الساسة والإعلام والتواصل الاجتماعي.. تفاعل غير مسبوق مع فلسطين في أميركا

يعتقد مراقبون أن التفاعل الواسع في أميركا مع الحرب في فلسطين بمثابة انتصار فلسطيني في معركة "الرأي العام الأميركي"، والتي كانت خارج حسابات الطرفين قبل ذلك بسبب السيطرة الإسرائيلية والنفوذ اليهودي الطاغي على قضية صراع الشرق الأوسط في الدوائر الشعبية والرسمية الأميركية

تفاعل واسع في أميركا مع فلسطين منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة (الأناضول)

شهدت مدن عدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة مظاهرات احتشد فيها آلاف المؤيدين للفلسطينيين للتعبير عن دعمهم كفاح الشعب الفلسطيني، ولإعلان رفضهم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومطالبتهم بوقفه.

وعلى الرغم من تنظيم بعض أنصار إسرائيل مظاهرات مؤيدة لها في عدة مدن أميركية فإن التركيز السياسي والإعلامي انصب على المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين نظرا لضخامة أعداد المشاركين فيها، إضافة إلى ما تعكسه من تغيرات مجتمعية مهمة في طريقة تفاعل الشارع الأميركي والرأي العام بصفة عامة مع الصراع العربي الإسرائيلي.

ويعتبر عدد من المعلقين ما يجري بمثابة انتصار فلسطيني في معركة "الرأي العام الأميركي"، والتي كانت خارج حسابات الطرفين قبل ذلك بسبب السيطرة الإسرائيلية والنفوذ اليهودي الطاغي على قضية صراع الشرق الأوسط في الدوائر الشعبية والرسمية الأميركية.

ودفع انتشار مشاهد العدوان الإسرائيلي وسهولة عرض صور القتل والدمار داخل قطاع غزة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى بدء تغيير -وإن كان بطيئا- في صورة إسرائيل التي ينظر لها على أنها أقوى حليف لواشنطن، وخلال العدوان الإسرائيلي الحالي ساهمت عدة عوامل بصورة كبيرة في تحقيق الجانب الفلسطيني انتصارا في معركة الرأي العام والشارع الأميركي.

الجزيرة نت تعرض هنا بعض هذه العوامل التي تدفع في زيادة إدراك الشارع الأميركي الحقوق الفلسطينية المشروعة.

أولا: دور مشاهير من نوع جديد.. الشقيقتان بيلا وجيجي حديد

شهدت الأيام الأخيرة بروز اسم وتأثير الأختين الأميركيتين من ذوات الأصول الفلسطينية وهما بيلا وجيجي حديد.

وشاركت عارضتا الأزياء بقوة في معركة وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة منصة إنستغرام، وتعد الشقيقتان من أكثر العارضات شهرة حول العالم وفي الولايات المتحدة، وظهرتا على أغلفة أهم المجلات المتخصصة مثل مجلة "فوج" عشرات المرات، ويتابع حساب بيلا 42.6 مليون شخص في تطبيق إنستغرام، في حين يتابع جيجي 66.5 مليون شخص في نفس التطبيق، إضافة إلى ملايين آخرين من المتابعين لهما في فيسبوك وتويتر.

الأميركية من أصل فلسطيني بيلا حديد في مظاهرة مناصرة للفلسطينيين (مواقع التواصل)

أدانت الشقيقتان العدوان الإسرائيلي بقوة، وأعادتا نشر الكثير من الصور والفيديوهات التي توثق العدوان الإسرائيلي والمعاناة الفلسطينية.

وكتبت جيجي "لا يمكن للمرء أن يدافع عن المساواة العرقية والحقوق المدنية للجميع، ويدين الأنظمة المنتهكة لحقوق الإنسان والمسيئة وغيرها من المظالم، ومع ذلك يختار تجاهل القمع الذي يتعرض له الفلسطيني".

ووضعت بيلا صورتها أثناء مشاركتها في مظاهرة كبيرة بحي بروكلين في مدينة نيويورك يوم السبت الماضي، وظهرت وهي ترتدي ملابس بألوان علم فلسطين، وقالت فيها "من الجميل أن يشعر قلبي بكل الحب، إذ نكون حول هذا العدد الكبير من الفلسطينيين الجميلين والذكيين والمحترمين والمحبين والطيبين والسخيين في مكان واحد.. نحن سلالة نادرة"، "وقالت "فلسطين حرة.. فلسطين حرة".

كما أعادت نشر الكثير من الفيديوهات والصور التي توثق معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأدانت إسرائيل استخدام بيلا وسائل التواصل الاجتماعي، وهاجمت مشاركتها في المظاهرات.

ثانيا: شجاعة سياسية للرباعي التقدمي بالكونغرس

تبنى الكثير من أعضاء مجلس النواب مواقف سياسية مميزة بالمعايير الأميركية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، ويعد الرباعي النسائي المعروف باسم "سكواد" (Squad) والمكون من النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، والنائبة الأميركية السوداء آيانا بريسلي، والنائبة المسلمة رشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية، والنائبة المسلمة من أصول صومالية إلهان عمر.

ولم يكن الأميركيون يتصورون أن يأتي يوم توصف فيه إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري داخل قاعات الكونغرس كما جرى من جانب النائبة إلكساندريا أوكاسيو كورتيز، أو أن تُتهم إسرائيل بارتكاب "أعمال إرهابية" كما ذكرت النائبة إلهان عمر، وفي الحالتين لم تقابل كلمات النائبتين بمعارضة ديمقراطية واسعة النطاق.

