بين الدبلوماسية والعسكرية.. إيران تحقق في تسريب تسجيل لظريف ينتقد فيه قاسم سليماني

Iranian Foreign Minister Javad Zarif visits Iraq
جواد ظريف زار أمس العراق وأشاد بدور الراحل قاسم سليماني في مواجهة تنظيم الدولة (الأناضول)

قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية سعيد خطيب زاده إن الاستخبارات بدأت التحقيق في تسريب حديث لوزير الخارجية محمد جواد ظريف يكشف عن أنه كان يعارض نفوذ الجنرال قاسم سليماني، الذي قتلته الولايات المتحدة في ضربة جوية بالعراق.

وأوضح زاده أن التسجيل -الذي سُرّب قبل يومين على نطاق واسع- سُرق من أرشيف الحكومة، وأضاف "الاستخبارات تحقق في الأمر".

وفي وقت سابق، اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن التسجيل الصوتي تضمن مواقف "شخصية"، واقتطع من حديث غير معدّ للنشر.

وقال زاده "ما تم نشره لم يكن مقابلة مع وسائل الإعلام"، بل "حوار ضمن اللقاءات الروتينية (…) في إطار الحكومة".

وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية -التي قالت إنها حصلت على نسخة من التسجيل- بعض المقتطفات منه.

وقال ظريف إن "الميدان العسكري في الجمهورية الإٍسلامية هو الذي يحكم، لقد ضحيت بالدبلوماسية من أجل الميدان العسكري، بدل أن يخدم الميدان الدبلوماسية".

ملفات خارجية

ويتناول الحديث المسرب عدة ملفات؛ منها التدخل الإيراني في الملف السوري، والعلاقات الإيرانية الروسية، وملف إسقاط الطائرة الأوكرانية. ويتمحور أساسا حول دور قاسم سليماني في السياسة الخارجية الإيرانية، وسعيه لمنع التوصل للاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى الدولية في 2015.

وبدا ظريف في التسجيل أنه يقلل من أهمية العلاقات الإيرانية الروسية، حيث قال إن موسكو لم تصوّت يوما ضد القرارات الصادرة ضد إيران في مجلس الأمن الدولي قبل توقيع الاتفاق النووي.

وتحدث ظريف عن سعي موسكو لمنع التوصل للاتفاق النووي في مراحله الأخيرة، خوفا من أن تتجه إيران إلى أحضان الدول الغربية.

وجاء في التسجيل أن "قاسم سليماني طلب أن يسافر إلى روسيا. وفي عام ٢٠١٦ وافقت روسيا على ذلك بعد أن كان بوتين دخل المعارك في سوريا عبر قواته الجوية، وبعد ذلك دخلت إيران سوريا عبر قواتها البرية.

وأضاف ظريف "المعروف في إيران أننا أقنعنا الروس بالتدخل الجوي في سوريا، لكن في الحقيقة العكس هو الصحيح، وكل هذا حدث بعد التوصل للاتفاق النووي".

ومن أهم عناصر التسريب قول ظريف "الأحداث التي شهدناها مثل الهجوم على السفارة السعودية في طهران واحتجاز القوارب الأميركية والصاروخ الذي كُتب عليه يجب محو إسرائيل؛ كلها كانت بهدف إفشال الاتفاق النووي".

وحول نفوذ قاسم سليماني، قال ظريف إنه تلقى اتصالا من وزير الخارجية الأميركي يستغرب فيه زيادة عدد رحلات شركة "هما" الإيرانية 6 مرات، وذلك بعد رفع العقوبات الأميركية عنها بمقتضى الاتفاق النووي.

وأوضح ظريف أنه ووزير النقل الإيراني لم يكونا على علم بتنامي نشاط الشركة في سوريا، وعندما استفسرا قيل لهما إن ذلك تم بضغط من قاسم سليماني.

وأضاف "هذا يظهر أن الميدان العسكري كان المسيطر على الأمور. طلبت من قاسم سليماني أن يوقف الرحلات الجوية إلى سوريا عبر شركة "هما" خلال اجتماعاتنا الأسبوعية، فقال "شركة هما أكثر أمانا من شركة ماهان".

وخلص ظريف إلى أنه "تمت التضحية بالدبلوماسية مقابل الميدان العسكري، ولم تحصل الدبلوماسية على شيء في المقابل".

وقال ظريف في التسجيل إن رئيس الحكومة العراقية آنذاك عادل عبد المهدي "كان يعلم نية إيران لاستهداف القواعد الأميركية في العراق قبل 45 دقيقة من الهجوم، وأنا كوزير الخارجية علمت بالموضوع بعد ساعتين من الهجوم".

وحول الطائرة الأوكرانية، تحدث ظريف عن محاولة الحكومة توريطه في نفي إسقاطها بصاروخ وهي تعلم زيف ذلك، ولكنه رد عليهم "على قائد الهيئة العامة للقوات المسلحة اللواء باقري أن ينشر بيانا ينفي فيه الخبر عندها أنا سأغرد وأنشر بيانه".

وتناول الحديث المسرب علاقة طهران بالرياض، حيث قال ظريف إنه اقترح على سليماني التفاوض مع السعوديين بشأن الملفات الإقليمية في العراق والبحرين وسوريا ولبنان واليمن بصفته ممثلا لإيران.

وكشف ظريف عن أن السعودية لم تقبل التفاوض معه خلال عهد الملك عبد الله، قائلا إن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل رد عليه بجملة واحدة "العالم العربي لا يعنيكم".

 الخطوط الحمر

وأثارت التصريحات المسربة انتقادات سياسيين ووسائل إعلام المحافظين، لا سيما أنها طالت سليماني الذي يعد من أبرز مهندسي السياسة الإقليمية الإيرانية، ويحظى بمكانة كبيرة، خاصة مقتله في ضربة جوية أميركية العام الماضي.

 ورأى رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف أن "حكمة وشجاعة الحاج قاسم غزتا الميادين ومهّدتا الطريق أمام الدبلوماسية"، معتبرا أن منتقدي القائد العسكري الراحل يمارسون "لعبة سياسية"، ويتسمون بـ"السذاجة"، من دون أن يذكر ظريف أو تصريحاته بشكل مباشر.

ورأى النائب المحافظ "نصر الله بجمن فر" أن ظريف في تسجيله "يشكك في مسائل تندرج ضمن الخطوط الحمر للجمهورية الإسلامية التي يتولى فيها منصب وزير الخارجية".

من جهتها، انتقدت وكالة "فارس" تقديم ظريف نفسه خلال الحديث المسرّب بمثابة "رمز للدبلوماسية" في مواجهة سليماني الذي يشكل "رمز ميدان المعارك".

يشار إلى أن الجنرال قاسم سليماني تولى لأعوام طويلة قيادة فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، واغتيل بضربة أميركية قرب مطار بغداد فجر الثالث من يناير/كانون الثاني 2020.

وتزامن تسريب الحديث الصوتي مع زيارة ظريف أمس الاثنين إلى بغداد، حيث قام بُعيد وصوله إلى هناك بالتوقف في موقع استهداف سليماني وقرأ الفاتحة.

وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي، وصف ظريف قائدَ فيلق القدس سليماني بـ"بطل القتال ضد داعش"، في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، من دون أن يتطرق للجدل حول تصريحاته المسربة.

المصدر : الجزيرة + الفرنسية