لماذا يعجز العالم عن ملاحقة المتورطين في جرائم الحرب بسوريا؟.. خبراء يجيبون

أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية نتائج تقريرها الثاني التابع لفريق التحقيق، والذي أقرت فيه بمسؤولية النظام السوري عن تنفيذ هجوم بالأسلحة الكيميائية على مدينة سراقب بريف إدلب سنة 2018.

وخلص التقرير "إلى أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأنه قامت مروحية عسكرية تابعة لقوات الجو السورية الخاضعة لسيطرة قوات النمر برمي أسطوانة غاز الكلور شرق مدينة سراقب وانفجرت على مساحة كبيرة، مما أدى إلى إصابة 12 فردا".

وينضاف هذا التقرير لسلسلة تقارير أممية توجه التهمة لنظام الأسد، بارتكاب جرائم حرب، ويبقى السؤال الذي يطرحه كثيرون: أين العدالة؟ ولماذا يقف الجميع عاجزا عن ملاحقة نظام الأسد جنائيا؟ ولماذا تبقى هذه التقارير المُدينة لنظام الأسد حبرا على ورق؟

وتأتي هذه الأسئلة في سياق تحركات غربية لمحاكمة بعض رموز نظام الأسد، وكانت ألمانيا سبّاقة لمحاكمة أفراد ينتمون للنظام، تلتها بريطانيا التي فتحت تحقيقا في احتمال دعم أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري، للإرهاب باعتبارها تحمل الجنسية البريطانية.

ولمعرفة مصير هذه التقارير التي تشير بأصابع الاتهام مباشرة إلى نظام الأسد بارتكاب جرائم حرب، طرحت الجزيرة نت السؤال على خبراء قانونيين.

بين القانون والعدالة

يربط مازن المصري أستاذ القانون في جامعة لندن بين أي تحرك قضائي على الصعيد الدولي وبين الإرادة السياسية، مقدما المثال ببريطانيا، ويقول "سيكون من السهل على الحكومة متابعة أي شخص متورط في جرائم إن كان موجودا داخل البلاد"، مضيفا أنه في ما يتعلق بالقضايا الدولية فإن قرار فتح تحقيق دولي وتقديم لوائح اتهام مرتبط بالحكومة وقرارها.

ويفسر الخبير القانوني فتح بريطانيا لتحقيق ضد أسماء الأسد لكونها تحمل الجنسية البريطانية "وهنا يظهر مفهوم المصلحة العامة الذي يقتضي محاسبة شخص يحمل الجنسية البريطانية وقد يشكل خطرا على البلاد".

أما في حال وجود الجرائم المرتكبة خارج البلاد وأصحابها خارج المملكة "فإن التحقيقات تكون مكلفة ومرتبطة بأولوية صانع القرار في البلاد، لأنها مرتبطة بأمور تمت قبل سنوات وللجان تحقيق والعراقيل اللوجستية للتحقيق في مكان وقوع الجريمة، وهذه كلها عوامل تجعل من القرار السياسي يستبعد الملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم الحرب خارج بريطانيا".

ويشير الدكتور مازن المصري إلى أن القانون الجنائي يعني السجن والعقاب، وبالتالي فهو يحتاج لأدلة قوية "قد تكون هذه التقارير أدلة لكن الإدانة الجنائية تحتاج لمستوى عال من الأدلة، ولهذا فهذه التقارير رغم مصداقيتها ودقتها لا تكون كافية من أجل الإدانة الجنائية لكنها قد تكون كافية من أجل فتح ملاحقة شخصية بعينها، لكن دون أن يصل الأمر لاعتقاله".

وعن سؤال العدالة الغائبة، يقول مازن المصري إن القانون "له آليات عمل مرتبطة في جزء منها بالإرادة السياسية وهناك تقدير المصالح وهنا تختلف العدالة عن القانون".

السياسة أولا

من جانبه، يرى صباح المختار رئيس نقابة المحامين العرب في بريطانيا أن متابعة البعض بتهمة جرائم الحرب تبقى "قضية سياسية… لأن الدول الكبرى هي من تقرر من يجب متابعته ومن يمكن التغاضي عن جرائمه، وفي العراق تم استعمال الفوسفور في الفلوجة ولم تتم محاكمة أحد".

أما من الناحية القانونية، فيؤكد الخبير القانوني أنه من أجل متابعة أي شخص بتهمة جرائم الحرب "فيجب أولا إثبات الفعل الإجرامي، والعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة وأن تثبت أن من تتم محاكمته هو الذي قام بالفعل"، مضيفا أن المحكمة في بريطانيا ليس لديها الاختصاص في متابعة مجرمي الحرب خارج البلاد.

أما الطريق نحو المحكمة الجنائية الدولية فيمر، حسب صباح المختار، عبر طلب من المتضررين، أو عبر مجلس الأمن الذي يطلب من المدعي العام فتح تحقيق، "والمدعي العام يجب أن يقتنع أن هناك أسبابا قوية للتحقيق"، مشيرا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تحقق في نوعين من الجرائم، وهي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولهما تعريف فني دقيق وصارم.

ويبقى مسار التحقيقات الجنائية طويلا ومعقدا، بالنظر لصعوبة الوصول للأدلة المادية والشهود والمواد المستعملة في الهجوم، و"يبقى للمحكمة الصلاحية غير المقيدة في الأخذ بالأدلة التي تراها مناسبة وتترك الأدلة التي تراها غير مناسبة".

ويخلص نقيب المحامين العرب في بريطانيا إلى أن الحسابات السياسية هي حجر الزاوية في ملاحقة مرتبكي جرائم الحرب.

صورة خاصة براميل متفجرة يلقيها الطيران المروحي دمرت المئات من بيوت المدنيين في سراقب
براميل متفجرة يلقيها الطيران المروحي دمرت المئات من بيوت المدنيين في سراقب (الجزيرة – أرشيف)

"لعبة خبيثة"

ويصف جيلبرت الأشقر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، مضمون تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأنه "يحمل وقائع ساطعة لا يمكن نفيها"، لكنه في الوقت ذاته اعتبر أن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا متعددة ولا تتوقف فقط عند استعمال "الكيماوي"، وأن "هناك رغبة في التركيز فقط على الكيماوي، علما أن الذين ماتوا بالبراميل يفوق عدد من مات بالكيماوي".

ويحذر الخبير في العلاقات الدولية أن التركيز على مسألة السلاح الكيميائي فقط يمنح أنصار النظام السوري "فرصة من أجل المحاججة والدخول في ملهاة من التفاصيل التقنية، وفي المقابل هناك جرائم واضحة مثل القصف بالبراميل وقصف المستشفيات".

ويفسر الأشقر تحرك ألمانيا لمحاكمة أفراد النظام بحجم اللاجئين السوريين في البلاد وقدرتهم على إسماع أصواتهم، "أما في بريطانيا فهي تبقى جد بعيدة عن التعامل الألماني مع هذا الملف، والحكومة البريطانية تنتظر كيف ستتحرك إدارة بايدن لتنهج نهجها".

ويتحدث أستاذ العلاقات الدولية عن "لعبة خبيثة" تقوم على وضع خط أحمر على السلاح الكيميائي فقط "وكأن قتل السوريين بطرق أخرى أمر مسموح به ولا يستوجب الملاحقة".

ويستبعد المتحدث أي ملاحقة وشيكة لنظام الأسد، حيث إن "روسيا تعلم قوة الورقة السورية في تفاوضها مع الغرب الذي يريد تسوية في سوريا مع حفظ ماء وجهه، ويبدو أن روسيا قادرة أن تقدم لهم هذه التسوية".

المصدر : الجزيرة