الرئيس الإسرائيلي يبدأ مشاورات تشكيل الحكومة ونتنياهو في قفص الاتهام

تعقيدات وتناقضات وصراعات بين القيادات الحزبية الإسرائيلية حتى في معسكر اليمين، وخلافات بشأن هوية الشخص الذي سيتم التوصية عليه أو تكليفه من قبل الرئيس الإسرائيلي لتشكيل الحكومة.

نتنياهو (يسار) ولابيد يتنافسان على تشكيل الحكومة الإسرائيلية دون حسم (الجزيرة)

بدا مشهد توصية الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين على أي عضو كنيست لتكليفه مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، أكثر تعقيدا وضبابية من نتائج انتخابات الكنيست الـ24 التي عمقت من أزمة تشكيل الحكومة، وعكست أزمة الحكم بإسرائيل، والخلافات على هوية من يقود معسكر اليمين بدلا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يحاكم بملفات فساد.

وفي الوقت الذي باشر فيه ريفلين صباح اليوم الاثنين، مشاورات الأحزاب بشأن التوصية وتكليف أي عضو كنيست مهمة تشكيل الائتلاف الحكومي، مثل نتنياهو على كرسي المتهمين بالمحكمة المركزية في القدس، حيث تعقد أولى جلسات مرحلة الإثباتات في محاكمته بتهم فساد، وخيانة الأمانة، والرشوة والاحتيال.

وفي ظل المحاكمة، يجد نتنياهو، الذي يحظى بدعم 52 من أعضاء الكنيست، نفسه في دوامة وتحديات داخل معسكر اليمين، ومأزق حتى داخل حزب الليكود بعد أن فشل بمهمة تشكيل حكومة مستقرة للمرة الرابعة، حيث تشير التقديرات إلى عدم وجود معسكر لديه أغلبية تنافس 3 مرشحين للتكليف بتشكيل الحكومة المقبلة، هم نتنياهو ورئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد، ورئيس حزب "يمينا" نفتالي بينيت، بحيث يبقى نتنياهو الأكبر حظا لتشكيل الحكومة.

ووسط هذه التقديرات ورغم حظوظ نتنياهو، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بوجود مشاورات بالليكود تطلب من نتنياهو التنحي عن رئاسة الوزراء وانتخابه لمنصب رئيس الدولة في يوليو/تموز المقبل، مما يعني تحصين نتنياهو وتجميد إجراءات محاكمته خلال ولايته برئاسة الدولة لمدة 7 سنوات.

وفي المقابل، يواجه المعسكر المناوئ لنتنياهو بقيادة لبيد، الذي أبدى استعداده لتشكيل حكومة بدعم من القائمة المشتركة والقائمة الموحدة العربيتين، التحديات ذاتها التي تعكس التناقضات والمواقف المبهمة داخل المعسكر من قبل حزب "يمينا"، برئاسة بينيت الذي يناور للتناوب مع لبيد على رئاسة الوزراء.

بيد أن بينيت الذي يعارض أي دعم عربي للحكومة المقبلة، يغازل في الوقت ذاته حزب الليكود ولا يستبعد دعم نتنياهو في تشكيل الحكومة المقبلة التي ستعتمد على 59 من أعضاء الكنيست، علما أن نتنياهو يراهن على سيناريو تشكيل حكومة يمين ضيقة بدعم من نواب القائمة الموحدة.

لكن يبدو أن سيناريو كهذا يواجه المزيد من التحديات داخل معسكر نتنياهو، حين جدد رئيس قائمة تيار اليمين "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، مساء الأحد، موقفه حزبه المعارض لأي حكومة بدعم عربي، مؤكدا أنه لن يشارك في حكومة تعتمد على دعم القائمة العربية الموحدة، برئاسة منصور عباس.

القائمة المشتركة ترفض التوصية على نتنياهو بينما بقي موقف القائمة الموحدة ضبابيا حتى الآن (الجزيرة)

ورفض رئيس "أمل جديد" جدعون ساعر، المنشق عن الليكود، الانضمام لحكومة برئاسة نتنياهو، بينما حزب "أزرق-أبيض"، برئاسة بيني غانتس، الذي لم يحسم موقفه من التوصية، وصف تشكيل حكومة برئاسة نتنياهو بتحالف مع اليمين المتطرف بـ"الكارثة" بحال لم يكن فيها "توازن"، وذلك في إشارة منه لاحتمال انضمامه إلى حكومة نتنياهو المقبلة لخلق حالة "التوازن" وتجنب التوجه لانتخابات خامسة.

تناقضات وصراعات باليمين

وسط هذه التعقيدات والتناقضات والصراعات بين القيادات الحزبية الإسرائيلية حتى في معسكر اليمين والخلافات بشأن هوية الشخص الذي سيتم التوصية عليه أو تكليفه من قبل الرئيس الإسرائيلي لتشكيل الحكومة، يؤكد القيادي في القائمة المشتركة وسكرتير عام الجبهة الديمقراطية، منصور دهامشة، أن "الموقف المبدئي لرئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، اشتراط حصول المعسكر المناوئ لنتنياهو على أغلبية لدى الأحزاب اليهودية كشرط لإمكانية بحث توصية المشتركة على لبيد لتشكيل الحكومة".

