جولات مكوكية بين القاهرة والقدس وغزة.. تساؤلات عن الأهداف المصرية

رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار (يسار) يستقبل مدير المخابرات المصرية عباس كامل (رويترز)

تحول غير مسبوق تشهده الجهود المصرية تجاه القضية الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة، مما أثار تساؤلات حول دلالات الحراك الدبلوماسي الراهن، وهل يستهدف ضبط التهدئة في غزة فقط، أم إحياء عملية السلام برمتها مما يسمح للقاهرة بانتزاع دورها المفقود إقليميا منذ سنوات، في مقابل تحذيرات من مساعٍ لاحتواء قوة المقاومة المتصاعدة.

وبينما ساهمت القاهرة بقوة في التهدئة التي بدأت قبل نحو أسبوع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بعد 11 يوما من العدوان على قطاع غزة انطلقت جولات دبلوماسية ومخابراتية مكوكية بين القاهرة وتل أبيب ورام الله والقطاع.

وتهدف هذه الجهود -حسب المعلن- للتوصل إلى تهدئة مستدامة، وبحث آليات إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، والاتفاق على خطة لإعادة إعماره، كما تشمل ملف تبادل الأسرى.

في المقابل، تبدو الغرف المغلقة حبلى بالكثير من المساعي التي ترمي إليها الجولات المكوكية الأخيرة، وفق تصريحات محللين سياسيين للجزيرة نت، وعلى رأسها مباحثات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومدير المخابرات المصرية عباس كامل في القدس حول "الحيلولة دون تعزيز قدرات حماس العسكرية".

واتفق المحللون على أن القاهرة عازمة على استعادة دورها الإقليمي مرة ثانية لتملأ الفراغات التي تركتها بعد تقدم قوى إقليمية، على رأسها أبو ظبي التي طبّعت علاقاتها مع تل أبيب مؤخرا، مما أسفر عن تداعيات مقلقة حول مشاريع جيوسياسية مشتركة تستهدف الأمن القومي المصري.

وبينما رأى أكاديمي مصري بارز أن الحراك المصري هدفه الأساسي التهدئة -دون استبعاد البدء في تفاصيل إحياء عملية السلام عبر حل جذري- شكك محلل سياسي أردني في ذلك، قائلا إن عملية السلام ليس لها حظوظ بسبب انشغال إسرائيل باحتواء المقاومة، وترميم جبهتها الداخلية.

حراك واسع

وتقود القاهرة جهودا دبلوماسية لتثبيت وقف إطلاق النار، إذ أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي مباحثات في القاهرة خلال زيارة هي الأولى من نوعها منذ 13 عاما، في وقت يقوم عباس كامل بزيارة للقدس ورام الله وقطاع غزة.

وجاءت زيارة أشكنازي للقاهرة بعد أيام من لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع كبار المسؤولين في القاهرة -وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي- خلال جولة شرق أوسطية استهدفت تعزيز وقف إطلاق النار.

كما يبحث عباس كامل مع قادة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى 3 ملفات رئيسية هي تثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.

والملف الأخير يأتي على رأس أولويات الحكومة الإسرائيلية، حيث تحاول ربط أي تقدم في ملف إعادة الإعمار بالإفراج عن الأسرى، في حين تفضل حماس الفصل بين الملفين، ورهن إطلاق الجنود الإسرائيليين بإفراج تل أبيب عن الأسرى الفلسطينيين في سجونها.

حل جذري

بدوره، رأى أستاذ علم الاجتماع السياسي سعد الدين إبراهيم أن الحراك المصري الدبلوماسي حول القضية الفلسطينية -وعلى رأسه زيارة مدير المخابرات المصرية- هدفه الأساسي بحث التهدئة في غزة، وإحياء عملية السلام برمتها، والبحث عن حل جذري للمسألة الفلسطينية.

وقال إبراهيم إن القاهرة تسعى إلى الاستفادة من الاهتمام العالمي والدولي بقضية فلسطين مجددا بعد الاشتباكات الأخيرة، مستشهدا بالقول المشهور "رب ضارة نافعة"، ومشيرا إلى أن الاهتمام يأتي كجزء من تكريس الدورين المصري والعربي.

وأشار إلى أن الاشتباكات الأخيرة -رغم الخسائر والأضرار التي وقعت على سكان غزة- نبهت العالم إلى أن القضية الفلسطينية هي أساس مشكلات الشرق الأوسط، وبالتالي عادت مجددا إلى بؤرة الأحداث بعد أن أصابها النسيان.

وفي ما يخص الدور المصري، أكد إبراهيم أن لبلاده دورا مهما ساعد على وقف إطلاق النار، إضافة إلى مبادرة السيسي بإعلان المساهمة في إعادة إعمار غزة، موضحا أن القضية الفلسطينية وضعت مصر مجددا في طريق انتزاع دورها الإقليمي كجزء من توجهاتها الأخيرة.

