التضييق على الموظفين المعارضين بمصر.. حماية للدولة أم فُجر في الخصومة؟

وزير النقل المصري كامل الوزير في مجلس النواب (مواقع التواصل الاجتماعي)

عاد الجدل في مصر مجددا بشأن قضية فصل الموظفين الحكوميين بسبب انتماءاتهم وآرائهم السياسية المعارضة للسلطة، وذلك إثر دعوة وزير النقل المصري كامل الوزير إلى إدخال تعديلات على قانون الخدمة المدنية تسمح بفصل الموظفين.

دعوة الوزير -التي أطلقها تحت قبة البرلمان قبل عدة أيام- جاءت في سياق محاولته الدفاع عن نفسه بعد سلسلة من حوادث القطارات راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح خلال شهر واحد فقط، وصاحبها انتقادات حادة للوزير ومطالبات له بالاستقالة.

وفاجأ الوزير الرأي العام بالادعاء أن تكرار الحوادث سببه وجود عدد من العمال والفنيين من العناصر المرتبطة بما وصفها بـ"الأنشطة المتطرفة الإثارية" التي "لا تريد للسكة الحديد -بل لمصر- كلها الأمن والتنمية والسلام"، على حد تعبيره.

ورأى الوزير أن التعديل الجديد سيمكّنه من فصل أولئك الموظفين البالغ عددهم 162 عاملا وفنيا ثبت ارتباطهم بتلك العناصر، حسب قوله.

وخلال الجلسة نفسها لقي الوزير مساندة من الإعلامي والنائب مصطفى بكري المعروف بقربه من السلطة، حيث قال إنه حصل على قائمة بأسماء 162 موظفا، وقد ارتفعت القائمة إلى 257 لاحقا، ينتمي معظمهم إلى جماعة الإخوان المسلمين والباقون من النشطاء السياسيين الذين صنفتهم الأجهزة الأمنية بأنهم "إثاريين"، على حد الوصف الذي بدأت دوائر السلطة والمقربين منها في استخدامه مؤخرا.

وفي سياق متصل، قرر رئيس الوزراء المصري إحالة مجموعة جديدة من الجرائم إلى محاكم أمن الدولة طوارئ بدلا من القضاء العادي، وكان منها جرائم العاملين بالسكك الحديدية المرتكبة أثناء وبسبب تأدية أعمالهم وما يرتبط بذلك من جرائم، وذلك حتى انتهاء حالة الطوارئ في البلاد والتي يتم تجديدها باستمرار منذ عدة سنوات.

 

سياسة مستمرة

وتقوم السلطات المصرية بالفعل بفصل الكثيرين من وظائفهم في مختلف قطاعات ومؤسسات ووزارات الدولة منذ تقلد الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم منتصف 2014، وما تزامن مع ذلك من تزايد حالة الانقسام المجتمعي، والتأليب على المعارضين بدعوى انتمائهم إلى جماعات "محظورة".

وفي مارس/آذار 2014، قامت وزارة الأوقاف في عهد الوزير الحالي مختار جمعة بفصل العديد من قيادات الوزارة، وأعلنت -في بيان لها- ما سمّته "انتهاء عصر الأخونة والقيادات الإخوانية بالوزارة للأبد"، ومنذ ذلك الحين تقوم بفصل أعداد مختلفة من الأئمة والدعاة من المساجد ومنعهم من صعود المنابر بسبب آرائهم أو انتماءاتهم السياسية.

وفي واحدة من أكبر عمليات الفصل الجماعي، أصدر وزير التعليم المصري طارق شوقي قرارا بفصل 1070 معلما في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بدعوى أنهم أصحاب أفكار متطرفة وعليهم أحكام قضائية، لافتا إلى أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية للتأكد من صحة الادعاءات.

سياسية كيدية

أحد المتضررين من سياسة الفصل الوظيفي هو الشيخ سلامة عبد القوي المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف سابقا، والذي فصله وزير الأوقاف الحالي في عام 2014 من الوزارة.

يصف عبد القوي تلك السياسة العقابية بأنها "شمّاعة يعلق عليها النظام العسكري إخفاقه في إدارته للبلاد، من خلال اتهام بعض الموظفين بإفشال خطط الوزارات التنموية والإصلاحية، وفي الحقيقة لا توجد أي خطة سوى تخريب البلد"، على حد قوله.

وأضاف -للجزيرة نت- أن هذا منطق مختل، معتبرا أن فصل الموظفين بسبب توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والدينية أيا كانت لا يوجد في عرف أو قانون، ولكنه نظام فاسد إداريا يلصق فشله بالآخرين.

وحذر عبد القوي من مغبة الفصل التعسفي بحق الموظفين وما يترتب عليه من تشريد آلاف الأسر المصرية التي تعاني أصلا من أوضاع اقتصادية صعبة، مضيفا "وأنا شخصيا عشت مرارة هذه التجربة لا لشيء سوى أنني أعارض وأخالف النظام، والفصل يعزز الشعور بعدم الانتماء للوطن، وهو مؤشر خطير".

إهمال أم إخوان؟

أحد أكبر الداعمين للسلطة، الإعلامي عمرو أديب، له رأي آخر ويختلف عما ذهب له وزير النقل، حيث قال -قبل أيام- "رأيي أن الموظف المهمل أخطر من مليون موظف من الإخوان المسلمين، ولن يستقيم حال هذا البلد إلا إذا تغيرت طريقة التوظيف".

وألمح أديب إلى أن تبريرات الوزير باتهام عناصر "إثارية" بالتسبب في وقوع هذا الكم من الكوارث غير مقبولة، قائلا "طبقا لتحقيقات النائب العام، نحن لا نتحدث عن إخوان، ولكن نتحدث عن إهمال مروع، وتزوير في محررات رسمية، وإدمان مخدرات".

قانون فصل الموظفين

تأتي دعوة الوزير بتعديل قانون الخدمة المدنية للسماح له بفصل ما يريد من موظفين، على الرغم من وجود قانون رقم 10 لسنة 1972 يسمح بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي بعد أن أدخل البرلمان الماضي تعديلات على القانون في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

والفصل بغير الطريق التأديبي يعني الفصل المباشر بقرار إداري، دون العرض على جهات التحقيق المختصة بالتعامل مع الموظفين، ودون أن يكون القرار صادرا من النيابة الإدارية، وحتى دون عرض الأمر على القضاء.

ويجيز القانون الفصل بغير الطريق التأديبي إذا أخل العامل بواجبات الوظيفة وتسبب بأضرار جسيمة بالإنتاج أو إذا مس أمن الدولة وسلامتها، أو فقد أسباب الصلاحية للوظيفة التي يشغلها، أو كان فاقدا للثقة والاعتبار، أو إذا أدرج على قوائم الإرهابيين، وكلها أسباب فضفاضة -بحسب معارضين- تستهدف التنكيل بالمعارضين.

وواجه القانون انتقادات في حينها، إذ أكد وزير القوى العاملة المصري السابق كمال أبو عيطة أن القانون "يهدف للتنكيل بالموظفين ذوي الآراء السياسية المعارضة للحكومة"، محذرا -في الوقت ذاته- من أن "بعض المديرين الفاسدين قد يستخدمون هذا القانون في تحقيق أغراضهم الشخصية للإطاحة بالموظفين".

لكن مقدم مشروع القانون آنذاك النائب علي بدر، أكد أن القانون يأتي استكمالا لسلسلة القوانين التي تهدف لتجفيف منابع الإرهاب، مشيرا -في تصريحات صحفية- أن الهدف هو "تنقية الجهاز الإداري في الدولة من العناصر الإرهابية؛ حفاظا على الدولة المصرية"، على حد قوله.

ونقلت صحيفة الوطن -المقربة من السلطات- حينها عن مصادر لم تسمها قولها إنه "يجري حاليا فحص حالات موظفي الدولة في عدد من الجهات التابعة للجهاز الإداري، لاستبعاد الموظفين الذين يثبت انتماؤهم للجماعات المتطرفة والإرهابية، أو تبني مواقف وآراء معلنة من شأنها التحريض على العنف أو الفتنة أو الفوضى".

 

إضعاف الدولة لا المعارضين

بدوره، انتقد محافظ البحيرة السابق، أسامة سليمان، عودة دعوات فصل الموظفين، قائلا إن "ما يجري هو محاولة يائسة لإشغال الرأي العام عن المتسبب الحقيقي عن هذه الكوارث، والأمر الآخر هو التنكيل بالمعارضين وتخويف الموظفين من أجل الصمت عن الفساد وإلا واجهوا الفصل بتهم أمنية معلبة جاهزة".

وأعرب سليمان -في حديثه للجزيرة نت- عن مخاوفه من زيادة الانقسام المجتمعي وإضعاف الدولة المصرية وليس المعارضة، مضيفا أنه لم يكن يتوقع أن ينحى الوزير منحى المذيعَين نشأت الديهي وأحمد موسى في إلصاق كل الأزمات بالإخوان، ولكن يبدو أنه لم يجد بابا للهروب من غضبة الرأي العام سوى هذا الباب.

وذهب المسؤول المصري السابق إلى القول بأن الوزير أحد المتهمين في حوادث القطارات، وهذا الاتهام من فمه عندما اعترف أنه وجه عمال الهيئة بعدم استخدام بعض التقنيات الحديثة على خطوط السكك الحديدية بسبب شكاوى من تأخر القطارات، معتبرا أنه إذا كانت هناك عناصر إثارية فهي التي صنعت بؤر فساد على مدى عقود وأدت إلى تراكم الديون إلى أكثر من 80 مليار جنيه، وتمرير صفقات مشبوهة تتضمن جرارات وعربات ومعدات بمئات المليارات، بحسب وصفه.

اتساع الدائرة

لا تتوقف المضايقات عند هذا الحد، فهناك وسائل أخرى تتعلق بحرمان البعض من الترقيات المستحقة في وظائفهم، وهو ما يترتب عليه فقدانهم جزءا من حقوقهم المادية والمعنوية، كما في واقعة الأكاديمية منار الطنطاوي، زوجة الصحفي هشام جعفر المفرج عنه مؤخرا.

وتحت عنوان "استمرار التنكيل بأسر سجناء الرأي في مصر"، كشفت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن عميد المعهد التكنولوجي العالي مستمر في حرمان الدكتورة منار من درجة الأستاذية.

ويأتي الرفض برغم موافقة اللجنة العلمية وصدور قرار المجلس الأعلى للجامعات في فبراير/شباط 2020 بحصولها على درجة الأستاذية، وهو الأمر الذي يمثل مخالفة للقانون والأعراف الأكاديمية فضلا عن إهدار حقوقها الأدبية والمادية.

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي