اجتماع الدوحة على خط الأزمة.. ما احتمالات التسوية بشأن سد النهضة قبل التدويل؟

السودان سيكون الخاسر الأكبر من أي حل عسكري لأن السدود تعتبر أعيانا مدنية وقصفها محرم دوليا، ويمكن لإثيوبيا الرد بضرب سد الروصيرص السوداني.

هل يقترب الحل لأزمة سد النهضة بعد التحرك الأميركي مع الدول المعنية؟ (مواقع التواصل الاجتماعي)

ترجح مصادر بوزارة الرّي والموارد المائية في السودان أن "ثمة تسوية أميركية لأزمة سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا تُطبخ على نار هادئة"، لكن من المهم للخرطوم نضوج أي اتفاق قبل موعد الملء الثاني للسد الشهر القادم.

ويبدو السودان، الذي يعتبر نفسه المتضرر الأكبر من الملء الثاني للسد العملاق من دون اتفاق ملزم للملء والتشغيل، كمن يمسك بورقة التدويل لإشهارها في الوقت المناسب، إذا وصلت الأزمة مع أديس أبابا إلى طريق مسدود.

وطبقا لمصدر رسمي تحدث للجزيرة نت، فإن ملف المسار القانوني للسودان جاهز، وهو في انتظار القرار السياسي للجوء إلى مجلس الأمن والتحكيم الدولي. وأعلن وزير الري السوداني ياسر عباس أمس الاثنين موافقة مشروطة على بدء التفاوض لتوقيع اتفاق مرحلي لملء سد النهضة، وهو مقترح إثيوبي رفضه في أبريل/نيسان 2021.

ويتضمن التوصل لاتفاق مرحلي للملء قبل تشغيل سد النهضة، واتفاق آخر لتشغيل السد مع اشتراط السودان التوقيع على ما تم التوافق عليه في مسودة الاتفاق، وتوفر ضمانات لاستمرار التفاوض وفق جدول زمني واضح.

كلمة السر

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية محمد عبد الحميد محمد أحمد أن لجوء السودان ومصر لمجلس الأمن من دون "الكلمة المفتاحية" سيكون بلا جدوى. وتتمثل هذه الكلمة في السؤال "هل يهدد سد النهضة الأمن والسلم الدوليين؟".

يقول محمد أحمد للجزيرة نت إن مصر سبق أن لجأت لمجلس الأمن، وإن هناك فاعلين في المجلس لديهم مصلحة في السد الإثيوبي، ويمكنهم استخدام حق النقض لمنع تمرير أي قرار ضد إثيوبيا. ويتساءل الأكاديمي المتخصص في الحد من مخاطر الكوارث "ماذا يطلب السودان ومصر؟ وهل هما على قلب رجل واحد أم أن المصائب يجمعن المصابين؟"، ويشير إلى أن مصر لجأت في فبراير/شباط الماضي إلى جامعة الدول العربية، في حين رفض السودان "تعريب" النزاع في موقف صاعق.

ويُعقد في قطر اليوم الثلاثاء اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث قضية سد النهضة بتنسيق من السودان ومصر. وقال وزير الري السوداني أمس الاثنين إن الاجتماع "ليس اصطفافا عربيا أفريقيا، بل لتسليط الضوء على تعنت إثيوبيا لعدم التوصل إلى اتفاق في نهر دولي".

الخيار العسكري

وتوالت تصريحات رسمية سودانية ومصرية رافضة للخيار العسكري الذي يبدو أن واشنطن حذرت منه بشكل صريح.

ففي توضيح لوزارة الري السودانية هذا الشهر، كشف أحد مسؤوليها أنه زار سد النهضة، ولاحظ أن المنطقة التي يشيد عليها شبه عسكرية، حيث تفرض السلطات الإثيوبية إجراءات مشددة على بعد 30 كيلومترا منه. وقال المسؤول إن السد صُمم باعتباره منشأة في منطقة حرب بحيث يشيد سد ركامي بصخور رخامية ضخمة في التأسيس.

ويحذر محمد أحمد من أنه حال اللجوء للقوة العسكرية فسيكون السودان الخاسر الأكبر إستراتيجيا وسياسيا. ويبين أن السودان سيخسر إستراتيجيا لأن السدود تعتبر أعيانا مدنية ومحرم دوليا قصفها، كما أن إثيوبيا يمكنها أن ترد بضرب سد الروصيرص السوداني الذي يبعد عن حدودها نحو 120 كيلومترا.

الخيار السياسي

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية أن تدمير سد النهضة سيضرب المكون المدني في الحكومة الانتقالية بالسودان، ويؤدي إلى تغوّل العسكر على القرار السياسي. وتحضر هذه الفرضية بقوة في تصريح وزارة الرّي للجزيرة نت عن ميل المدنيين في الحكومة لحل سياسي وسط متفق عليه من كل الأطراف مع إمكانية تدويل الأزمة في حال فشل التوصل لتسوية.

ونبهت الوزارة إلى أن مسؤولي الوزارة تحفظوا الشهر الماضي على توقيت مناورات عسكرية بين الجيشين السوداني والمصري حملت اسم "حماة النيل". وتوقعت المصادر ذاتها أن يمضي ملف سد النهضة إلى اتفاق يكفل للسودان تبادل المعلومات التي تضمن له حماية سدوده على النيل الأزرق "سد الروصيرص وخزان سنار".

وتوصلت الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا إلى توافق حول 90% من مسودة اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، بما في ذلك الاتفاق على تبادل البيانات يوميا. لكن الأطراف تختلف في قضايا فنية تتعلق بكيفية الملء في سنوات الجفاف والجفاف الممتد، وفي إلزامية الاتفاق وآلية فض النزاع.

الصور من صفحتي مجلس السيادة والوزراء بفيسبوك للقاءات المبعوث الاميركي للقرن الافريقي جيفري فيلتمان مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو ورئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك في مايو/أيار الماضي.
المبعوث الاميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان (يسار) مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في مايو/أيار الماضي (الجزيرة)

مبادرة أميركية

في أول يونيو/حزيرن الحالي بدأ المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان جولة شملت قطر والسعودية والإمارات وكينيا، تركزت حول سد النهضة واستقرار المنطقة. وفي مايو/أيار الماضي زار المبعوث ذاته مصر وإريتريا وإثيوبيا والسودان. وقال وزير الري السوداني في وقت سابق إن المبعوث الأميركي لم يعرض حتى الآن مبادرة لكن زيارته كانت لتلمّس مواقف الأطراف.

ومن المؤمّل أن يطرح فيلتمان حلا يجنّب أطراف سد النهضة المواجهة الدبلوماسية على الأقل قبل حلول موعد الملء الثاني للسد، فحينها ستمتلئ بحيرة السد بـ18 مليار متر مكعب.

ويطالب السودان باتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد، محذرا من أنه من دون هذا الاتفاق فإن السد الإثيوبي، الذي يبعد عن حدود السودان حوالي 15 كيلومترا، يشكل خطرا على حياة 20 مليون سوداني.

هل من ملامح اتفاق؟

وحتى الآن يبدو أن طي أزمة سد النهضة سيمضي لتقسيم اتفاق الملء والتشغيل الذي يطالب به السودان بالتوقيع على اتفاق مرحلي يبدأ بملء السد واتفاق لاحق لتشغيله.

ويتعامل مسؤولو وزارة الري السودانية بحذر مع محاولات لإبداء حسن النية صدرت من الجانب الإثيوبي وتمثلت في خطاب إثيوبي في العاشر من أبريل/نيسان الماضي يبلّغ الجانب السوداني بتصريف 600 مليون متر مكعب عبر سد النهضة.

وخلال الشهر الحالي أبلغت السلطات الإثيوبية نظيرتها السودانية أيضا ببدء تفريغ سد تكزي على نهر سيتيت، مما مكّن السودان من تحذير مواطنيه أمام وخلف سدي أعالي نهري عطبرة وسيتيت وخزان خشم القربة.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية محمد أحمد إن إثيوبيا ليس لديها ما تتنازل عنه لمصر والسودان لتحكّمها في أكبر مورد مياه بالمنطقة، لذلك "تمضي بقوة في مشروع نهضوي يوحدها، في حين أن السودان ومصر ليس لديهما مشروع مقابل".

المصدر : الجزيرة