من القدس إلى الضفة.. باب المواجهة مع الاحتلال مفتوح على مصراعيه والتصعيد قادم

اتقدت جذوة المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال أكثر، وتكللت بعملية "زعترة" جنوب مدينة نابلس عندما هاجم فلسطيني بسلاحه مستوطنين ومجندين وأصاب ثلاثة منهم (توفي أحدهم لاحقا).

مسيرة للمقاومة الشعبية بكفر قدوم شرق قلقيلية (الجزيرة نت)

لم يتأخر رد الفلسطينيين على إجراء الاحتلال الإسرائيلي بمنع وجودهم عند باب العامود بمدينة القدس مع بداية شهر رمضان، وكان الجواب مباشرا بأن انتفض المقدسيون وتصدوا بصدورهم العارية وعلى مدار أسبوعين لشرطة الاحتلال ومحاولاتها فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض.

ذلك المشهد عكس حالة من الاحتقان والغليان يعيشها الفلسطينيون عموما والمقدسيون تحديدا، فمحاولات الاحتلال ومستوطنيه بطرد سكان حي الشيخ جراح من المقدسيين لم تزل قائمة وانتقلت للمواجهة الفعلية بينه وبين أصحاب الأرض الغاضبين أصلا من اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى واستباحته بطقوسهم وشعائرهم التوراتية.

واتقدت جذوة تلك المواجهة أكثر لتمتد لصواريخ غزة وللضفة الغربية الملتهبة أصلا بفعل إجراءات الاحتلال ومستوطنيه بمصادرة الأرض والاعتقال اليومي والتهجير وهدم المنازل، وتكللت بعملية "زعترة" جنوب مدينة نابلس عندما هاجم فلسطيني بسلاحه مستوطنين ومجندين وأصاب 3 منهم (توفي أحدهم لاحقا).

كل ذلك رآه الإسرائيليون قبل غيرهم من الفلسطينيين من المحللين والسياسيين الذين تحدثوا للجزيرة نت بداية "انتفاضة جديدة" بوصف رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الذي حذّرت تصريحاته لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية -نشرتها وكالة معا الإخبارية قبل أيام- من أن "مواصلة استهداف الفلسطينيين بشكل متعمد ومبالغ فيه لا تترك لهم خيارا سوى الانتفاضة".

وكتب عاموس هرائيل المحلل العسكري بصحيفة "هآرتس" العبرية أن عملية زعترة تأتي "في وقت حساس" بالضفة، متوقعا موجة من التصعيد ستكون "متوترة" مع اقتراب مناسبات وطنية ودينية للفلسطينيين المحبطين أصلا بفعل تأجيل رئيس السلطة الوطنية محمود عباس للانتخابات التشريعية.

مواجهات سابقة عند حاجز حوارة جنوب نابلس بالضفة الغربية (الجزيرة)

مقدمات الانتفاضة

ورغم أن الهبات الشعبية خلال السنوات القليلة الماضية، وأهمها "هبة القدس" التي انطلقت رفضا للبوابات الإلكترونية، لم تتطور بفعل الاحتلال "ووكيله" المتمثل بالسلطة الفلسطينية، وفق الكاتب الصحفي والسياسي الفلسطيني عوض عبد الفتاح، فإن الفلسطينيين يعيشون الآن "مقدمات لانتفاضة" أكثر اتساعا من سابقاتها لا سيما إذا امتدت لفترة أطول.

ويذهب الكاتب إلى أن الانتفاضة الشعبية التي ينخرط بها الجميع هي الوجه الأكثر قبولا بين الفلسطينيين الآن والقادرة على إفساد مخططات الاحتلال بعيدا عن العمل المسلح رغم شرعيته "لكن ليس وقته في ظل اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل وتغول المشروع الاستيطاني والخيانات العربية وقيادة فلسطينية فاسدة، ثبت فسادها وطغيانها بتأجيلها للانتخابات".

ويراهن على عامل الزمن وديمومة هذه الهبات الشعبية لتتطور وتتوسع لانتفاضة أشمل تكون المقاومة الشعبية أساسها وإن اختار بعض أفرادها العمل المسلح، فضلا عن توحد الحراك الشعبي تحت برنامج سياسي وقيادة ميدانية تتحدى القيادات التقليدية وتصبح تدريجيا قائدة المقاومة الشعبية.

