هيكلة الشركة المهيمنة على الإعلام المصري.. أسرار ومفاجآت وتساؤلات عن الجديد؟

إعلاميون وفنانون حضروا المؤتمر الصحفي للشركة المتحدة في مصر (الإعلام المصري)

في البدء، كانت كلمة لوزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي أثناء لقائه مع عدد من قادة الجيش عام 2013، بضرورة خلق أذرع إعلامية لمؤسسات الدولة، ثم جاءت كلمته الشهيرة -عقب توليه الرئاسة عام 2014- عندما اعتبر أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظا بإعلامه، لأنه "كان يتكلم والإعلام معه".

كأنما كانت تلك الكلمات إشارة البدء لانطلاق خطة السيطرة على المحتوى الإعلامي والفني، التي بدأت مع تولي السيسي مقاليد السلطة عقب عام من انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وتصاعدت وتوسعت حتى أصبحت الشركة المتحدة -التي يعتقد على نطاق واسع أنها مملوكة للمخابرات- تملك أغلب وسائل الإعلام المصرية، وباتت المنتج الوحيد لمعظم الأعمال الفنية، مع ترك هامش ضئيل لشركات أخرى.

لكن الأسابيع الأخيرة شهدت اضطرابات في مسيرة الشركة المتحدة، واتهامات بالفساد حينا والفشل أحيانا أخرى، وانصبت الانتقادات على رئيسها المنتج تامر مرسي، وهو ما أفضى إلى الإطاحة به من رئاسة الشركة وإعادة هيكلتها والإعلان عن قرارات جديدة، وتباينت تقديرات المراقبين حول تقييم أثرها، وإذا كان شكليا أو يستهدف الانفراج واستعادة الريادة الإعلامية المصرية الغائبة؟

بداية الخطة

بدأت محاولات النظام للسيطرة على الإعلام بطريقة غير مباشرة، عبر رجال أعمال مقربين؛ فكانت شركة إعلام المصريين لصاحبها رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، التي اشترت عددا من المؤسسات الإعلامية، قبل أن تشتريها شركة "إيجل كابيتال" المملوكة للمخابرات برئاسة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد وزوجة محافظ البنك المركزي طارق عامر.

وأسندت "إيجل كابيتال" رئاسة مجموعة إعلام المصريين إلى المنتج الفني تامر مرسي صاحب شركة سينرجي للإنتاج الدرامي، ليتوسع مرسي وإعلام المصريين في شراء المزيد من الفضائيات وشركات الإنتاج والإعلان، ثم تنضوي تحت اسم جديد وهو "الشركة المتحدة"، التي ضمت معظم الشركات العاملة في مجالات الصحافة والإعلام والإعلان وإنتاج المحتوى والتقنيات ذات الصلة.

وبدت الشركة بحكم ضخامتها وانتمائها مؤسسة سيادية وكيانا خارج المنافسة، تحتكر تقديم المحتوى الإعلامي والدرامي، طاردة الشركات الأخرى من السوق.

وبلغ نفوذ الشركة حد التسبب في الإطاحة بوزير الإعلام السابق أسامة هيكل، بعد تمهيد تمثل في تسريب مكالمة هاتفية قديمة له وبثها عبر القناة الحكومية الأولى، ثم حملة متواصلة من المذيعين والصحف التابعة للشركة المتحدة، وذلك بعدما تجرأ الوزير على انتقاد ما اعتبره تراجعا في الإعلام المصري وعدم قدرة على منافسة إعلام المعارضة الذي يبث من الخارج، وهو ما اعتبرته الشركة المتحدة طعنا في نجاحها أمام القيادة السياسية.

هزة واضطراب

لكن الشركة تعرضت لانتكاسة قبل انطلاق موسم رمضان الماضي، حيث شن نشطاء وكتاب حملة انتقادات واسعة على مسلسل "الملك أحمس" الذي أنتجته الشركة، بسبب أخطاء تاريخية تشوه الحضارة المصرية القديمة، حسب وصفهم.

وزاد من أزمة المسلسل مقارنته بالنجاح الكبير الذي حظي به حفل نقل المومياوات الفرعونية من المتحف المصري إلى متحف الحضارات، وهو الحفل الذي حظي بإعجاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتزداد أزمة الشركة، خاصة أن التي نظمت الحفل شركة "سعدي-جوهر" التي نجح تامر مرسي في إبعادها سابقا عن سوق الإنتاج الدرامي.

كما أن شركة "سعدي-جوهر" حققت نجاحا دراميا بمسلسل "لعبة نيوتن"، الذي ناقش قضايا تخص المرأة، مثل الطلاق الشفهي، الذي يكرر السيسي المطالبة بمنعه، لكنه يصطدم برفض الأزهر وشيخه أحمد الطيب.

وربما كانت القشة التي أطاحت بتامر مرسي تعود إلى فشل مسلسل "نسل الأغراب"، الذي تعرض لسخرية كبيرة على مواقع التواصل، فضلا عما قام به المخرج محمد سامي من الدفع بزوجته لبطولة المسلسل، بالإضافة إلى الاستعانة بأخته وبعض أقاربه في المسلسل، وهو ما أفضى في النهاية إلى إصدار الشركة بيانا بوقف التعامل معه.

وذكرت تقارير صحفية أن تامر مرسي تعرض لتحقيق داخلي من مسؤولين في المخابرات حول إهدار المال العام على أعمال درامية غير ناجحة بقيمة 50 مليون دولار.

هيكلة جديدة ومفاجآت

وعقدت الشركة مؤتمرا صحفيا السبت الماضي، أكدت فيه إشاعات سبقته وتناولت كواليس التغييرات في هيكل قيادتها وخططها، وأعلنت جملة من القرارات التي اعتبرها مراقبون شكلية ولا تمس جوهر معضلة الإعلام والإبداع الفني في مصر، وهي انتفاء العمل بحرية ومهنية، حسب رأي المراقبين.

وكان من أبرز التغييرات طرح جزء من أسهم الشركة في البورصة، مما يعني شفافيتها ومعرفة مصادر تمويلها وطبيعة ملكيتها، وإطلاق قناة إخبارية عالمية العام القادم، وطرح مسابقات للمبدعين.

ولم تكن المفاجأة الإطاحة بتامر مرسي من رئاسة الشركة، بل كانت في الاحتفاظ به عضوا بمجلس الإدارة، مقابل ضم المنتج محمد السعدي إلى مجلس الإدارة، وهو الشريك المؤسس في شركة "سعدي-جوهر".

المفاجأة الأخرى كانت تعيين حسن عبد الله رئيسا للشركة، وهو الرئيس التنفيذي الأسبق للبنك العربي الأفريقي الدولي، الذي اتهمه محافظ البنك المركزي طارق عامر بإهدار 9.2 مليارات جنيه، وفقا لتقارير صحفية، إلا أن تلك التهم لم تتبعها أي تحقيقات أو مساءلة قضائية بعد ذلك.

وفي مايو/أيار 2019، منعت مؤسسة "الأهرام" المصرية طباعة عدد من صحيفة الأهالي المعارضة، بسبب تحقيق صحفي عن شركة "إيجل كابيتال" يتضمن تهما بالفساد لرئيسة الشركة داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة طارق عامر، وقالت تقارير صحفية إن طارق عامر اتهم حسن عبد الله بالوقوف وراء تلك التسريبات انتقاما منه.

وعقد مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مساء الاثنين أول اجتماعاته بتشكيله الجديد، وبرئاسة المصرفي حسن عبد الله، انتهى بالتأكيد على استمرار الشركة في خطة تطوير المحتوى المقدم، وتعزيز التعاون مع شركات الإنتاج المختلفة، وتقديم إنتاج مسرحي، إضافة إلى دعم العاملين من خلال صندوق المتحدة للعاملين بالإعلام.

كما أكد البدء الفوري في تطبيق آليات الحوكمة وتعزيز الرقابة المالية والإدارية لتعزيز الأداء، وتمهيدا لطرح أسهم الشركة في البورصة المصرية.

سر تركي آل الشيخ؟

وفي مؤتمر صحفي الأحد الماضي، أعلنت الشركة المتحدة دخولها في شراكة مع شبكة إم بي سي (MBC) السعودية، موضحة أنها وقعت مذكرات تفاهم تتضمن محاربة القرصنة في الجانبين المصري والسعودي، بجانب إنتاج أعمال "ذات إنتاج ضخم" مشترك، وكذلك شراء السعوديين حقوق أعمال الشركة المتحدة للعرض على قنوات إم بي سي وتوزيعها خارج مصر.

المثير أن هذا الإعلان يأتي بعدما نفى رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ صحة ما ذكره الإعلامي المصري عمرو أديب عن دخوله سوق الدراما والإنتاج الفني في مصر عبر التعاون مع شركات مصرية.

ويعمل أديب مذيعا في قناة إم بي سي مصر المملوكة للسعودية، ويعد من أقرب المذيعين للأجهزة الأمنية المصرية، واستقبل مداخلات هاتفية من السيسي مرات عدة.

وكان عمرو أديب قال، مساء الجمعة الماضي، إن مؤتمرا صحفيا سيجري عقده للإعلان عن تعاون بين الأجهزة الفنية المصرية والسعودية، لافتا إلى أنه سيتم إنتاج 60 مسلسلا و15 مسرحية، إضافة إلى حفلات موسيقية، وأن هناك اجتماعات حدثت بين آل الشيخ وبعض المسؤولين لوضع الخطط.

وجاء ذلك بعد أيام من استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي تركي آل الشيخ بحضور رئيس المخابرات المصرية عباس كامل.

وقال السيسي إن القيادتين والحكومتين المصرية والسعودية تسعيان دوما إلى تجاوز أي تحديات وإزالة أي عوائق قد تواجه الأعمال المشتركة بينهما على مستوى القطاعين الحكومي والخاص، متطلعين نحو آفاق أوسع من الإنجاز والإسراع في تحقيق الأهداف المشتركة.

تفاؤل بقناة إخبارية مصرية

وتوالت التصريحات من مسؤولين ومقربين من السلطة بالإشادة بخطوات التطوير، وقال رئيس المجلس الأعلى للإعلام كرم جبر إن الشركة المتحدة لعبت دورا مهما في إصلاح مسيرة الإعلام الخاص، وتوعية المصريين عبر القنوات والبرامج والدراما بعد سنوات من سيطرة "إعلام معادٍ وتسيطر عليه الأموال، بهدف بث رسالة إعلامية ضد المصالح الوطنية العليا".

وأكد جبر -خلال مداخلة هاتفية لإحدى الفضائيات- أن الشركة المتحدة طرحت رؤية ممتدة للسنوات القادمة، مُرحّبا بإنشاء قناة إخبارية إقليمية دولية تعبر عن مصر وسياستها، وهي مهمة كبيرة جدا، وتحتاج وقتا كبيرا ونفقات ضخمة، و"العمل يسير اليوم في اتجاه سليم".

وأعرب المذيع المقرب من السلطة عمرو أديب عن تفاؤله بالإعلان عن إطلاق قناة أخبار إقليمية جديدة، مؤكدا أنها "ستعبر عن مصر في الإقليم"، وهي رغم ذلك تحد كبير، فهي تحتاج لتمويل لا ينقطع.

وتابع خلال برنامجه المتلفز أن مصر تمتلك الكثير من العوامل والإمكانات والكفاءات القوية والكوادر القادرة على تشغيل المحطات، وهي تحتاج فقط إلى "مرونة وسرعة العمل في تناول الأخبار"، في إشارة في ما يبدو إلى عدم انتظار التعليمات والتوجيهات.

تكرار الفشل

في المقابل، اعتبر الكاتب الصحفي عمرو الشوبكي أن إطلاق قناة إخبارية هو "تكرار مدهش للفشل"، في إشارة إلى أن الأمر ليس جديدا وسبق طرحه من قبل.

وتساءل الشوبكي عن السر وراء تكرار تجارب غير ناجحة في خلق قنوات جديدة، هي على أحسن تقدير قنوات محلية يشاهدها قطاع من المصريين، ونترك قناة النيل للأخبار، التي يمكن تطويرها وإعادة هيكلتها ووضع كادر خاص لها والاحتفاظ فقط بالكفاءات الموجودة بها وجلب أخرى من خارجها؟

وأوضح الشوبكي أن اسم التلفزيون المصري (ماسبيرو) جزء من تاريخ هذا البلد، ويحمل رنينا وصدى في البلاد العربية، ويمكن البناء عليه، "كما أن قناة النيل للأخبار يُفترض أنها إخبارية، صحيح لم تنجح لأسباب لها علاقة بالإطار المهني والسياسي الذي تتحرك فيه، لكن ذلك هو المطلوب تغييره".

وجاء حديث الشوبكي ضمن مقال نشره موقع المصري اليوم ثم حذفه لاحقا.

 

لا نجاح بلا حرية

بدوره، يرى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة قطب العربي أن نجاح مثل هذا الاتجاه -وخصوصا في ما يتعلق بإطلاق قناة إخبارية عالمية- رهن بتوافر الحرية للصحفيين في أعمالهم، وذلك يخالف المناخ العام القائم، فهذا نظام "يخشى الحرية لأنه مقتنع بأن هامشا محدودا منها هو الذي فجّر ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وأي هامش للحرية سيفجر ثورة جديدة.

وأوضح العربي للجزيرة نت أنه سواء كانت الفضائيات تحت مظلة إعلام المصريين أو المتحدة، فقد امتلك النظام منظومة إعلامية جديدة وشاملة كانت بمثابة "ماسبيرو الجديد"، لكنه أكثر شمولا وتنوعا من ماسبيرو القديم الذي شاخ وينتظر الموت.

وذكر أن منحا خليجية مليارية عقب انقلاب 2013 لم تدخل البنك المركزي أو وزارة المالية، وتجاوزت 30 مليار دولار -وفق التسريبات الصوتية للسيسي وسكرتيره وقتها عباس كامل- أسهمت في تأسيس هذه المنظومة، ناهيك عن إجبار أصحاب القنوات على التنازل عن قنواتهم مقابل سعر زهيد تجنبا لغضب النظام.

وتصور النظام -ولا يزال- أنه نجح في تأسيس منظومة إعلامية جديدة رشيقة قادرة على تسويقه إعلاميا، وأدت بالفعل جزءا من هذه المهمة، لكنها عجزت وستظل عاجزة عن إقناع المواطن المصري بصحة سياسات النظام، لأنها "تفتقد لروح العمل الإعلامي وهو الحرية والتنافسية والشفافية"، وفق العربي.

واعتبر أن تغييرات الشركة المتحدة المالكة لنحو 90% من الإعلام الخاص في مصر هي محض تغييرات شكلية، والتغيير الأهم الذي جرى هو فتح الشركة مجددا أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية عبر طرحها في البورصة.

واستبعد العربي دخول استثمارات محلية، لأن المستثمرين يدركون أنهم سيكونون شركاء للمخابرات في شركة نهضت أساسا على أنقاض ملكيات لرجال أعمال، كما لن يتقدم استثمار أجنبي حقيقي لشراكة مع المخابرات المصرية، في حين العالم مفتوح حوله، ولن يبقى من مشتر سوى الحلفاء الخليجيين.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي