في ذكرى وفاة الشعراوي.. ما حقيقة سجوده بعد نكسة يونيو؟

الشعراوي يؤدي الصلاة مع رئيس الجمهورية #السادات ونائب الرئيس آن ذاك #مبارك_مواقع التواصل
الشعراوي يؤدي الصلاة مع الرئيس الراحل أنور السادات ونائبه آنذاك حسني مبارك (مواقع التواصل)

عندما يُذكر اسم الشيخ محمد متولي الشعراوي يتذكر كثيرون ما قاله ذات مرة خلال برنامج تلفزيوني إنه عندما كان في الجزائر وقعت نكسة 1967، وعندما كان في السعودية حدث نصر أكتوبر/تشرين الأول 1973، وفي كلتا المرتين سجد لله بعد أن وصله الخبر، وإن كان لدوافع مختلفة.

كثيرون انتقدوا الداعية الشهير بسبب السجدة الأولى، وكان من هؤلاء ابن الشيخ نفسه، لكنه ردّ عليه بما كرره لاحقا في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي طارق حبيب قائلا "فرحت أننا لم ننتصر، ونحن في أحضان الشيوعية، لأننا لو نُصرنا ونحن في أحضان الشيوعية لأُصبنا بفتنة في ديننا، فربنا نزهنا".

وأضاف الشعراوي مفسرا دوافع السجدة الثانية، قائلا إن "انتصار أكتوبر" جاء ومصر بعيدة عن الشيوعية، وإن النصر استهل بشعار الله أكبر، كما وقع في شهر رمضان، مما ذكّره بانتصار المسلمين يوم غزوة بدر.

 

المثير أن هذه الحكاية لا تزال تثير الجدل حول أحد أهم شيوخ مصر وألمعهم، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم، حيث توفي في 17 يونيو/حزيران 1998، وكانت برامجه التلفزيونية أشهر البرامج الدينية التي يبثها التلفزيون الرسمي المصري، بداية من برنامج "نور على نور" عام 1973، ثم برنامجه الأشهر الذي كان يذاع كل جمعة ويقدم فيه خواطره حول القرآن الكريم.

يقول الشعراوي إن خواطره حول القرآن ليست تفسيرا، وإنما "هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره، لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه علم وعمل، وله ظهرت معجزاته. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم، وهي افعل ولا تفعل".

جمال عبد الناصر

تختلف الآراء ويثور الجدل حول شخصية الشعراوي كما يثور الجدل حول علاقاته مع رؤساء مصر، وقد يكون اعترافه بسجدته عقب النكسة دليلا في رأي البعض على كراهيته لعصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المتوفى عام 1970، وكما ورد في كتاب "مذكرات إمام الدعاة" التي صدرت عن دار الشروق عام 1998، يحكي الشعراوي أن الشيخ عبد الرحمن حسن شيخ الأزهر أتي له بصورة جمال عبد الناصر وهو يصلي كي يضعها في مكتبه، وطلب منه أن يكتب له شيئا تحت الصورة، وكان الشعراوي حينها مديرا للأزهر، فطلب منه كتابة التالي:

غدًا تتوارى في سراديب من مضى
ويمضي الذي يأتي لسردابكم حتما
ولن يقف الدولاب والله دائم
فليتكم لما تذكرتموه لما

وتضيف الرواية أن الشيخ حسن رفض كتابة هذه الأبيات، علما بأن ذلك لم يمنع قيام الشعراوي برثاء عبد الناصر أيضا عقب وفاته، قائلا "قد مات جمال وليس بعجيب أن يموت، فالناس كلهم يموتون، لكن العجيب وهو ميت أن يعيش معنا، وقليل من الأحياء يعيشون، وخير الموت ألا يغيب المفقود وشر الحياة الموت فى مقبرة الوجود".

مع السادات ومبارك

وفي عصر الرئيس أنور السادات الذي خلف عبد الناصر، وتولى الرئاسة حتى 1981، توطدت علاقته بالشيخ الشعراوي، حتى صار الأخير وزيرا للأوقاف عام 1976، لكن ذلك لم يمنع وقوع بعض الخلافات بينهما من حين لآخر، لا سيما أثناء حضور الشعراوي المناسبات الرسمية، لكن السادات رفض مطالب الإسرائيليين في ما بعد لوقف برامج الشعراوي التلفزيونية، التي فسر فيها آيات الجهاد في القرآن الكريم، وفقا لما نشرته صحيفة المصري اليوم.

