييرات في طبيعة الإدارات بشرط ألا يكون ذلك على حساب الاستحقاقات.

ورغم وجود صعوبات حتمية باستحالة إحداث تغيير في بعض المواقع والمناصب مثل رئاسة الوزراء التي هي من حصّة الشيعة حصرا، فإن السهلاني لا يستبعد في حديثه للجزيرة نت وجود قناعات راسخة للأطراف السياسية بإمكانية تغيير المعادلة وأن يكون رئيس الجمهورية للسُّنة والبرلمان للكرد.

ويشدد السهلاني على أن التغييرات ترتبط بتوافقات معينة بين الفرقاء من أجل أن تكون التشكيلة الحكومية الجديدة مختلفة عن السنوات السابقة، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون التحرك بهذا الاتجاه ضمن إطار المسؤولية السياسية الحكومية بخلفية وطنية.

المصدر : الجزيرة