فن التخطيط لـ قمة رئاسية.. هدايا مفاجئة وتفاصيل أمنية

الغرفة التي التقى فيها بايدن وبوتين أمس في جنيف (أسوشيتد برس)

لا شيء يحدث بالصدفة، إذ يتم تصميم كل شيء بدقة، من المقاعد إلى التحيات إلى قطع الأثاث الرئيسية. عناصر البروتوكول (المراسم) أي القواعد التي تحكم التفاعلات الدبلوماسية، يتم العمل عليها قبل شهور من انعقاد القمة.

في مقال طويل بمجلة بوليتيكو الأميركية (Politico) كتبت كابريشيا بينافيك مارشال، التي تولت منصب رئيس المراسم بالبيت الأبيض من عام 2009 إلى 2013، عن البروتوكول وأهميته في إنجاح القمم الرئاسية، قائلة إنه وبغض النظر عن الأزمات الجيوسياسية، وثقل عدم اليقين، فإن البروتوكول هو الذي يتيح للقادة الاتصال من البداية ببعضهم البعض باحترام، والولوج في المحادثات الصعبة دون نفور.

وقالت إنها سمعت كثيرا عبارات التشكيك في جدوى البروتوكول عندما تولت منصبها في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لكن سرعان ما شهد العديد من هؤلاء المتشككين كيف أن أدوات البروتوكول: اختيار الموقع، وطقوس الوصول، وتبادل الهدايا والمزيد، يقلل احتمال حدوث مفاجآت أو أخطاء مزعجة، مضيفة أنه وعندما يصبح بناء الدبلوماسية متذبذبا، غالبا ما يكون البروتوكول هو الذي يعيد ترتيب الوضع.

وتقول الكاتبة إن للبروتوكول هدفين رئيسيين: التجسير، أو إقامة اتصال، وجذب نظيرك إلى خط تفكيرك.

تفاصيل.. تفاصيل

وتمضي في سرد التفاصيل التي يتضمنها البروتوكول قائلة إنها تشمل تقديم المشورة للرئيس بشأن القضايا اللوجستية والثقافية المتعلقة بزيارة معينة، وإعداد طاولة الدبلوماسية، والاهتمام بعناصر مثل حجم الغرفة (هل الغرفة المختارة واسعة جدا لدرجة أن القائد يشعر بالابتلاع؟)، المقاعد (هل الكراسي ليست مريحة بشكل خاص، مما يشجع القادة على الانتهاء في الوقت المحدد؟) والخدمات اللوجستية للقادمين والمغادرين، وتحركات الصحافة وتواصل الموظفين خلال انعقاد القمة.

كما أن معرفة مخارج ومداخل المكان، والمسافات من غرفة إلى أخرى، ونقاط التفتيش الأمنية، وحتى عدد دورات المياه وموقعها، تهيئ مسؤول البروتوكول لمواجهة القضايا غير المعروفة التي لا بد أن تنشأ والإجابة عن أي سؤال قد يطرحه القادة.

أوباما وبوتين خلال إحدى القمم بينهما (رويترز)

ومقعد قائدك، هل تريده مواجها للباب؟ أو على الأقل السماح لعينيه بمواجهة الباب، لأن هذا يحد من المفاجآت ويسهل الاتصال المرئي (إيماءة، رفع الحاجب) مع الموظفين الذين يدخلون.

الطاولة والأثاث والإضاءة

وكذلك دراسة ما هو على الطاولة: القطع الرئيسية التي ربما تسهل عنصرا معينا أو تنتقص من نقطة الحديث، مثل قطعة فنية تبعث رسالة حول تغير المناخ، والألوان (هل تعزز أو تحبط المزاج؟)، وأنواع الزهور (تنبيه الحساسية، والأصناف المعطرة يمكن أن تشتت انتباه القادة) كما يجب الاهتمام بالإضاءة (مشرقة ومبهجة أم خافتة وحميمية) وقد يحتاج الفريق إلى إحضار إضاءة دافئة ومحيطة لتعزيز الصداقة.

وهناك الهدايا، التي تُعتبر أداة قيمة من أدوات القوة الناعمة، وهي وسيلة لإيصال رسالة لا تستطيع الكلمات القيام بها. والمعيار في معظم القمم هو تبادل الهدايا بين مسؤولي المراسم خلف الكواليس. ومع ذلك، يكون المسؤول عن البروتوكول بحاجة إلى خطة للطوارئ عندما يحيد القائد عن التوقعات، إذ إن الروس، المعروفين بما هو غير متوقع، يحبون كسر التقاليد في تقديم الهدايا. ففي براغ عام 2010، استبق الرئيس ديمتري ميدفيدف البروتوكول بتقديمه هديته لأوباما نهاية اجتماعهما (نسميها الهدية الخارجية).

أحد الأمثلة

وأوردت الكاتبة أنه عندما التقى أوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة مجموعة العشرين لعام 2012 في لوس كابوس بالمكسيك، استخدم فريق البروتوكول الأميركي أدوات محددة لإشراك بوتين بطرق تنقل الاحترام، ولكنها تعطي ميزة تفاوضية للجانب الأميركي. وكان الهدف الأسمى هو نقل العلاقة بعيدا عن انعدام الثقة ونحو التفاهم والتعاون، وهو استمرار لجهود إعادة ضبط العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا.