وفي الوقت الذي انتشرت فيه شرائط شيوخ السلفية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، ولم تمنعها الحكومة المصرية أو تؤيدها بشكل مباشر، سمحت للشيخ الشعراوي أن يحتل مكانة بارزة بين شيوخ الأمة، لا سيما مع الشعبية الجارفة لبرامجه التلفزيونية.

وتصدر الشعراوي مشهد الاحتفاء بالرئيس السابق حسني مبارك عقب محاولة اغتياله في أديس أبابا عام 1995، إذ ظهر الشيخ وسط لفيف من كبار شيوخ الأزهر ورجال الدين المسيحي، وقال لمبارك "إذا سلمت فكل الناس قد سلموا، وإني يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنياي لأستقبل أجل الله، فلن أختم حياتي بنفاق، ولكني أقول كلمة موجزة للأمة كلها، حكومة وحزبًا، ومعارضة ورجالًا، وشعبًا آسف أن يكون سلبيا".

وختم الشعراوي حديثه لمبارك بأن وضع يده برفق على كتفه، وقال له "يا سيادة الرئيس، آخر ما أحب أن أقوله لك: إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل".

ورغم انتشار هذا المقطع من الشعراوي عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، فإن كثيرين يرون أن من الظلم المقارنة مع ذلك الوقت الذي قال فيه الشعراوي هذا الكلام، حيث كان مبارك يحظى بشعبية معقولة في منتصف التسعينيات، ولم يكن قد تورط في فخ محاولة توريث ابنه أو قضايا الفساد التي شابت العقد الأخير من حكمه.

مثير للجدل

وأثارت آراء (فتاوى) للشعراوي جدلا كبيرا، واحتدم النقاش حولها بين علماء الدين، خاصة رأيه في قانون نقل أعضاء المتوفين أو التبرع بها، إذ قال الشعراوي في حوار تلفزيوني إن الله خلق للإنسان أشياء وملكه إياها، وبذلك لا يجوز التصرف في أعضاء الإنسان بالتبرع أو الهبة، ولو أن الإنسان يملك أعضاءه لما عاقب الله المنتحر بالخلود في النار.

كما أفتى الشعراوي بوجوب قتل تارك الصلاة إذا كان منكرا للحكم، أما لو تركها كسلا، فيستتاب 3 أيام ثم يقتل.

 

 

آراء عنه

في صدر مذكرات الشعراوي المنشورة باسم "إمام الدعاة"، يقول وزير الأوقاف الأسبق محمود حمدي زقزوق إن الشعراوي كان ودودا متواضعا بسيطا بشوشا مخلصا، وكان الإخلاص سر عظمته، وهو في الوقت نفسه سر نجاحه، امتد عطاؤه لأكثر من نصف قرن من الزمان، في عصر اختلطت فيه المفاهيم، واضطربت فيه الرؤى الدينية، وظل يجاهد بفكره وعلمه وقلمه حتى آخر رمق في حياته.

كما قال عنه أستاذ الحديث بجامعة الأزهر أحمد عمر هاشم إن الشعراوي يحمل كل خصائص الإمامة بلا منازع، يجذبك مجلسه كما يجذبك حديثه، ويؤثر فيك صمته ووقاره وإن لم يتحدث، ومنحه الله حافظة قوية، وعلما غزيرا، وذكاء متوقدا، "رأينا إلى أي مدى تبلغ قدراته العلمية والتحليلية التي يتجلى بها في تفسيره وتحليله".

أما الكاتب الصحفي حسين الزناتي فكتب في جريدة الأهرام أن التاريخ لم يجد موقفًا للشيخ الشعراوي يقول فيه إنه كان شخصية غير وطنية، مبررا ذلك بأنه صاحب المقولة الشهيرة "مصر التي صدّرت علم الإسلام للدنيا كلها، صدرته حتى إلى البلد الذي نزل فيه الإسلام، وستظل مصر كذلك دائما".

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي