مؤشرات وتحولات وعقبات.. هل باتت مصر الرهان الأفضل للمقاومة الفلسطينية وإسرائيل؟

سيارات إسعاف مصرية عبرت إلى قطاع غزة للمشاركة في علاج مصابي العدوان الإسرائيلي (الفرنسية)

بعد حرب استمرت 11 يوما بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، أثيرت تساؤلات حول دور القاهرة في الملف الفلسطيني، وذلك بعد أن اتخذت العاصمة المصرية حزمة من القرارات والتحولات غير المسبوقة تجاه قطاع غزة المحاصر، شملت مناصرتها بصورة علنية المقاومة بعد سنوات من القطيعة.

وبناءً على اقتراح مصري، عاد الهدوء إلى قطاع غزة مع بدء سريان وقف إطلاق النار فجر الجمعة، بعد 11 يومًا من العدوان الإسرائيلي، حيث شهد اليومان الماضيان احتفالات في كل الأراضي الفلسطينية، بما اعتُبر "انتصارا" للمقاومة.

 

وفي العدوان الإسرائيلي الأخير، استطاعت المقاومة الفلسطينية تغيير قواعد الاشتباك التي فرضها الاحتلال على مدار سنوات، وتمكنت من الوصول إلى قلب تل أبيب وضرب أهداف عسكرية ومنشآت حيوية كالموانئ ومحطات الغاز، إضافة إلى دفع الإسرائيليين إلى الملاجئ خوفا من صواريخ المقاومة.

وبعد ساعات من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وصل وفد من جهاز المخابرات العامة المصرية الجمعة إلى قطاع غزة للقاء قيادات من حركة المقاومة الإسلامية حماس.

والخميس، رحب الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الأميركي جو بايدن، ويعد الأول منذ وصول الأخير إلى السلطة مطلع العام، بدور بايدن في "إنجاح المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار وتحقيق التهدئة"، متمنيا "استمرار التعاون لتحقيق المزيد من النجاحات المشتركة والتي من شأنها إرساء السلام العادل والشامل في المنطقة".

ووفق تصريحات محللين سياسيين، أحدهما مصري والآخر أردني، للجزيرة نت، فإن أبرز نتائج الحرب الأخيرة تتمثل، بالإضافة إلى صمود المقاومة، في استعادة مصر لدورها وهيمنتها على الملف الفلسطيني.

وفي المقابل، رأى مراقبون وكتاب أن النظام المصري أوصل للإدارة الأميركية عبر تحولاته الأخيرة تجاه قطاع غزة أنه "حارس البوابة"، الذي يجب أن تمر عبره المصالح الغربية، إضافة إلى ما يثار عن تخوفات مصرية على دورها في ملف الوساطة، وتداعيات موجة التطبيع الأخيرة على أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية.

الرهان الأفضل

ترى تل أبيب في القاهرة، الشريك الأفضل والأكثر فاعلية منذ وصول السيسي إلى الحكم صيف 2014، على خلاف مواقف مصرية سابقة متأزمة مع حركات المقاومة، التي بدأت تتقارب هي الأخرى من مصر، وشاركت في ضبط الحدود مع سيناء وتحجيم تحركات الجماعات المتشددة على طول الحدود مع قطاع غزة.

وفي يوم الأحد الماضي، ذكر موقع هآرتس الإخباري، عبر مقال لمحلل شؤون الشرق الأوسط زيفي بارئيل أن مصر هي أفضل رهان لإسرائيل لإنهاء تصاعد الصراع في غزة.

لكن يبقى التحدي الرئيسي الذي قد تواجهه القاهرة في تسوية الصراع الراهن، وفق "هآرتس"، متمثلاً في إقناع تل أبيب بفصل عمليتها العسكرية في غزة عن التصعيد في الحرم القدسي، في وقت ترى فيه الحكومة الإسرائيلية أن أي انسحاب يعد تنازلا للمقاومة الفلسطينية.

كما قد تواجه القاهرة عوائق أخرى أبرزها الضمانات التي ستطلبها إسرائيل من حماس للحصول على فترة تهدئة أطول، خاصة أن كُتابا إسرائيليين ذهبوا إلى أهمية أن تفضي الحرب الراهنة إلى تهدئة تقارب 5 سنوات.

تحولات ورضا

في كلمته عن وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وجّه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشكر لمصر وقطر وإيران، عن دورهم في العدوان الأخير، قائلاً إن "الأشقاء في مصر واكبوا المعركة معنا يوما بيوم ومارسوا دورهم التاريخي لكبح جماح العدوان".

وعلى خلاف مواقف سابقة، اتسم الدور المصري الرسمي والإعلامي والديني من العدوان على غزة ومن قبله الاعتداء على المسجد الأقصى ومحاولات طرد سكان حي الشيخ جراح،  بالمناصرة للقضية الفلسطينية، وإرسال رسائل مباشرة بضرورة وقف العدوان، إضافة إلى فتح معبر رفح لاستضافة مصابين في المستشفيات المصرية وإرسال أطباء وسيارات إسعاف إلى القطاع المحاصر.

كما أعلن السيسي عن مبادرة لدعم عملية إعادة الإعمار في الأراضي الفلسطينية بمقدار 500 مليون دولار، ومن خلال الشركات المتخصصة المصرية.

 

 

 

 

 

مرحلة جديدة

المحلل السياسي والأكاديمي المصري حسن نافعة، قال إنه يتمنى أن تستعيد مصر دورها الريادي في القضية الفلسطينية، مشددًا على أن مصر مدركة أن وقف إطلاق النار يجب أن يمهد لمرحلة جديدة نحو تسوية دائمة وليس مجرد هدنة.

