ارتفاع حرارة الموقف المصري تجاه العدوان الإسرائيلي..مؤشرات وتساؤلات

Rockets are fired from Gaza
صواريخ المقاومة الفلسطينية تنطلق من غزة ردا على الاعتداءات الإسرائيلية (الفرنسية)

بعد مواقف مصرية اقتصرت على الإدانات الدبلوماسية لاعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين بدءا من أحداث حي الشيخ جراح بالقدس والمسجد الأقصى وصولا إلى قصف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة بشكل متواصل؛ حمل اليومان الماضيان مواقف مغايرة أشد سخونة على أكثر من مسار، بشكل أثار بعض التكهنات والتساؤلات حول تغير هذا الموقف وما قد يكون وراءه.

وارتفعت حدة الخطاب الدبلوماسي للخارجية المصرية تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية، مقرونا بنقل التلفزيون الرسمي خطبة الجمعة التي دعت لنصرة الفلسطينيين من الجامع الأزهر، واستخدام بعض السياسيين المقربين من النظام لهجة حادة ضد الاعتداءات الإسرائيلية، فضلا عن تضامن واسع من قبل مشاهير الفن والإعلام والرياضة الذين يعكسون غالبا مزاج النظام تجاه بعض القضايا.

وخلال الاتصالات الدبلوماسية المكثفة بالعديد من نظرائه حول العالم؛ وصف وزير خارجية مصر سامح شكري ما يجري في الأراضي الفلسطينية بالعدوان الذي يجب أن يتوقف فورا، من أجل حقن دماء الضحايا الذين يذهبون نتيجة العمليات العسكرية والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويبدو أن إسرائيل تجاهلت جهودا مصرية جرت لاحتواء الوضع المتدهور، حيث قال شكري إن بلاده أجرت اتصالات مع إسرائيل من أجل التهدئة، لكنها "لم تجد الصدى اللازم".

وفي السياق ذاته، نقلت بعض المواقع الإخبارية المحلية أن وزارة الصحة المصرية أرسلت عددا من سيارات الإسعاف، بالقرب من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، وذلك استعدادا لاستقبال مصابي الهجوم الإسرائيلي في مستشفيات شمال سيناء.

وتساءل البعض عن أسباب ارتفاع مؤشر حرارة ردود الفعل المصرية، وهل يعكس ذلك تغيرا في السياسية الرسمية -في ظل نظام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي- والتي سبق أن تحدثت عن "سلام أكثر دفئا" مع إسرائيل؟ وهل حقا تريد القاهرة العودة لامتلاك الملف الفلسطيني بعدما شعرت بخطر انتقال الملف لدول التطبيع الجديد؟ وهو ما يشكل تهديدات حقيقية لمصالح القاهرة ويضر بالقضية الفلسطينية.

فيما قال آخرون إن هذه الردود ما تزال -حتى الآن ورغم هذه النبرة الأكثر حدة من المعتاد- دون مستوى الحدث الجلل، ومجرد أقوال لا أفعال، ولم تنعكس على خفض حدة الوضع المشتعل والمتفجر في جميع الأراضي الفلسطينية رغم احتدامها يوما تلو الآخر، وأنها تأتي في سياق تنفيس الغضب الشعبي، وذر الرماد في العيون، وأنه لا دلالات حقيقية على جدواها بسبب غياب القرار السياسي أو تغييبه.

العلاقات على المحك

وفي معرض رده على تلك التساؤلات، أكد السفير حسين هريدي -مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق- أن "الموقف الرسمي المصري، بحسب التوجهات المتوفرة لدي، كان يعمل على إقرار هدنة طويلة الأمد لحماية الشعب الفلسطيني من العدوان الإسرائيلي، وحذر إسرائيل من القيام باجتياح بري، وهذا التحذير رسالة غير مباشرة أنه في حال تجاوز هذا التحذير فإن العلاقات المصرية – الإسرائيلية سوف تتضرر بشكل كبير".

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد هريدي أن الرأي العام المصري في غاية الغضب، والحكومة المصرية تتجاوب في إطار دبلوماسي مع تطلعات شعبها، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تستوعب هذه الرسالة، وتتأكد أن مصر تقف مع نضال الشعب الفلسطيني.

وإذا كانت مصر تحاول استعادة زمام الملف الفلسطيني -من خلال الرمي بثقلها الدبلوماسي بعد موجة التطبيع العربية الأخيرة- أكد هريدي أنه في كل مرة تدخلت فيها مصر لوقف التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية كانت جادة؛ لأن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي مصري، رغم معاهدة السلام مع إسرائيل، ولا يستطيع أي نظام في مصر التخلي عن مسؤولياته التاريخية تجاه تلك القضية.

توحد الفلسطينيين فرض معادلة جديدة

بدوره، رأى الدبلوماسي المصري السابق -السفير معصوم مرزوق- أن توحد الجبهات الفلسطينية بالداخل فرض التزامات جديدة على مصر والدول العربية، مضيفا أن "هناك تحفظات مصرية منذ سنوات على حركة حماس وسلوكها، ولكن الموضوع الآن أكبر من حماس، ما يحدث الآن من عدوان إسرائيلي وحد الفلسطينيين داخل وخارج الخط الأخضر، وأصبحوا كتلة واحدة في مقاومة ذلك العدوان".

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد مرزوق أنه لا يمكن لأي نظام عربي أن ينكر هذه الحقيقة وإلا سيضع نفسه أمام تيار شعبي عربي جارف، مضيفا؛ ومما يصلني من تصريحات بعض الأصدقاء في الخارج هناك أيضا تغيرا في الرأي العام الدولي، ولعل هذا يكون هو السبب الأساسي فيما سوف نلمسه من بعض التغيرات في بعض مواقف الحكومات العربية عموما.

وبشأن موجة التطبيع الأخيرة ودورها في تهميش الدور المصري، أكد مرزوق أن حمل مصر القضية الفلسطينية على عاتقها لم يكن اختيارا؛ لأن حقائق الجغرافيا والتاريخ والسياسة جعلت هذا الملف من ملفاتها الحيوية، أما كون أن هناك دولا أخرى حاولت التقدم خلال الفترة الماضية داخل هذا الملف من خلال التطبيع مع إسرائيل؛ فإني لا أظن أن التطبيع يعني دورا أو موقفا، إنما يعني هرولة وتقديما لمكافآت مجانية لإسرائيل بالمخالفة لقرارات الجامعة العربية نفسها، وفق قول مرزوق.

أفعال لا أقوال

وعبر سلسلة من التغريدات، أشاد البرلماني المصري مصطفى بكري -وهو إعلامي قريب من السلطة والدوائر الأمنية- بصمود الفلسطينيين، وقال إنه "أعاد رسم الخريطة في المنطقة كلها من جديد، عندما تمكن من ضرب تل أبيب بالصواريخ".

وكشف بكري عن وجود فرق طبية مصرية "في استقبال أشقائنا الجرحى من فلسطين، وتعليمات رئاسية بتوفير كل سبل العلاج بالمستشفيات المصرية".

لكن السياسي المصري مجدي حمدان -نائب رئيس حزب الجبهة- يقلّل من قوة ونجاعة الرد الرسمي في مصر رغم ما تحمله رسائل وزير الخارجية من تحذيرات ودعوات لوقف العدوان، ويؤكد أنه "لا بد أن نفرق ما بين الموقفين الرسمي والشعبي، وبين الأفعال والأقوال".

وأوضح السياسي المصري -في حديثه للجزيرة نت- أن الموقف الشعبي عبّر عنه الدكتور أحمد عمر هاشم في خطبة الجمعة بجامع الأزهر في القاهرة، أما الموقف الرسمي فتحدده عدة أمور من بينها اتفاقية السلام "كامب ديفيد" التي حجمت دور مصر بشكل كبير.

وبحسب حمدان فإن التغير الحقيقي ليس بإطلاق تصريحات دبلوماسية قوية أو تقديم بعض المساعدات الإنسانية والطبية، ومحاولة احتواء الموقف، إنما يكون باتخاذ ردو فعل قوية مثل طرد السفير الإسرائيلي في القاهرة، أو استدعاء السفير المصري من هناك، ووقف بعض ملفات التعاون الحالية، وربطها بوقف العدوان واستئناف جهود السلام وصولا لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

واعتبر نائب رئيس حزب الجبهة أن التغير الحقيقي يتمثل أيضا في فتح المناخ العام، والسماح للشعب المصري بالتظاهر والتعبير عن رأيه، وإظهار قوة الدعم والمساندة الشعبية للقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لو حدث لأجبر إسرائيل على التراجع ووقف العدوان.

 خطبة رسمية

ولفتت خطبة الجمعة بالجامع الأزهر أمس أنظار الكثيرين؛ وخصوصا عندما دعا الخطيب -وهو عضو بهيئة كبار العلماء في الأزهر وليس بعيدا عن توجهات السلطة- إلى تشكيل "قوة ردع إسلامية في بلاد العرب والإسلام"، ووصف المعتدين على القدس "بالجرذان"، مشددا على أن "ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".

وفاجأ أحمد عمر هاشم الجميع بالقول "يا أيها النظام العالمي سواء الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان، والحكام والرؤساء، قفوا أمام واجبكم. يجب أن تكونوا صفا واحدا لاستخلاص القدس من أيدي جرذان الأرض وردع الذين ظلموا".

وتفاعل البعض مع خطبة الجمعة بالجامع الأزهر، وذهبوا إلى أن مجيئها بهذه القوة والحدة غير المعهودة طوال عهد النظام الحالي هو قرار أمني وسياسي، ومؤشر واضح على تغير الموقف المصري، على حد قولهم.

بينما رأى آخرون أن الواقع يكذب الخيال، وأن الأفعال غير الكلام، وأن ما يجري ما هو إلا مشاهد تمثيلية تجميلية، والهدف منها تهدئة الشارع المصري.

في المقابل، تحدث مغردون حول اتجاه الموقف المصري نحو مصالح القاهرة المتضررة من السياسية الإسرائيلية ودول التطبيع الجديدة.

 

 

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي