في ذكرى تأسيسها الـ73.. شكوك بشأن مستقبل إسرائيل

في الذكرى الـ73 لإقامة إسرائيل يبدو أنه لا مجال لحل أزمتها التاريخية بسبب عدم التوافق بين مكوناتها السياسية والحزبية، وقد خاض قادتها "مواجهة صفرية" وباتوا يشنون "حرب إبادة" سياسية على بعضهم.

تظاهرات قبالة المحكمة بالقدس تطالب برحيل نتنياهو
الإسرائيليون أكثر انقساما من أي وقت مضى وعجزوا عن تحقيق توافق بين مكوناتهم السياسية (الجزيرة)

عرضت محافل إسرائيلية عددا من نقاط الضعف التي تعانيها إسرائيل في ذكرى تأسيسها الـ73، بسبب تراجع تماسكها الداخلي، وأزماتها السياسية المستحكمة، وتزعزع نظامها السياسي، وحالة التشظي والانقسامات التي تعانيها، فضلا عن التهديدات الخارجية عليها، وامتلاك أعدائها مقدرات عسكرية خطيرة، بجانب تدهور صورتها بوصفها دولة فصل عنصري (أبارتهايد)، وتراجع العلاقة مع الحليف الأميركي.

  • كيف شكلت الأزمة السياسية نقطة الضعف الأساسية في إسرائيل؟

منذ 7 عقود متواصلة لم تشهد إسرائيل مثل هذه الأزمة المتفاقمة التي وصفها بعضهم بقوله إن "إسرائيل تنهار أمام أعيننا، والحكومة لا تعرف كيف تدير الأزمة، والثورة الداخلية مسألة وقت فقط، ولعل إخفاق حرب 1973 قبل 48 عاما يعود بذاته اليوم، صحيح أن الغباء ساد إسرائيل حينئذ، دون أن يكون هناك فساد حكومي، لكن قاسمهما المشترك أن إسرائيل على شفا كارثة".

ومع أن تمرد الإسرائيليين على حكومتهم الفاسدة والفوضوية -يضيف هؤلاء- ليس سوى مسألة وقت، لأنه ليس لها إستراتيجية، ولم يعد لديها سوى تفكيك الجمهور الإسرائيلي إلى أشلاء، فالمنظومة الحكومية تتآكل، والإسرائيليون أكثر انقساما من أي وقت مضى، ويمزقهم القلق الذي يلفّهم على مستقبلهم، لأن الطريق الذي يسيرون فيه قد يؤدي إلى كارثة، والحرب الأهلية قد تفتك بهم.

ومما زاد قلق الإسرائيليين على مستقبل دولتهم أن ساستهم "يحرقون النادي على ساكنيه"، وباتوا بحاجة إلى مزيد من الماء البارد، ومطافئ الحريق، لمنع اندلاعه، لأن أيًّا منهم لم يتخلّ عن "الأنا" مرارا وتكرارا.

Protests erupt in Israel over Israeli police shooting of unarmed Ethiopian teen- - TEL AVIV, ISRAEL - JULY 02: Protesters of the Ethiopian community of Israel burn tires and properties to establish a barricade and close divided roads during a protest against the killing of Solomon Tekah, a young man of Ethiopian origin, who was killed by an off-duty police officer, near Azrieli Tower in Tel Aviv, Israel on July 02, 2019. Solomon Teka,19, was buried on July 2, after he w
احتجاجات اليهود الإثيوبيين على العنصرية عام 2019 (الأناضول)
  • هل يقترب الإسرائيليون من الحرب الأهلية؟

في الذكرى الـ73 لإقامة إسرائيل يبدو أنه لا مجال لحلّ أزمتها التاريخية، لأن مصدرها انعدام التوافق بين مكوناتها السياسية والحزبية، على نحو يجعل مؤسساتها الحاكمة بحاجة إلى تغييرات هيكلية، بعد أن خاض قادتها "مواجهة صفرية"، وباتوا يشنّون "حرب إبادة" سياسية على بعضهم.

وتسببت المشكلات العميقة خلال الحملات الانتخابية الأخيرة في إيصال الإسرائيليين إلى شفا حرب أهلية، لأن أزماتهم لم تقتصر فقط على اليسار واليمين، بل أضحت مقسمة بين معسكرات تمثل مختلف الهياكل الاجتماعية، وتمثلت بزيادة الاستقطاب بينها، وأثبتت الاحتجاجات الأخيرة أن إسرائيل "محاصرة في جسد مريض".

وزادت التحذيرات الإسرائيلية من نشوب حرب أهلية في إسرائيل، بفعل تعاظم الكراهية المتناهية بين المعسكرات السياسية والحزبية، نتيجة التشويش الحادث في المنظومة السياسية والحكومية، والانسداد القائم دون أفق وشيك، الذي يهدد إسرائيل بأزمة جديدة نابعة من التمترس الحزبي، وهذا الانفجار الإسرائيلي الداخلي قد يقع بسبب حالة الغضب والإحباط بين المتنافسين التي تفقدهم أي مستوى من الثقة وهو وضع يكاد يغشى نصف الجمهور الإسرائيلي تجاه الدولة، أو بسبب حالة التطرف التي تحيط بالحلبة السياسية والحزبية.

ومع تزايد مستوى العداء بين المعسكرات الإسرائيلية أصبحت الأوضاع مهيأة لانفجار "العبوات الناسفة" الاجتماعية، ولئن كانت الحالة الأقل سوءا كفيلة بإحداث الفوضى، فإن الحالة الأسوأ تتمثل باندلاع حرب أهلية.

هذا المشهد المرعب بدأ عمليًا بالمظاهرات السياسية للقوى السياسية الإسرائيلية، ولم يمض وقت طويل حتى خرج مؤيدوها إلى الشوارع، واشتبكوا مع خصومهم، وشهدت المواجهات عنفا ميدانيا كبيرا تطور إلى اشتباكات بالأيدي أنذر بتطور المواجهات مستقبلا إلى استخدام السلاحين الناري والأبيض.

لقد بات الطريق إلى اندلاع حرب أهلية بين الإسرائيليين أقصر مما يتصور الإسرائيليون أنفسهم، وكل من يشكك بهذه الفرضية المرعبة سيفاجأ بتحققها عما قريب على أرض الواقع، في استعادة لاغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الراحل عام 1995، وبعد مرور أكثر من ربع قرن يجدون أنفسهم أمام بداية لمرحلة صراعات داخلية ومقايضة ورشوة مباشرة، ومكايد لا تنتهي.

مظاهرات واحتجاجات لليهود الحريديم في حي "مائة شعاريم"، بالقدس" رفضا لقانون التجنيد (تصوير الشرطة الإسرائيلية)
مظاهرات واحتجاجات لليهود الحريديم رفضا لقانون التجنيد الجزيرة)
  • ما تأثير تنامي القوى المعادية في تراجع الثقة بمستقبل إسرائيل؟

تتهيأ المنظومة الدفاعية الإسرائيلية لما تصفه بـ"سيناريو متطرف" تكون فيه إسرائيل عرضة لأضرار جسيمة بالمدن الرئيسة والمواقع الإستراتيجية باستخدام صواريخ دقيقة، ويجعل ذلك الجبهة الداخلية نقطة ضعف، إذ لا يوجد استثمار كاف للتحضير لمثل هذا الحدث.

وتتمثل هذه التحذيرات بهجوم صاروخي قد يعطل أنظمة الدفاع الإسرائيلية، وهو مشهد صعب جدا قد يلحق أضرارا واسعة بجبهتها الداخلية، وأصبح يحتل مرتبة عالية في خريطة التهديدات المحدثة على إسرائيل. صحيح أن التهديد النووي قد يكون أكثر خطورة عليها لكن التهديد الفوري هو حرب قد تندلع في الجبهات الشمالية والجنوبية والشرقية، حيث تتمركز القوى المعادية لإسرائيل، من دول ومنظمات.

والنتيجة أن إسرائيل تواجه ترسانة كاملة من الأسلحة الموجهة إليها، بما فيها الصواريخ الباليستية وكروز، وقاذفات هجومية وقذائف هاون، والأهداف المفضلة لمهاجمتها هي قائمة طويلة من بنك الأهداف للمواقع الإستراتيجية، ومن أهمها: بطاريات الدفاع الجوي، مصافي حيفا، محطات الطاقة ومنشآت التحلية، مستودعات المواد السامة والغاز، البنية التحتية، القوات البحرية والجوية، المطارات والموانئ وقواعد الجيش، وإذا أطلقت تلك القوى وابلا كبيرا من مئات الصواريخ فستكون إسرائيل أمام هجوم غير معقول.

كبار الجنرالات يعرّفون إسرائيل بأنها "الدولة الأكثر تهديدًا في العالم"، وتستهدفها مئات آلاف الصواريخ من مختلف الجبهات، وذلك يكشف عن الضعف الحاسم في قدرة الدولة على التعامل مع أنظمة القتال الطويلة.

  • أين غابت صورة الانتصارات الإسرائيلية في الحروب القتالية؟

ويواجه الإسرائيليون مشكلة في العثور على "صورة النصر" التي افتقدوها منذ حرب 1967، وذلك يشكل مصدر إحباط لهم إلى درجة الفشل، لأن البحث عن صورة لأي انتصار إسرائيلي في هذه المرحلة يبدو مخادعًا.

وهذه الصعوبة أمام إسرائيل تزداد أكثر مع مرور الوقت لأن جيشها في الحروب الماضية قاتل الجيوش العربية بعيدا عن المراكز السكانية، لكن الوضع اختلف اليوم، فالحروب تشنّ من داخل المناطق السكنية، وفي قلب الجبهة الداخلية الإسرائيلية ذاتها.

وفي هذا الواقع العسكري المعقد يصبح مفهوم "النصر" الإسرائيلي بعيد المنال، ومثيرًا للجدل، فلم يعد هناك عدو يعلن استسلامه أمامها، ويرفع الراية البيضاء، ولأن الأداء العسكري الإسرائيلي بات محبطا، وربما أصبح محكوما عليه بالفشل، وفي الحملات العسكرية القادمة لن تكون هناك انتصارات إسرائيلية سهلة، بل سيكون أداء الجيش متواضعا، ويكتفي بإنجازات تحقق أقل من صورة انتصار.

  • لماذا خسرت إسرائيل حليفها الأميركي؟

ارتبطت إسرائيل منذ سنوات تأسيسها بالولايات المتحدة لكنها في العقدين الأخيرين باتت تشهد ابتعادا تدريجيا عنها، باستثناء حقبة ترامب التي لم تستمر طويلا، إذ شهدت عددا من الأحداث الداخلية والخارجية، أدّت في مجموعها إلى ابتعادهما عن بعضهما بعضا، وهذا يطرح مخاوف إسرائيلية إزاء فقدانها حليفها الإستراتيجي.

ويعتقد الإسرائيليون أن الولايات المتحدة ليست فقط أهم حليف لهم، بل الحليف الذي من دون دعمه سيبدون في وضع مختلف، وفتح قدوم جو بايدن الباب أمام تدهور في علاقات أميركا بإسرائيل ينذر بالخطر، بعد أن دخلتا في مواجهة ثنائية متعددة الأسباب، لعل أهمها أن "الحمض النووي" للحزب الديمقراطي أصبح معاديًا لوجود إسرائيل.

وفي الوقت ذاته، فإن إحدى المشكلات التي تواجه إسرائيل هي تراجع علاقتها باليهود الأميركيين، وهم عمقها المالي والسياسي هناك، إذ تنامت شكوكهم بشأن استمرار وجودها، ولم يعودوا يفهمون خطورة التهديدات القائمة عليها، وتمثل الأمر بتراجع التبرعات التي تجمع منهم لمصلحة الجيش الإسرائيلي من 58 ألف متبرع في 2014 إلى 22 ألفا فقط في 2020.

صورة نشرتها يديعوت أحرنوت لنشطاء حركة المقاطعة يرفعون شعارات مؤيدة للقضية الفلسطينية أثناء إلقاء سفير إسرائيل بالأمم المتحدة محاضرة
مظاهرة لأنصار حركة المقاطعة العالمية (الصحافة الإسرائيلية)
  • كيف ساهمت حركة المقاطعة في محاصرة إسرائيل؟

ترى المحافل الإسرائيلية أن حركة المقاطعة العالمية (BDS) أحد مصادر التشكيك بمستقبل الدولة، لأنها تشبه أحد أشكال "الحرب الصامتة"، ودفعت عددا من المحافل البحثية والسياسية الإسرائيلية إلى اتهامها بتشويه سمعة إسرائيل وصورتها في العالم، وبث الكراهية نحوها، وتراجع ثقة الإسرائيليين بها.

ويبدي الإسرائيليون خشية أكبر من الحركة لأنها أصبحت تحوز رضا وتأييد قطاعات واسعة من الأكاديميين الغربيين الذين يتبرعون لها بالأموال، وذلك منح نشاطها انتشارا متزايدا بين أوساط أيدت إسرائيل إلى وقت قريب، رغم تشكيكها بحق إسرائيل في الوجود، وفعالياتها تلقى أصداء واسعة، وشكلت إحراجا لإسرائيل في مناسبات عدة، لأنها تصفها بـ"دولة فصل عنصري".

 

المصدر : الجزيرة