وحول الدور المصري الراهن، أشار إلى أن علاقات مصر وحماس حاليًا تسمح بتبني القاهرة وجهات نظر تتقبلها حركة المقاومة الفلسطينية، من أجل البدء في عملية تسوية سياسية شاملة، مستدركًا بأن بلاده قد لا تستطيع القيام بهذا الدور منفردة، ما لم يتم الضغط دوليا على إسرائيل.

وأكد أهمية حماية فصائل المقاومة الفلسطينية بالنسبة بلاده، مشيرًا إلى أن مصر مستعدة للضغط على إسرائيل، لما لها من قبول وثقة متبادلة مؤخرًا لدى المقاومة من جانب وإسرائيل من جانب آخر، وباعتبار أنها أقوى الأطراف التي لها علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية.

وأوضح أن مصر تستطيع إقناع حماس بالتسوية، ويمكن لها كذلك تبني بعض المطالب الفلسطينية المعقولة، على غرار وقف الاستيطان وإقامة دولة مستقلة خلال فترة زمنية معينة، والحصول على تعهد إسرائيلي ضمني بعدم إخراج الفلسطينيين من الشيخ جراح.

ورأى في هذه المطالب، إجماعًا من كل الأطراف الفلسطينية، حتى تلك التي ما تزال تتحدث عن تحرير فلسطين كاملة، مشيرًا إلى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن ينتهي بين يوم وليلة.

محددات الدور المصري

وفي إطار كيفية تفعيل الدور المصري في وقف التصعيد وتسوية الملف الفلسطيني، قال نافعة إن كل محاولات تسوية القضية الفلسطينية والمقاومة بما يخدم تل أبيب فشلت، إضافة إلى انهيار صفقة القرن، لذلك على مصر أن تستثمر كل ذلك بما يخدم مصالحها المباشرة، وتوظيف الحرب الأخيرة واستثمارها.

وحول المعوقات التي قد تواجه الدور المصري، رأى نافعة أن أبرزها هو وجود بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية اليمينية، واستغلاله للأزمة ليبقى في السلطة، معتبرا أن رحيل نتنياهو واليمين المتطرف سيساعد في فتح باب المفاوضات والتسوية، ومشددًا على أهمية استثمار الأصوات الجديدة في الحزب الديمقراطي الحاكم في أميركا، لتوليد ضغط غربي على إسرائيل.

أما عن ضمانات إسرائيل لوقف التصعيد والوصول إلى تهدئة طويلة، أكد المحلل السياسي المصري أن بلاده ليست لها مصلحة في تبني وجهة النظر الإسرائيلية التي تبحث عن تصفية القضية، أو توجيه انتقادات لحركات المقاومة.

الأمن القومي

وفيما يتعلق بأسباب التحولات المصرية الأخيرة في الملف الفلسطيني، أوضح نافعة أن الصراع طال أكثر مما ينبغي، وتدمير قطاع غزة الذي يعيش فيه مليونا مواطن، والأعمال الإرهابية في سيناء، كلها أمور تؤثر مباشرة على الأمن القومي لمصر.

كما أن الرؤية المصرية، تغيرت تجاه المقاومة الفلسطينية، حيث بدأت تدرك أن حماس لم تعد فصيلا تابعا لجماعة الإخوان المسلمين، بل هي فصيل يدافع عن قضيته، وفق نافعة.

بُعد جيوسياسي

ومن جانبه، اتفق المحلل السياسي الأردني جواد الحمد، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (مقره عمّان)، مع رؤية نافعة، مشيرًا إلى أن مصر تتمتع ببعد جيوسياسي مهم لقطاع غزة، مضيفا أن أي دور إيجابي للقاهرة في وقف العدوان الإسرائيلي وتحقيق أهداف المقاومة في غزة والقدس، سيكون له انعكاس كبير على دورها المستقبلي في القضية الفلسطينية.

وثمة محاولات أميركية وإسرائيلية، أشار إليها الحمد، تمثلت في الضغط على مصر للتوصل إلى وقف إطلاق نار مقابل وقف إطلاق نار، دون شروط أو تأجيل الشروط لتفاوض آخر.

وزاد بالقول إن الفرصة مواتية لمصر في ظل نجاح المقاومة الكبير، في فرض قواعد المعركة المسلحة والتأثير والتدخل في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لتنجح مصر في وقف العدوان على غزة وإحياء شروط التهدئة السابقة التي أخلت بها إسرائيل من جهة، وكذلك لوقف اقتحامات المسجد الأقصى من الشرطة أو الجيش أو المستوطنين الصهاينة، وإلغاء خطة تهجير مواطني حي الشيخ جراح الفلسطينيين.

وأكد أنه في هذه الحال سيكون ذلك إنجازا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، وسيكون لمصر الفضل في التوصل إليه.

أما فيما يتعلق بالضمانات، فرأى المحلل السياسي الأردني أن المقاومة هي التي تحتاج الضمانات في ظل التجارب السابقة، مشيرًا إلى أن مصر تدرك هذا جيدا، لذلك رأى الحمد أن ما يتم التوصل إليه، يجب أن يتحول إلى قرار في مجلس الأمن الدولي، كمزيد من الضمانات.

ويتمثل المعوق الأساسي في التهدئة الراهنة، بحسب الحمد، في غرور نتنياهو وتخيله أنه انتصر عسكريا بشكل يدعو المجتمع الإسرائيلي إلى انتخابه مرة أخرى.

المصدر : الجزيرة