"إذا صمتّ فمن سيتحدث؟".. معركة المصرية ليلى سويف من أجل السجناء السياسيين

سجن طرة أحد أكبر السجون التي شهدت التعذيب بمصر (الفرنسية)

قالت صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية إن ليلى سويف والدة ناشطيْن مسجونين، ويسمونها كذلك "أم النشطاء السياسيين"، ترفض الصمت في وجه القمع، وتتحدث بصوت عال في الوقت الذي يفضل فيه المعارضون لسلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي بدافع الحكمة إما التكتم وإما الصمت.

وأوضحت الصحيفة في تقرير لمبعوثتها الخاصة في القاهرة لور ستيفان، أن ليلى سويف كانت أول الواصلين إلى ملتقى في فندق كبير بالقاهرة، وأنها كانت تدخن وتتحدث بكلام خطير، لأن القضية كما تقول "قضية مسؤولية. أنا معروفة. لدي دعم هائل من عائلتي الممتدة. أعلم أنه يمكنني الاعتماد على الكثير من المحامين المقربين من سيف، وذلك يضعني في موقع متميز للغاية. إذا لم أتحدث بصوت عالٍ، فمن سيفعل؟"، تعني بسيف زوجها أحمد سيف الإسلام المحامي والرائد في الكفاح من أجل حقوق الإنسان في مصر، والذي توفي عام 2014.

وتتوقف ليلى سويف (64 عاما) في كلامها بين جملة وأخرى، لتؤكد مع ابتسامة حزينة "ما الذي أخاف منه؟ لدي طفلان في السجن"، أكبرهما علاء عبد الفتاح (39 عاما)، وهو مطور برمجيات ومدون وأحد وجوه ثورة 2011، وهو محتجز في سجن طرة شديد الحراسة، وقد تم اعتقاله بعد 5 سنوات من السجن في خريف 2019 في حملة قمع واسعة ضد المعارضين اليساريين والليبراليين، أعقبت مظاهرات غير متوقعة ضد السلطة.

والثانية -كما تقول سويف- هي سناء سيف (27 عاما)، وهي أصغر محررة أفلام، وقد حُكم عليها بالسجن 18 شهرا في مارس/آذار الماضي لنشرها "معلومات كاذبة" تتعلق بكوفيد-19، بعد أن اعتقلت في صيف 2020 إثر تظاهرها مع والدتها وشقيقتها خارج سجن طرة.

جعل حياة السجناء بائسة

مع تفشي الوباء، شعرت سويف وبناتها بالقلق على صحة علاء، فطالبن بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، أما منى (35 عاما) الباحثة في مجال السرطان والتي شاركت على مدى العقد الماضي في حملة ضد محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، فقد غادرت مصر يوم الأربعاء 14 أبريل/نيسان الجاري مؤقتا كما قالت على فيسبوك، لإعادة الاتصال بإيقاع لم يُضبط على جداول الزيارات للسجن والمحاكم، "أريد أن أدلل أمي".

تقول ليلى سويف إنها تواجه الأمر كما فعلت دائما، لأن عالمة الرياضيات هذه التي حصلت على درجة الدكتوراه في فرنسا وتدرّس في جامعة القاهرة، خاضت تجربة مريرة مع السجون، حيث سُجن ولداها علاء وسناء عدة مرات، وقبلهما في الثمانينيات في أيام حكم الرئيس حسني مبارك، احتُجز زوجها اليساري المنخرط في السياسة لمدة 5 سنوات.

في ذلك الوقت عندما كان سيف في السجن، تقول سويف "كان لدى السجناء ما يمكن أن يفعلوه بعد أن يتجاوزوا الضرب والتعذيب والحكم، فقد تخرج سيف في القانون أثناء سجنه، وعلّم الأميين القراءة، أما اليوم، في السجون المكتظة، فتركز سلطات السجن عمدا على جعل حياة السجناء بائسة".

وتضيف سويف أنها حصلت، بعد معركة كبيرة، على الحق في تلقي رسالة كل أسبوع من ابنها، معتبرة أن تلك هي الطريقة الوحيدة للاطمئنان على حالته الصحية، ومشيرة إلى أنه يشعر "بالغضب الشديد وبالملل ولا يستطيع ممارسة الرياضة ولا القراءة، حتى قراءة صحيفة حكومية، لأن المراد هو كسر إرادته"، كما تقول أمه.

يفضلون الصمت

منذ وباء كوفيد-19، تم تقليل زيارات السجون إلى 20 دقيقة في الشهر ولفرد واحد من الأسرة، كما تقول ليلى سويف، مشيرة إلى أن ابنتها سناء توجد في سجن النساء شمال القاهرة، ولكنها "تركت في بناية انتقالية لضيق المساحة وحتى لا تختلط بالسجناء السياسيين، وهي أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا لكثرة العابرين، ولكن حالتها النفسية أفضل من علاء، فهي تقرأ وتعتني بالنباتات وترى الوافدين الجدد".

وأشارت موفدة لوموند الخاصة إلى أن ليلى سويف تنحدر من أوساط تقدمية، حيث إن شقيقتها أهداف سويف كاتبة شهيرة تعارض الإخوان المسلمين وهي ضد حكم الجيش، وتناضل من أجل العدالة الاجتماعية.

وتقول سويف التي شاركت أسرتها كلها في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أسقطت حسني مبارك، إنها تدرك أن "المجتمع أصبح أكثر استقطابا بكثير مما كان عليه قبل عام 2011. فالناس يتجنبونني، لكن بعضهم يعبر لي عن تعاطفهم مع علاء".

بعد عقد من الرصاص

واليوم، بعد 10 سنوات من الثورة، يسعى عبد الفتاح السيسي لإعادة "الاستقرار" في مصر مقابل عقد من الرصاص وإغلاق المجال العام.

وتقول سويف "من أجل إسكات أي صوت معارض، تُسكت حتى أصوات من يريدون القيام بعملهم وإن لم يتخذوا موقفا ضد النظام"، مستشهدة على ذلك بغياب النقاش في الجامعة، حتى ولو كان حول التعليم عن بعد أو عن كوفيد-19 في كلية الطب، خوفا من أي انتقاد لإدارة الوباء.

وفي النهاية، لا تتوقع ليلى سويف إلا القليل من السفارات الغربية التي "لا تتحرك إلا لمصالحها أو خوفها من تدفق المهاجرين صوب أوروبا"، وهي تقدر "مدى تعقيد" الوضع الجيوسياسي لمصر، ولكنها لا تستسلم وتواصل على صفحتها على فيسبوك الحديث عن محنة السجناء السياسيين.

المصدر : لوموند