وقال إن القاهرة بدأت -في إطار مساعي منع انفجار الأزمة الفلسطينية مجددا كما حدث في السابق- تبحث عبر وفودها وتحركاتها عن حل للقضية من أساسها، مما ينطوي على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية.

وأكد إبراهيم أن التحركات الأخيرة عموما -بما فيها مصر- أعادت القضية الفلسطينية إلى أهميتها المركزية، وبالتالي استفادت القاهرة من حالة الاهتمام العالمي، مما يساعدها في البدء في تفصيلات الحل وليس الحل نفسه.

لكنه رأى أن هناك فريقا في إسرائيل لا يريد أن يكون هناك كيان لفلسطين، مما أسفر عن تراجع الجهود الإقليمية والدولية الرامية نحو ذلك في السنوات الأخيرة.

عرّاب السلام

من جهته، عزا الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي الحراك الدبلوماسي الراهن إلى ما شهدته السنوات الأخيرة من تراجع ملحوظ لقدرات القاهرة، وتجاهل تل أبيب لها في عدد من الملفات، وتفضيل الإمارات عليها.

وأشار الزواوي إلى أنه يبدو أن مصر عازمة على استعادة الدور الإقليمي مرة ثانية، ولا سيما بعدما تقدمت أبو ظبي لتملأ الفراغات التي تركتها القاهرة وراءها.

ومن هذه الملفات -وفق الزواوي- دور مكافحة الإرهاب الإقليمي (في ليبيا والقرن الأفريقي، والحرب على داعش في سوريا)، وكذلك دور عراب السلام مع إسرائيل بعد أن تعزز التعاون بين أبو ظبي وتل أبيب في مجالات إستراتيجية، وتعاون في مجالات الطاقة بات يهدد مصالح القاهرة.

وأضاف أن التحرك المصري كان "من أجل استعادة مكانة القاهرة كبوابة للسلام مع إسرائيل من خلال علاقاتها مع حركة فتح، وقدرتها على الضغط على حماس عن طريق المعابر، واستخدام ذلك الملف لتعظيم مكانتها لدى الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة كذلك".

كما أن القاهرة من ناحية أخرى -بحسب الزواوي- تخشى من أن أي تصعيد محتمل في غزة يمكن أن يشعل مظاهرات واضطرابات داخلية واسعة قد تستغلها قوى المعارضة من أجل إشعال ثورة جديدة، ولا سيما مع ازدياد نسبة الفقر والبطالة، والاستدانة المفرطة، ورفع الدعم وفقا لشروط صندوق النقد.

وأشار إلى أن ذلك يفسر استنفار أجهزة الدولة -ولا سيما الدينية منها- لركوب موجة دعم غزة في الآونة الأخيرة، لامتصاص حالات الاستياء الشعبية تفاديا لخروج مظاهرات تهدد أسس السلطة الحالية.

العبرة بالنتائج

بدوره، قال المحلل السياسي الأردني جواد الحمد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (مقره في عمّان) إنه من المبكر الحكم على نتائج الحراك المصري الأخيرة بشأن القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن "العبرة بالنتائج".

وأوضح الحمد في تصريحات للجزيرة نت أن هناك عددا من الإشكالات وسنرى كيف تعالج، في ظل الهزيمة الساحقة للجيش الإسرائيلي في العدوان الأخيرة على قطاع غزة، وفق قوله.

وبينما رأى أن هناك محاولات أميركية لإنقاذ شرف إسرائيل العسكري وسمعتها التي مرغتها المقاومة الفلسطينية بالتراب بشكل غير مسبوق فإن مصر يفترض أن تمثل الطرف الفلسطيني المنتصر ضد إسرائيل وإن اتبعت الطرق الدبلوماسية.

لكنه استدرك بالقول إن "الهدف التقليدي من هذه التحركات هو احتواء المقاومة وقدرتها على التصعيد ضد إسرائيل، ومحاولة تقديم مكاسب تحت شعار الإعمار، والتشجيع على تفعيل صفقة لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل".

كما استبعد الحمد أن يكون الحراك الراهن مقدمة لإحياء عملية السلام برمتها، مؤكدا أن "عملية السلام مجرد كلام إعلامي ليس له حظ ولا فرصة خلال هذا العام".

وعزا تضاؤل فرص إحياء عملية السلام إلى انشغال إسرائيل بأمرين فقط، الأول احتواء المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها، والآخر ترميم الجبهة الداخلية بعد الحرب، ومنها تشكيل الحكومة.

المصدر : الجزيرة