أين ذهبت تظاهرات المصريين لنصرة فلسطين.. وطأة القمع أم تراجع الاهتمام؟

مظاهرة من أجل القدس نظمها محامو مصر عام 2017 (رويترز-أرشيف)

على مدى عقود، كانت مصر بحكم مكانها ومكانتها في مقدمة الدول العربية والإسلامية التي تتفاعل مع ما يجري في الأراضي الفلسطينية، خاصة القدس حيث المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

ويتذكر المصريون كيف كانت الجامعات والنقابات، بل والمدارس أحيانا، في القاهرة والمدن الرئيسية تشتعل بمظاهرات الغضب كلما حدث اعتداء من جانب الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، لا سيما لو كانت الساحة هي القدس.

لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا كبيرا في تظاهرات المصريين المؤيدة للفلسطينيين في مواجهة بطش الاحتلال الإسرائيلي، وكانت آخر مظاهرة جرت على استحياء عام 2017 على سلالم نقابة الصحفيين اعتراضا على نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، وانتهت باعتقال عدد من النشطاء والصحفيين، وطلاب بعض الجامعات الذين شاركوا في مظاهرات مماثلة.

وجاءت المواجهات التي اندلعت بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي تحاول تهجير عائلات من حي الشيخ جراح من منازلهم وتسليمها لمستوطنين إسرائيليين، واقتحام المسجد الأقصى؛ لتدلل على اختفاء أي مظاهرة أو دعوة واحدة للتظاهر تضامنا مع أهل القدس.

 

فما أسباب توقف المصريين عن نصرة فلسطين بالتظاهر.. هل هو تراجع اهتمام المصريين بالقضية الفلسطينية؟ أو هو القمع الشديد للمظاهرات بكل أنواعها بوصفها سياسة ينتهجها النظام الحالي؟

الناشط السياسي محمد الكاشف بدأ حديثه للجزيرة نت بتذكر كيف كانت جامعات ومدارس مصر وشوارعها تمتلئ بالتظاهرات مع كل اعتداء يحدث على الفلسطينيين، وكيف كانت ملصقات دعم القدس تغطي جدران المؤسسات والمباني.

ويرجع الكاشف اختفاء المظاهرات والفعاليات المؤيدة لفلسطين والقدس إلى الفارق الشاسع في تعامل الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين الآن مقارنة بفترة الرئيس الراحل حسني مبارك؛ ففي عهده كان المقبوض عليهم لا يكملون أياما معدودة في الاحتجاز، ثم يُفرج عنهم بعد محاضرة من ضابط أمن الدولة حول ضرورة مراعاة ظروف البلد، وضرورة عدم اللجوء للعنف أو الاعتداء على المنشآت.

وكنا نشعر -حسب الكاشف- بأن الضباط في قرارة أنفسهم يكنون لنا احتراما ولا يكرهوننا، وذلك على النقيض تماما مما يحدث الآن؛ فعندما نظم النشطاء وقفة عام 2017 عقب نقل سفارة الولايات المتحدة لدى إسرائيل إلى القدس على سلم نقابة الصحفيين شعر من قُبض عليهم وقتها بأن الضباط يرونهم أعداء للوطن، وهناك من ظل في الحبس الاحتياطي نحو عامين.

هوان في العيون

في حين يرى المحلل السياسي علاء فاروق أن تراجع الاهتمام الإعلامي بالقضية الفلسطينية بشكل عام كان له كبير الأثر في تفاعل المصريين مع ما يحدث في القدس، سواء على مستوى النخب والمثقفين أو النشطاء وحتى على المستوى الشعبي.

وأشار فاروق -في حواره مع الجزيرة نت- إلى أن الصراعات الداخلية والقمع الدموي للمعارضين خاصة الذي شهده المصريون بعد 30 يوليو/تموز 2013، ومناظر الدم الكثيرة؛ هونت في عيونهم ما يحدث في فلسطين؛ فقد شاهدوا الأجهزة الأمنية المصرية -بل والعربية- تتعامل مع مواطنيها بقسوة تفوق ما يرونه من جنود الاحتلال الإسرائيلي.

خصومة تغير البوصلة

كما أن تحوّل كثير من وسائل الإعلام إلى خصم للفلسطينيين، خاصة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي يرى فيها معظم ممولي القنوات الإعلامية من إماراتيين وسعوديين أنها عدو تابع لجماعة الإخوان المسلمين و"شيطنتها" من قبل تلك القنوات؛ أسهم كذلك في تغيير بوصلة من تأثر بتلك القنوات بعيدا عن القضية الفلسطينية، وحصر الأعداء في دول شقيقة بدل إسرائيل؛ حسب كلام فاروق.

في المقابل، فإن الصحفي والناشط محمد صالح يعزو تراجع اهتمام المصريين بالقضية الفلسطينية إلى ضغوط الحياة التي تحاصر المصريين، حيث إن معظمهم لم يعد راتبه يكفي بعد تحرير سعر صرف الجنيه، والزيادات المتلاحقة والكبيرة في أسعار السلع الأساسية وفواتير الغاز والكهرباء والمياه التي أصبحت تلتهم دخولهم، فلجأ بعضهم لأعمال إضافية تقتل ما تبقى له من وقت.

وأضاف صالح للجزيرة نت أن هناك جزءا كبيرا من المصريين أصبح يرى أنه ليست لديهم رفاهية المشاركة في مظاهرة أو وأي نوع من أنواع الاحتجاج فيقبض عليهم ويغيبون عن أعمالهم، وربما يفصلون منها.

لكنه يؤكد أن التراجع عن المشاركة في الفعاليات الداعمة لفلسطين لا يعني أن الموضوع انتهى تماما؛ مدللا على ذلك بالتفاعل الكبير مع الوسوم الداعمة للقدس وفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، والحسرة التي تنضح من تغريدات البعض على عدم قدرتهم على الإعلان عن تضامنهم بنشر صور لجدار كتب عليه "آسفين يا فلسطين.. احنا كمان محتلين".

دعم كبير على مواقع التواصل

ويبدو أن كثيرا من النشطاء المصريين والعرب حاولوا تعويض غياب الشارع العربي عن دعم الفلسطينيين عبر التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، وإطلاق وسوم تدين ما يحدث في القدس، وكان أبرزها وسم "صمت العالم"، حيث يؤكد المغردون عليه أنه في ظل صمت العالم عن جرائم إسرائيل سيرسلون أصوات الفلسطينيين إلى كل العالم.

وفي المقابل، ظهرت بعض التغريدات التي تؤكد تراجع الاهتمام بالقضية، وإلقاء اللوم على الفلسطينيين، مؤكدين أن لكل وطن قضاياه، ولا وقت للتعاطف مع قضايا الآخرين، على حد قولهم.

 

 

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي