باحثون إسرائيليون يجيبون.. كيف ستؤثر الحرب على غزة على قطار التطبيع العربي مع إسرائيل؟

جولة القتال الأخيرة بين إسرائيل وحماس، وخاصة الأحداث التي سبقتها في القدس، كانت أول اختبار مهم لاتفاقيات التطبيع ومرونة العلاقات مع الدول المطبعة.

دول طبعت علاقاتها مع إسرائيل فصلت مظاهر الدعم للفلسطينيين عن الحاجة إلى الاستمرار في الحفاظ على الاتفاقيات (رويترز)

يجمع محللون وباحثون إسرائيليون على أن عملية "حارس الأسوار" التي تعتبر من أشرس الجولات التصعيدية والقتالية منذ حملة "الجرف الصامد" عام 2014، ستجعل من الصعب على إسرائيل أن تواصل قطار التطبيع والتوقيع على اتفاقيات جديدة مع دول في العالمين العربي والإسلامي.

ويقدّر هؤلاء أنه على الرغم من العدوان الإسرائيلي على غزة، فلن يكون هناك انسحاب من "اتفاقيات أبراهام" التي اعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنها تمهد لتصفية القضية الفلسطينية، لكنهم يرجّحون أن وتيرة الاتفاقيات قد تتباطأ، ومجالات التعاون والاستثمار قد تشهد تراجعا ما دامت القضية الفلسطينية عالقة دون حل.

ويعتقد الباحثون الإسرائيليون أنه على الرغم من عدم انسحاب الدول المطبعة من الاتفاقيات، وعدم استدعاء السفراء والمندوبين والدبلوماسيين خلال سير العمليات العسكرية، فإن الانتقاد الذي وجهه مواطنو هذه الدول لا يحرج الحكومات والأنظمة هناك فحسب، بل يعزز أيضا القناعات في العالمين العربي والإسلامي بأن القضية الفلسطينية لا تزال تلقى صدى بين العرب، وتحظى بتضامن شعبي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

عملية "حارس الأسوار" كما سمتها إسرائيل تأتي بعد 7 سنوات من حرب إسرائيل الشرسة على قطاع غزة عام 2014 (رويترز)

اختبار التطبيع

وكتب الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب الدكتور يوئيل غوجزنسكي، تقدير موقف بعنوان "الاختبار الأول لاتفاقيات أبراهام.. عملية حارس الأسوار وصداقة إسرائيل الجديدة"، أكد من خلاله أن جولة القتال الأخيرة بين إسرائيل وحماس، وخاصة الأحداث التي سبقتها في القدس، كانت أول اختبار مهم لاتفاقيات التطبيع ومرونة العلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

وأوضح الباحث الإسرائيلي أن الدول الأربع اضطرت إلى انتقاد إسرائيل بشدة بسبب الأحداث في القدس، ووجهت اللوم لها بشكل يعبّر عن حساسية ما يجري في المدينة المحتلة لما وصفوه بـ"انتهاك حقوق الفلسطينيين وحرمة الأقصى"، وكان لدى هذه الدول اهتمام بالتضامن مع الفلسطينيين بعد أن اتُّهمت من قبلهم بإدارة ظهرها لهم عند توقيع اتفاقيات التطبيع.

وأشار غوجزنسكي إلى أن هذه الانتقادات لم تترجم إلى اتخاذ إجراءات عملية مثل إعادة السفراء أو إلغاء الاتفاقات، لكن مع استمرار الحملة في غزة أصبح من الصعب عليهم التمسك بهذا الخط السياسي، على الرغم من رغبتهم في الإطاحة بحماس.

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها الرباط دعما لفلسطين (الأناضول)

تآكل في الاتفاقيات

وفي ضوء حجم الدمار في قطاع غزة، يقول الباحث الإسرائيلي "اضطرت الدول تدريجيا لإظهار دعم أكبر للفلسطينيين"، ورجح أن وقف إطلاق النار وإنهاء العملية العسكرية، حال دون تآكل محتمل للاتفاقيات وإلحاق الضرر بالعلاقات ما بين إسرائيل والدول الموقعة على "اتفاقيات أبراهام".

ويعتقد أن الدول التي قررت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، سعت إلى فصل مظاهر الدعم الديني والإنساني للفلسطينيين عن الحاجة إلى الاستمرار في الحفاظ على الاتفاقيات، وخاصة الاقتصادية منها.

ومع ذلك، يقول الباحث الإسرائيلي "قد تزود الأحداث في القدس والحرب على غزة الدول التي اختارت الجلوس على الحياد وعدم الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، بأسباب إضافية لعدم تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مستقبلا".

وخلص غوجزنسكي إلى القول "لا ينبغي لإسرائيل أن تفسر سلوك دول التطبيع في المواجهة مع حماس على أنه اصطفاف معها في القضية الفلسطينية، إن الإدارة الأميركية المهتمة بالمشاركة بشكل أكبر في العملية السياسية، ستجلب الدول المطبعة إلى نشاط سياسي أكبر بشأن هذه القضية، من أجل كسب نقاط لدى واشنطن".

صورة من توقيع اتفاق "أبراهام" بالخرطوم (مواقع التواصل)

فلسطين التاريخية

من جانبه، يعتقد رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ أن الحرب على غزة ونتائجها أثبتت مجددا أنه لا مستقبل لاتفاقيات التطبيع دون إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود الرابع من يونيو/حزيران (1967) إلى جانب إسرائيل، وفقا للقرارات الدولية.

وأوضح بورغ أنه عندما دخلت "اتفاقيات أبراهام" في حياة المواطنين الإسرائيليين، قالوا لي "إنه عبقري، بالإشارة إلى نتنياهو، دمر نموذجك إلى الأبد"، وتابع "لطالما اعتقدت أنا وزملائي أن جوهر المشكلة في منطقتنا هو الصراع مع الفلسطينيين، ولذا هذه الاتفاقيات فارغة، وفقط عندما تحل القضية الفلسطينية، سيتم أيضا بناء جسور مع بقية الدول العربية والعالم الإسلامي، بالضبط بحسب الخطوط العريضة لاقتراح الجامعة العربية".

وقال رئيس الكنيست السابق في مقال بصحيفة "هآرتس" "لقد مرت بضعة أشهر فقط على اتفاقيات أبراهام، وعادت فلسطين التاريخية بكامل قوتها للوعي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة والقدس واللد، لقد اندمجت فلسطين 48 مع فلسطين 67، وتوحدت القدس مع غزة".

حل سياسي

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الأنظمة المطبعة خلال الحرب على غزة، فإن "اتفاقيات أبراهام"، بحسب المحاضر والباحث في قسم الشرق الأوسط والإسلام في جامعة حيفا الدكتور يرون فريدمان "صمدت أمام الاختبار، بحيث لم تنسحب أي من الدول التي وقعت اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل العام الماضي من الاتفاقية، واكتفت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب بإدانة عامة لاعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين".

واستعرض فريدمان مجموعة من الحلول لملف غزة، ورأى أن من الحلول سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة بدلا من حكم حماس، لكنه يرجح أن الحل الأكثر قابلية للتنفيذ هو الرعاية المصرية لقطاع غزة، وهو ما سيكون تعديلا مهما لاتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979، قائلا "ربما يكون مثل هذا الترتيب أفضل من الوساطة المصرية لتحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل في غزة".

المصدر : الجزيرة