كما واجهت النائبة رشيد الرئيس جو بايدن أول أمس الأربعاء خلال زيارته لولاية ميشيغان، وطالبته أمام العالم بالتخلي عن دعم إسرائيل، والعمل على إحلال السلام.

من اليسار إلى اليمين : ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز و أيانا بريسلي و رشيدة طليب و إلهان عمر
من اليسار إلى اليمين: ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وآيانا بريسلي ورشيدة طليب وإلهان عمر (مواقع التواصل)

وتستخدم النائبات خطابا جديدا مؤيدا للفلسطينيين، وهو ذو تأثير كبير على زملائهن في مجلس النواب وعلى الملايين من متابعيهن، كما أن كفاءة استغلالهن للتطبيقات الإلكترونية وانتشارهن الواسع في الإعلام الأميركي له مردود واسع وإيجابي.

وتشن إسرائيل حملة شرسة على العضوات المؤيدات للحق الفلسطيني، إلا أن شعبيتهن الطاغية تؤمّن إعادة انتخابهن بصورة كبيرة.

ثالثا: شعار "حياة الفلسطينيين مهمة" ودعم الأميركيين الأفارقة

استخدم السيناتور اليهودي التقدمي الشهير بيرني ساندرز شعار "حياة الفلسطينيين مهمة" خلال خطابات داخل قاعات مجلس الشيوخ وفي مشاركاته الإعلامية وتغريداته على منصة تويتر.

ويتابع السيناتور بيرني ساندرز 12.1 مليون شخص على تطبيق تويتر، إضافة إلى 6.7 ملايين آخرين على تطبيق إنستغرام، و5.5 ملايين على فيسبوك.

وكرر ساندرز -صاحب الشعبية الطاغية بين طلاب الجامعات الأميركية- أن حياة الفلسطينيين مهمة، وذكّر زملاءه في الكونغرس بأعداد الضحايا من المدنيين والأطفال والنساء الناتج عن العدوان الإسرائيلي.

وربط الأميركيون المؤيدون للحقوق الفلسطينية بين معاناتهم تحت الاحتلال وبين الظلم والعنصرية اللذين يتعرض لهما الأميركيون من أصول أفريقية.

وظهرت أعلام وشعارات حركة "حياة السود مهمة" ضمن ما يحمله المتظاهرون المحتجون على ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في القدس وقطاع غزة.

ويكرر قادة المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين أنه من الضروري ربط العدوان الإسرائيلي بالمظاهرات الواسعة التي جرت الصيف الماضي ضد الظلم العنصري داخل الولايات المتحدة.

كما شارك موقع حركة "حياة السود مهمة" على منصة تويتر -والذي يتابعه أكثر من مليون شخص- تغريدة النائبة الأميركية المسلمة إلهان عمر، والتي جاء فيها "لقد مضى وقت طويل على التوقف عن التشدق بحقوق الإنسان الفلسطيني، وأخيرا اتخاذ إجراءات لحمايتها، فخورة بالانضمام إلى زميليّ النائب أندريه كارسون والنائبة رشيدة طليب في إدانة الهجمات على المسلمين خلال شهر رمضان المبارك".

ويظهر قادة حركة "حياة السود مهمة" في التلفزيونات الأميركية، ويستخدمون شعار "حياة الفلسطينيين مهمة" للتشبيه والربط بين معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال وكفاح السود من أجل المساواة داخل الولايات المتحدة.

وغرد موقع الحركة يقول "حركة حياة السود مهمة تقف متضامنة مع الفلسطينيين، إننا حركة ملتزمة بإنهاء الاستعمار الاستيطاني بجميع أشكاله، وسنواصل الدعوة إلى تحرير الفلسطينيين.. فلسطين حرة".

 

رابعا: جيل جديد من الأميركيين العرب حاضر في وسائل إعلام أميركية أساسية

تلعب شخصيات أميركية من أصول عربية مثل أيمن محيي الدين أو البريطاني المسلم مهدي حسن دورا كبيرا في تغيير فهم الشارع الأميركي للصراع العربي الإسرائيلي من خلال برامجهما التلفزيونية التي يتابعها الملايين، ولمحيي الدين برنامج يومي لمدة ساعة كاملة يبث على شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC)، ولمهدي حسن برنامج يومي في خدمة البث المباشر "بيكوك".

ونجح الكثير من العرب والمسلمين والفلسطينيين في اختراق حواجز الإعلام الأميركي والوصول لملايين الأميركيين والتأثير فيهم، فقد ظهر محمد الكرد (الشاب الفلسطيني الذي تحدث عن إخلاء منزل عائلته في حي الشيخ جراح في القدس) على أهم الشبكات الإخبارية الأميركية عدة مرات، كما تظهر الناشطة الأكاديمية الأميركية ذات الأصول الفلسطينية نورا عريقات والباحث الأميركي ذو الخلفية المصرية خالد الجندي (من معهد الشرق الأوسط) بصورة متكررة في الإعلام الأميركي.

ويدفع كل ما سبق إلى تسرب خطاب نقدي جديد وقوي يفند مقولات حتمية التحالف الأميركي والدعم الكامل غير المشروط لإسرائيل، ولم تعد شعارات "حق إسرائيل في الوجود"، و"ضرب الإرهابيين"، و"معاداة السامية" تسيطر على المشهد الأميركي الذي عرف في هذا العدوان كلمات وعبارات جديدة يفهمها الأميركيون، مثل "الفصل العنصري"، و"سرقة الأراضي"، و"التطهير العرقي".

المصدر : الجزيرة