بعد فشله في تشكيل الحكومة وهزيمته بالقدس والأقصى.. ماذا يريد نتنياهو من غزة؟

حلقات فشل حاصرت نتنياهو، من فشل تشكيل الحكومة أو فرض قراره بقضية حي الشيخ جراح إلى الوضع داخل المسجد الأقصى، دفعته للهروب باتجاه فتح جبهة حرب مع غزة لكي يلتف المجتمع الإسرائيلي حوله في حالة الطوارئ المفتعلة.

نتنياهو يهرب من أزماته المتراكمة بالتصعيد مع غزة
نتنياهو يصعّد مع غزة ليهرب من أزماته المتراكمة (رويترز)

اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التصعيد ضد الفلسطينيين بالقدس والأقصى والحرب على قطاع غزة، لتصدير أزماته الداخلية التي يمكن تلخيصها في محاكمته بتهم فساد، وفشله بمهمة تشكيل الحكومة، وسعيا منه لإحباط محاولات "كتلة التغيير"، برئاسة يائير لبيد، تشكيل حكومة والإطاحة به.

ووسط تعقيدات مفاوضات تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، وتعقيدات المباحثات التي وصلت طريق مسدود، بسبب تعنت تحالف "الصهيونية الدينية" الرافض لتشكيل أي حكومة صهيونية إسرائيلية بدعم عربي ولو حتى من الخارج، افتعل نتنياهو أزمة باب العامود بالقدس القديمة، في محاولة منه للتقليل من تداعيات أزمة الحكم على مستقبله السياسي.

وربط محللون وسياسيون بين فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة والتصعيد بالقدس والأقصى وحي الشيخ جراح، ومحاولته افتعال حالة طوارئ تمكنه من البقاء على كرسي رئاسة الوزراء فترة أطول، وإحباط المعسكر المناوئ له من تشكيل أي حكومة بديلة، والسعي لاستغلال الوقت للذهاب إلى انتخابات خامسة.

ومع تواصل المأزق السياسي، وتجدد الاستماع لإفادات شهود الإثبات في ملفات الفساد، وانتهاء مهلة التكليف دون نجاح نتنياهو في تشكيل حكومة، صعد رئيس الحكومة الانتقالية من المعركة بالقدس، بعد أن تراجعت شرطة الاحتلال وقدمت تنازلات في باب العامود وأزالت الحواجز الحديدية بعد 12 يوما من المواجهات.

وفي محاولة منه لاستمالة اليمين المتطرف لجانبه، ونزع الشرعية عن أي حكومة بديلة تعتمد على دعم القوائم العربية، قام نتنياهو بتحريك ملفات إجلاء 8 عائلات من الشيخ جراح لإقامة حي استيطاني، ودفع باقتحامات غير مسبوقة لقوات الاحتلال لساحات الأقصى تمهيدا لاقتحامات جماعية للمستوطنين للمسجد الشريف ومسيرة "اليمين والأعلام" بمناسبة ما يسمى يوم "توحيد القدس".

ومع تقدم مفاوضات "كتلة التغيير" وبوادر تشكيل حكومة بديلة تعتمد على شراكة بين أحزاب اليمين والمركز واليسار الصهيوني، يجمع المحللون على أن نتنياهو وجد نفسه في مأزق حقيقي، من شأنه أن يكلفه مستقبله وينهي مسيرته السياسية في قفص الاتهام.

وفي ظل الانتكاس، والتنازلات في باب العامود، والتراجع المؤقت عن إجلاء أصحاب الأرض من العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح، بقرار من المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، قرع نتنياهو طبول الحرب على غزة، لتكون ورقة رهان لضمان الاصطفاف حول حكومته الانتقالية والمعيق لتشكيل حكومة بديلة بدعم من الأحزاب العربية.

تصعيد وتنازلات

ويعتقد آدم كلير المتحدث باسم "كتلة السلام الآن" أن "هناك ثمة علاقة ما بين أزمات نتنياهو بالمحاكم وتشكيل الحكومة والتصعيد مع الفلسطينيين" لافتا إلى أنه كلما اشتدت الظروف على نتنياهو وتضاءلت فرصه للبقاء في رئاسة الوزراء اختار تصدير هذه الأزمات مع الفلسطينيين بالقدس والأقصى والشيخ جراح، وهو مستعد أن يشعل حربا شريطة ألا تشكل حكومة بديلة وألا تتم الإطاحة به.

وفي حديثه للجزيرة نت يؤكد كلير أن نتنياهو افتعل الأحداث والتصعيد بالقدس والضفة وحتى إشعال حرب على غزة واعتداءات على (الفلسطينيين) المواطنين العرب بالداخل من أجل مصلحته الشخصية، بعد أن تراجعت فرصه لتشكيل الحكومة. وفي المقابل ذهبت أحزاب "كتلة التغيير" من مختلف المعسكرات والتيارات السياسية نحو تفاهمات متينة لتشكيل حكومة بالتناوب بين لبيد ونفتالي بينيت.

ويوضح المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" أن نتنياهو اعتمد العامين الماضيين سياسة الأرض المحروقة بالمشهد السياسي حيث "عمد إلى تعميق الشرخ بين العرب واليهود، وتمادى بالتحريض على العرب لضمان بقائه في رئاسة حزب الليكود ورئاسة الوزراء" وكان يحرض ويشيطن كل من ينتقده أو يشكل أي خطرا عليه، حتى داخل معسكر اليمين.

ويضيف أن نتنياهو دائما "يفتعل حروبا أو حملات عسكرية تصب في صميم الأمن القومي، وذلك في سبيل إنشاء حالة من الخوف والهلع بين الإسرائيليين، وفي هذه المرحلة ومع فشله بتشكيل حكومة، واحتمال نجاح المعسكر المناوئ في الإطاحة به وتشكيل حكومة بديلة، يتجه للحرب على غزة بعد فشله بالتصعيد بالقدس والأقصى، وليس من المستبعد إذا فشل قبالة غزة أن يلوح مجددا بفزاعة النووي الإيراني".

أزمات وتعقيدات

من جانبه، يقول المحلل السياسي عكيفا إلدار "الأحداث التي افتعلها نتنياهو بالقدس التي أتت في أوج تعقيدات المشهد الانتخابي، والتفاوض لتشكيل الحكومة بين الأحزاب اليهودية والمعسكرات السياسية، كان واضحا أنها من الممكن أن تنعكس على المأزق السياسي وأزمة تشكيل الحكومة، وذلك بعد فشل نتنياهو بتوظيف أحداث القدس والأقصى لمصلحته الشخصية".

ويوضح للجزيرة نت أن مشاهد اقتحام أفراد الشرطة لساحات الحرم، والدوس بأقدامهم على سجاد الصلاة وإلقاء القنابل الصوتية، سيكون لها تأثير أسوأ على صورة الوضع ومكانة إسرائيل عالميا. علما بأن ذلك لم يحقق لنتنياهو أهدافه، وعليه وظف التصعيد بمشاهد الاقتحامات المتكررة للأقصى والاعتداء على المصلين في حالة غير مسبوقة، وذلك سعيا منه لخلط الأوراق ومنع تقدم مفاوضات تشكيل حكومة بديلة والدفع نحو جر إسرائيل لانتخابات خامسة.

ويعتقد المحلل السياسي أن نتنياهو، الذي يواجه تحديات ويعيش حالة إرباك سياسي، لم يتردد بإيجاد حالة طوارئ والعبث بالأمن القومي من أجل ضمان بقائه على الكرسي واصطفاف الأحزاب والرأي العام من حوله بذريعة المخاطر الأمنية المحدقة، وترحيل ملفات مفاوضات تشكيل الحكومة وإحباط أي محاولة للإطاحة به "خصوصا وأن الأحداث بالقدس أحدثت ردة عكسية بتقديم الحكومة التنازلات للمحتجين في باب العمود والأقصى والتراجع المؤقت عن الإخلاء بالشيخ جراح".

ويرى إلدار أن نتنياهو، وبعد أن أظهر أن إسرائيل ليست صاحبة السيادة الكاملة على القدس وعلى الأقصى، اختار الحرب على غزة لتحقيق بعض المكاسب السياسية، وإن كانت مؤقتة وأهمها منع لبيد وبينيت من تشكيل حكومة بديلة تعتمد على القائمة المشتركة والقائمة الموحدة، ونزع الشرعية عن أي حكومة من هذا القبيل.

المصدر : الجزيرة