ورأى، في حديثه للجزيرة نت، أن حراك الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ضد التهجير كالذي يحدث بمدينة يافا وضد الجريمة المنظمة ونظيره بالقدس والضفة المحتلتين يجعل الفرصة مواتية إلى "صيرورة موضوعية" توحد الشعب الفلسطيني ونضاله دون أن تحمله فوق طاقته، وتتجاوز قيادته "التقليدية المهترئة" لحشر إسرائيل أمام العالم.

العنف يولد الانفجار

من جهته اتفق الباحث بالشأن السياسي الفلسطيني سليمان بشارات مع سابقه في أن المواجهة قادمة مع الاحتلال لا محالة خاصة إذا ما استمر الأخير بإثارة الفلسطينيين وقمعهم.

لكنه استبعد، في حديثه مع الجزيرة، أن تكون انتفاضة مسلحة خاصة بالضفة بل ستقتصر على العمل الفردي النابع من دافع وطني وليس تنظيميا وحزبيا إضافة للهبات والمقاومة الشعبية.

وأرجع ذلك لغياب الجسم التنظيمي الحامي والممول لأي عمل عسكري ورفض الاحتلال، وبالتنسيق الأمني مع الفلسطينيين بالسماح لمثل هذه الانتفاضة المسلحة.

تشييع سعيد عودة الذي استشهد برصاص الاحتلال في موجة تصعيد تشهدها قرى جنوب نابلس منذ عملية زعترة (الجزيرة)

وقد تتصاعد المواجهة، وفق بشارات، كلما زاد صلف الاحتلال وانتهاكاته ضد الفلسطينيين، وبالتالي تتعدى الهبة القدس والضفة لتصعيد أكبر وأوسع عبر غزة "وهذا لا تريده إسرائيل، وتعمل على امتصاص غضبة الشارع بالتخفيف والعودة للتصعيد مجددا".

وفي الوقت الحالي تسعى إسرائيل للحصول على أكبر مكاسب ممكنة على الأرض دون أن تذهب في مواجهات مفتوحة قد تؤخرها عن تنفيذ مخططاتها، خاصة أنها تدرك أن العديد من الملفات الفلسطينية أصبحت أمام المحكمة الجنائية الدولية وبيد دول إقليمية وأوروبية.

وعلى الأرض بدت الصورة أكثر وضوحا في بلورة شكل الانتفاضة القادمة، فهتافات الفلسطينيين، الذين خرجوا مشيعين شهيدهم الذي ارتقى أمس برصاص الاحتلال في قرية أودلا جنوب نابلس، أكدت أن "الروح والدم" هما الفداء وأن لا مبرر لأي تنسيق أمني مع الاحتلال وتحته، وهتفوا أيضا "التنسيق الأمني ليش ليش (لماذا) واحنا تحت رصاص الجيش".

مواجهات سابقة مع جنود الاحتلال في مدينة نابلس بالضفة (الجزيرة)

المواجهة.. عنوان المرحلة

من ناحيته ذهب عدنان أبو عامر المحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي إلى أن المواجهة "المسلحة والمفتوحة" أو "الشعبية" باتت مؤكدة وعنوان "المرحلة الجديدة" خاصة إذا ما استمر إجرام الاحتلال تجاه مدينة القدس سواء ضد المسجد الأقصى أو ضد السكان أنفسهم كحي الشيخ جراح.

ولعل ما جاء في تصريح محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام يؤكد حتمية هذه المواجهة التي ستكون عنوان المرحلة القريبة القادمة، خاصة وأنه يستمد أهميته من إصرار حماس على الربط القسري والإلزامي للضفة وغزة والقدس وعدم تحقيق أمنية الاحتلال بالفصل الجغرافي بينها.

وفضلا عن كل ذلك، فإن حالة الغليان الناجمة عن تأجيل الانتخابات الفلسطينية "تصب الزيت على النار" وتجعل السلطة مشاركة بإذكاء التوتر.

ويقول أبو عامر للجزيرة نت إن الإسرائيليين يقودون زمام المبادرة نحو التوتر، فيائير لبيد المكلف بتشكيل حكومة الاحتلال يسعى للتقرب من المستوطنين واليمين المتطرف، ورئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو يريد إفشال تشكيل الحكومة "وكل هذا على حساب الفلسطينيين".

المصدر : الجزيرة