وأكد دهامشة -للجزيرة نت- أن موقف الجبهة وشركائها بالقائمة المشتركة من قضية التوصية أتى في ظل التناقضات التي يشهدها المعسكر المناوئ لنتنياهو، والتحفظات التي يبديها سواء بينيت أو ساعر لفكرة تشكيل حكومة بديلة لنتنياهو تعتمد على أصوات النواب العرب ولو حتى من خارج الائتلاف الحكومي، وعليه أصدرت الجبهة الموقف، بحيث يجب أولا أن تحسم الأحزاب اليهودية موقفها من فكرة دعم العرب لأي حكومة تسعى للتغيير بالحكم والإطاحة بنتنياهو.

وأوضح القيادي في القائمة المشتركة أنه بعد أن تحسم الأحزاب في معسكر التغيير موقفها من قضية الشراكة مع القائمة المشتركة والجبهة كقوة سياسية مؤثرة بالمجتمع العربي بالداخل، عندها يمكن التفاوض، علما أن بينيت يشترط بأن يكون أولا بالتناوب على رئاسة الحكومة البديلة لنتنياهو، وبالتالي، فإن موقف المشتركة واضح، وهو رفض التوصية على معسكر التغيير الذي قد يقوده بينيت، الذي لا يقل تطرفا عن نتنياهو بمواقفه تجاه الجماهير العربية والقضية الفلسطينية.

وأشار دهامشة إلى أن الجبهة تتعامل مع ملف التوصية وسيناريوهات تشكيل الحكومة من منطلق الثوابت والمواقف السياسية وليس من منظور مقايضة المواقف السياسية بالحقوق.

مطالب وشروط المشتركة

وشدد على أن المشاركة بالانتخابات الإسرائيلية والذهاب إلى الكنيست يأتي من أجل تحقيق الإنجازات والمطالب المدنية ومعالجة القضايا الحارقة للمجتمع العربي الفلسطيني بالداخل، وهي القضايا والملفات المرتبطة بالقضية السياسية الأساس، وهي إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام بالحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، بحيث لا يمكن أن تتحقق المساواة لفلسطينيي 48 دون إقامة دولة فلسطينية.

ساعر -المنشق عن الليكود- يعارض بشدة الدخول لحكومة برئاسة نتنياهو (الجزيرة)

وعن المطالب التي تطرحها القائمة المشتركة والأحزاب العربية كشرط للتفاوض والتوصية لتشكيل حكومة بديلة لنتنياهو، تحدث دهامشة بالقول "هناك الكثير من الملفات والقضايا الحارقة، ولعل أبرزها إلغاء قانون القومية، وقانون كمينتس الذي يسرع هدم المنازل العربية ويعيق توسيع مسطحات النفوذ والبناء للبلدات العربية، والأهم آفة العنف والجريمة، فهذه مطالب وقضايا وحدوية لكافة الجماهير العربية وليست ذات طابع فردي، وبالتالي بحال تم التجاوب مع هذه المطالب ندرس إمكانية التوصية أو دعم حكومة بديلة لنتنياهو".

وحيال سيناريوهات تشكيل الحكومة والشخصية الأوفر حظا لتشكيل الحكومة المقبلة وتجنب انتخابات خامسة، قال القيادي في القائمة المشتركة "كما يبدو ما زال نتنياهو صاحب الحظ الأكبر لتشكيل الحكومة كونه يحظى بدعم أكبر عدد من أعضاء الكنيست، لكن في ظل التناقضات والصراعات المعقدة داخل أحزاب اليمين التي كانت تقليديا داعمة لنتنياهو لا يمكن القول إن الانتخابات الخامسة بعيدة، حتى لو تمكن نتنياهو من تشكيل حكومة ضيقة، حيث إن حكومة من هذا القبيل لن تصمد طويلا والذهاب مجددا إلى صناديق الاقتراع مجرد مسألة وقت".

 ضبابية بموقف الموحدة

وفي الجانب الآخر، اكتفت القائمة العربية الموحدة برئاسة الدكتور منصور عباس، ببيان مقتضب أكدت من خلاله أنه "حتى هذه اللحظة لا يوجد قرار بشأن التوصية"، فيما اختارت الامتناع عن الرد على رسالة الجزيرة نت التي وجهت خطيا إلى القيادي بالموحدة رئيس المكتب السياسي في الحركة الإسلامية، إبراهيم حجازي.

ويأتي هذا الموقف للقائمة الموحدة الممثلة بـ4 نواب في الكنيست بعد أن امتنع رئيسها عباس الكشف عن هوية عضو الكنيست الذي يعتزم نواب الموحدة توصية الرئيس الإسرائيلي به، بتكليفه في مهمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، وكرر موقفه بأن "القائمة الموحدة ليست في جيب معسكر اليمين أو جيب معسكر اليسار الصهيوني".

التجمع يرفض التوصية

وفي المقابل، بدا موقف التجمع الوطني الديمقراطي الممثل بنائب واحد فقط بالكنيست، أكثر وضوحا وحاسما، حيث أعلن في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة عنه رفض الحزب التوصية على أيّ مرشح لتشكيل حكومة جديدة.

ودعا التجمع الذي يمثله بالكنيست النائب سامي أبو شحادة "بقية مركبات المشتركة والأحزاب العربية إلى الامتناع عن التوصية، خاصةً أن كافة المرشحين يتنكرون للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويدعمون استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس واستهداف المسجد الأقصى وكل المقدسات".

وأضاف الحزب في بيانه أنه يرى "نفسه خارج ميزان اليمين واليسار الإسرائيلي، كما نرفض زجنا داخل معسكرات يمين ويسار إسرائيلي، وأنه بالإمكان تمثيل جميع شرائح شعبنا وانتزاع حقوقنا أمام أي حكومة تتشكل، عبر تمسكنا بالهوية القومية والمواطنة الكاملة".

المصدر : الجزيرة