فورين بوليسي: بعد البريكست.. سويسرا المشكلة الكبرى التالية للاتحاد الأوروبي

EU Commission head hosts Swiss president for talks on EU-Swiss relations
المجلة وصفت العلاقة بين بيرن وبروكسل بـ "المشحونة" (رويترز)

اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) الأميركية أن العلاقة بين سويسرا وشريكها الاقتصادي الأول الاتحاد الأوروبي باتت تتسم "بعداء متزايد"، وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد (البريكست)، مؤكدة أنها ستكون أول اختبار حقيقي للتكتل الأوروبي في طريقة تعامله مع جيرانه المقربين.

ونقلت عن السفير الألماني في العاصمة السويسرية "بيرن" كيف أنه "صُدم" -وفق ما صرح لصحيفة محلية- حينما كان يتجول في شوارع المدينة وصادفه ملصق إعلاني لحملة لليمين المتطرف يُظهر رجلا يرتدي حزاما بألوان الاتحاد الأوروبي ويجلس على خريطة صغيرة لسويسرا ويسحقها بكل ثقله.

وعلق المسؤول الألماني على ما شاهده قائلا "أصبح الجو بشأن الاتحاد الأوروبي في سويسرا شديد السلبية.. حتى إنه في بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل يتم تصويره على أنه بعبع مخيف".

وترى المجلة أنه في ظل هذه الأجواء المشحونة التقى رئيس الاتحاد السويسري غاي بارملين -قبل أيام في اجتماع مهم- رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال أول زيارة رسمية له إلى بروكسل، بعد أن وصلت علاقات الطرفين لطريق مسدود بسبب عدم قدرة بيرن على تنفيذ اتفاقية مؤسسية جديدة مع الاتحاد.

Man walks past posters against the anti-immigration initiative in Zurich
لوحة إعلانية لليمين المتطرف مناهضة للاتحاد الأوروبي بأحد شوارع زيورخ (رويترز)

علاقة متوترة

ورغم أن كثيرين يشبّهون هذه العلاقة المتوترة بما أضحت عليه علاقة الاتحاد بالمملكة المتحدة بعد البريكست؛ فإن هذا التشبيه -وفق المجلة- غير دقيق، حيث إن لندن تسعى للنأي بنفسها ما أمكن عن حليفها السابق، فيما تعمل بيرن على الاقتراب أكثر فأكثر.

فسويسرا -الدولة غير العضو في الاتحاد الأوروبي- حريصة على توسيع علاقاتها مع الدول الأعضاء الـ27، لكن مشكلتها الأساسية -مثل مشكلة لندن- هي أنها تريد في الآن ذاته الحفاظ على سيادتها.

وترى المجلة أن النجاح في تحقيق هذه المعادلة ليس بالأمر السهل؛ فبروكسل لا تتسامح مع ما تسميه حقوق "انتقاء الكرز" دون القبول بالالتزامات، ولا تستطيع منح دول غير أعضاء امتيازات لا يتمتع بها حتى الأعضاء أنفسهم، رغم أنها -في ظل عالم بالغ الاضطراب- لديها مصلحة كبيرة في الحفاظ على علاقة جيدة مع البلدان التي تشاركها ذات التفكير مثل سويسرا.

فبعد استفتاء عام 1992 -الذي رفضت من خلاله سويسرا عضوية الاتحاد- تفاوض الطرفان على اتفاقية تجارية تعتبر إلى يومنا هذا سبب "الحماسة" التي تتسم بها علاقاتهما الاقتصادية، كما أنهما وقعا حوالي 120 اتفاقية ثنائية أخرى تعمل بشكل جيد.

وتضمن هذه الاتفاقيات لسويسرا وصولا آمنا لمنتجاتها -مثل مستحضرات الصيدلة والمعادن والمواد الكيميائية- إلى السوق الأوروبية المشتركة، مقابل التزامها بقواعد السوق الداخلية ومساهمة مالية متواضعة لدعم مناطق الاتحاد الأقل نموا.

كما أن سويسرا عضو في "منطقة شنغن" المعفاة من الضوابط الحدودية، وتشارك في برنامج "إيراسموس" (Erasmus) لتبادل الطلاب، وهي أيضا شريك مع دول الاتحاد في مجالي البحث العلمي والتعاون الشرطي، وتتطلع بقوة للانخراط في نظامه الصحي وسوق الكهرباء الخاصة به.

ويرى البعض أن سويسرا تتمتع بأفضل ما يمتلكه الطرفان، أي الوصول إلى أكبر سوق موحدة في العالم وحرية لعب ورقة السيادة وقتما شاءت، حيث أشارت دراسة أجريت عام 2019 إلى أنه لا يوجد بلد يستفيد أكثر من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي أكثر من سويسرا.

Swiss and EU delegations meet on the sidelines of the WEF annual meeting in Davos
وفدا سويسرا والاتحاد الأوروبي خلال لقاء سابق بمنتدى دافوس في يناير/كانون الثاني 2020 (رويترز)

صعبة المراس

في المقابل، يُعرف السويسريون في بروكسل بأنهم "عملاء مراسهم صعب"، فبينما لا تشكك أبدا دولة مثل النرويج -وهي أيضا دولة غير عضو تتمتع بوصول واسع للسوق المشتركة- في مساهمتها المالية في الاتحاد تقوم سويسرا بتعليقها بانتظام من أجل تلبية هذا المطلب أو ذاك.

كما أن الاستفتاءات السويسرية أيضا مصدر خلاف، حيث انتهك استفتاء شعبي عن حصة الهجرة عام 2014 اتفاقات ثنائية مع الاتحاد الأوروبي تكفل حماية حرية تنقل الأشخاص.

وكان هذا الاستفتاء القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقة الطرفين، حيث أدركا معا صعوبة إدارة الاتفاقات الثنائية بينهما والتي تحتاج على الدوام للتحديث، وهو ما يتطلب مفاوضات دائمة، كما أن قيام أحد الطرفين بإلغاء أو انتهاك اتفاقية ثنائية واحدة يعني بالضرورة انهيار باقي الاتفاقيات تلقائيا.

وبعد استفتاء عام 2014 بدأت بيرن وبروكسل التفاوض بشأن إطار مؤسسي جديد يجمع كل الاتفاقات القائمة ويحقق نوعا من الاستقرار في تنفيذ مقتضياتها، وهو ما يسمح بتقليل التوترات السياسية وعقد اتفاقيات مستقبلية، حيث تم الاتفاق على نص عام 2018، لكن بيرن بدأت في انتقاد المسودة والمطالبة بإدخال تعديلات؛ فقامت بصياغة 3 مطالب إضافية يرى الاتحاد الأوروبي استحالة تلبيتها، وهي استثناؤها من قواعد المساعدات الحكومية، ومن المزايا الاجتماعية لمواطني الاتحاد، فضلا عن قيود قانون العمل الخاص التي من شأنها أن تجعل الشركات الأوروبية العاملة في سويسرا أقل قدرة على المنافسة ضد الشركات المحلية.

المصدر : فورين بوليسي