President Barack Obama and first lady Michelle Obama look on as the author falls on the White House stairs before the arrival of Mexican President Felipe Calderon and his wife Margarita Zavala in May 2010. | AP Photo/Charles Dharapak
أوباما والسيدة الأولى ميشيل ينظران لرئيسة البروتوكول كابريشيا تسقط على درج البيت الأبيض قبل وصول الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون وزوجته مارغريتا زافالا في مايو/ايار 2010 (أسوشيتد برس)

وقالت إن الولايات المتحدة كانت تستضيف ذلك الاجتماع، وكان هناك العديد من العناصر تحت سيطرة فريقها، الذي اختار غرفة صغيرة، لدفع الزعيمين إلى التقارب أكثر وإيجاد الإحساس ببيئة تعاونية نحو نفس النهاية، كما اختار طاولة ضيقة للسماح بمناقشة أكثر حميمية وتقديم ​​إحساس بالدفء مع المصابيح وترتيبات المائدة من المساحات الخضراء (لون مهدئ، بدون رائحة).

كل هذه التفاصيل الدقيقة، تقول كابريشيا، يمكن أن تحدث اختلافا. فبعد الاجتماع الذي استمر ساعتين، خرج القادة من الغرفة يتصافحان ويربت كل منهما على ظهر الآخر. وكان من الواضح أنهما مرهقان وأن الخلافات السياسية الرئيسية لا تزال قائمة، لكن الاجتماع اعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث اتفق أوباما وبوتين على بيان مشترك يدعو إلى وقف العنف في سوريا.

الإطاحة بتوازن الطرف الآخر

وتضيف الكاتبة أن الانحرافات الصغيرة عن البروتوكول تقول الكثير. فقد وصل بوتين إلى قمة لوس كابوس في وقت متأخر، وهو تكتيك مفضل لديه للإطاحة بتوازن الطرف الآخر، لكن من الممكن أن يلعب الطرفان لعبة "مفاجأة الآخر" مضيفة أنهم كانوا يعلمون أن بوتين كان يأمل ألا تكون وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حاضرة (كانت قد علقت بشكل سلبي على انتخابه) وأدرك أوباما أن مفاجأته كانت فرصة للإطاحة بتوازن بوتين. فخلال المقدمات، تنحى أوباما جانبا ليكشف عن وجود كلينتون، وظهرت المفاجأة على وجه بوتين لجزء من الثانية. كانت لحظة وجيزة، لكنها أطاحت ببوتين، وأدت ما يريده أوباما.

وتستمر الكاتبة في سرد أهمية البروتوكول لتقول إن مكان انعقاد القمة يمكن أن يساعد في تحويل الخصوم إلى شركاء. ففي عام 1985، تم اختيار قصر جنيف الكبير "فلور ديو" للاجتماع الأول بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان والأمين العام السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، مما ساعد على ذوبان الجليد في العلاقة بين البلدين، وأتاحت البيئة الهادئة والمريحة للرئيسين الفرصة للتعرف على الحياة الشخصية للآخر.

بوتين يشتت انتباه ترامب

وقالت الكاتبة في قمة هلسنكي بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ونظيره الروسي، فاجأ الأخير صاحبه بسحب كرة قدم من حقيبته (حقيبة بوتين) أثناء حديث ترامب إلى الصحافة من على المنصة. وسرعان ما أصبح الهدف واضحا وهو تحويل الانتباه عن الأسئلة المتعلقة بسوريا.

وتقول الكاتبة أيضا" هناك أداة لا غنى عنها في صندوق أدوات البروتوكول وهي السرعة الدبلوماسية. فمن الممكن إلغاء أفضل خطط البروتوكول الموضوعة في غضون لحظات خلال هذه الرقصة الدبلوماسية، مشيرة إلى أنها لا تتذكر قمة دولية واحدة، سواء كانت مجموعة الثماني أو مجموعة العشرين أو حلف شمال الأطلسي أو أي اجتماع آخر، لم يكن به لحظة مفاجئة خارج النص. ففي إحدى المرات سقط إكليل من الزهور قبل دقائق من قيام الرئيس الأميركي بوضعه على قبر الجندي المجهول، وكان عليها إعادة تركيب الإكليل ورقة تلو الأخرى في 60 ثانية.

وأضافت أن البروتوكول يحمي القادة من الحفر ويضع التوقعات: أين يمشون؟ ماذا سيكون في الغرفة؟، شكل المشاركة، القضايا الثقافية التي يجب أن يكونوا على دراية بها، وما الذي يجب تجنبه؟ مشيرة إلى أن الاستعداد لذلك يهدئ قلقهم ويوفر الاستقرار النفسي. فعندما يكون هناك تفصيل واحد غير مناسب، من المحتمل أن يؤدي إلى إبعاد الدبلوماسيين عن لعبتهم (لوحة بها أخطاء إملائية، أو كرسي مفقود على الطاولة) وإحداث ارتباك أو عدم ثقة أو إحراج.

واختتم المقال بأنه عندما حيا ترامب عن طريق الخطأ جنرالا كوريا شماليا، نتج عن ذلك ارتباك بالوفد الأميركي، وتحويل انتباه الصحافة عن القضايا، وسخرية واضحة من زعيم خصم.

المصدر : بوليتيكو