سجن القلعة بمصر.. تاريخ من التعذيب ومزار سياحي مهجور

صور متحف سجن القلعة في مصر
ممر داخلي بين زنازين سجن القلعة (الجزيرة)

تحوّل من أشهر سجن للقمع والتعذيب بمصر في القرن العشرين إلى مزار سياحي، إنه سجن القلعة المتاخم لقلعة صلاح الدين الأيوبي بحي مصر القديمة، والذي ظلت زنازينه شاهدة على أكثر من 8 قرون من أنّات المعتقلين، وحملت جدرانه رسوما وعبارات سجلها السجناء بالطباشير الجيري أو الأقلام الملونة.

يحتوي سجن القلعة على 42 زنزانة مقسمة على قطاع شرقي وآخر غربي، إلى جانب 8 غرف تعذيب، منها حجرة أطلق عليها "الفرن أو الشواية" وتوجد بالناحية الشرقية.

وبحسب موقع هيئة الاستعلامات المصرية الحكومية، فإن تلك الغرف استخدمت على نطاق واسع، وسميت بهذا الاسم نظرا لتجهيزها بنظام غازي يجعل جدرانها شديدة السخونة عبر أنابيب خاصة، حيث كان يتم جمع نحو 5 معتقلين بتلك الحجرة لانتزاع المعلومات منهم أو لتعذيبهم بسبب آرائهم السياسية.

وهناك غرفة أخرى للتعذيب عرفت باسم غرفة "التعليق"، حيث يتم تعليق السجين، وغرفة أخرى أطلق عليها غرفة "الحلقات"، بُنيّت فى عهد الملك فؤاد عام 1932، ويتم فيها تعليق السجين من قدميه على حلقة يتم تدويرها بسرعة هائلة.

وكان السلطان الناصر صلاح الدين بن أيوب قد أمر ببناء القلعة في عام 1176م، وكلف بذلك وزيره بهاء الدين قراقوش، حيث تم اختيار المكان فوق جبل المقطم شرقي القاهرة، لكن صلاح الدين مات قبل أن يسكن القلعة، وكان أول من سكنها هو السلطان الكامل.

سجن القلعة تاريخ من القمع الذي انتهى بتحويله إلى مزار سياحي- الجزيرة نت (7)
الأبواب الحديدية لزنازين سجن القلعة (الجزيرة)

سجن ابن تيمية

من زنازين سجن القلعة خرجت أنات المعتقلين منذ عهد المماليك، ولعل أبرز من اعتُقل خلال تلك الفترة الفقيه الإسلامي الشهير ابن تيمية الملقب بشيخ الإسلام، حيث قضى نحو عام ونصف العام، وكان السجن يعرف باسم سجن قلعة الجبل.

وخرجت من هناك عبارة ابن تيمية الشهيرة "إن قُتلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة، وإن حبسوني كان لي خلوة، وأنا مثل الغنمة كلما تقلبت تقلبت على صوف".

واستمر السجن أداة في أيدي الولاة المتعاقبين بحكم وجودهم في قلعة صلاح الدين الأيوبي، التي ظلت مقرا لحكم البلاد وأنشئ السجن بها نظرا لتحصين المكان.

سجن للأجانب

شهدت القلعة وسجنها مذبحة المماليك الشهيرة التي نفذها والي مصر محمد علي في حق أمراء المماليك حتى يستقر حكمه دون منازع، ومن نجوا من المذبحة كان مصيرهم السجن الذي كان يبعد عشرات الأمتار فقط من القلعة.

بعد رحيل محمد علي بسنوات، تحوّل السجن بأوامر من الخديوي إسماعيل إلى سجن للأجانب، بعد أن نقل مقر الحكم من القلعة إلى قصر عابدين عام 1874.

وتحوّل السجن بعد ذلك إلى استقبال المساجين المصريين بعد زيادة قدرته الاستيعابية وعدد الزنازين بأوامر الخديوي توفيق ابن إسماعيل عام 1897.

ولم تتوقف التطورات التاريخية المحيطة بالسجن المثير للجدل، فقد استُعمل خلال العهد الملكي كذلك، وكان من أشهر نزلائه الكاتب الراحل عباس محمود العقاد، الذي سجن في عام 1930 لنحو 9 شهور بتهمة "سب الذات الملكية" في إحدى مقالاته.

سجن القلعة تاريخ من القمع الذي انتهى بتحويله إلى مزار سياحي- الجزيرة نت (4)
مجسم لمعتقل في سجن القلعة الذي تحوّل إلى مزار سياحي (الجزيرة)

السادات والزنزانة 54

ومن بين المشاهير الذين سجنوا في ذلك المكان أيضا يأتي الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات (حكم مصر بين عامي 1970 و1981)، الذي اعتُقل نحو 30 شهرا بالزنزانة رقم 54 في سجن القلعة خلال العهد الملكي على خلفية اتهامه باغتيال وزير المالية أمين عثمان عام 1944 حيث قضى عامين ونصف العام بالسجن قبل أن يصدر حكم براءته لعدم كفاية الأدلة.

وكان السجن شاهدا على بروز الكثير من الإبداع الفني والثقافي، حيث لم يستطع القمع أن يوقف أفكار المعتقلين من المثقفين والكتاب والساسة، حتى إن السادات أصدر بالاشتراك مع المعتقلين مجلة "الهنكرة والمنكرة"، كما أطلق إذاعة للمساجين.

سجن القلعة تاريخ من القمع الذي انتهى بتحويله إلى مزار سياحي- الجزيرة نت (1)
ساحة داخلية في سجن القلعة (الجزيرة)

سلخانة للتعذيب

وخلال العهد الناصري، اكتسب السجن سمعته الأسوأ وتحوّل إلى أيقونة لتعذيب المعارضين خلال فترة الستينيات، حيث أطلق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يد الأجهزة الأمنية على المعارضين وأصحاب الرأي، وتحوّل السجن إلى مقر تعذيب للكثير من السياسيين خصوصا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن بعض الكتاب والأدباء والمثقفين.

توافد على سجن القلعة الكثير من أهل الأدب والشعر مثل جمال الغيطاني وسعيد الكفراوي وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم، فضلا عن الشاعر زين العابدين فؤاد، الذي ألّف أغنية "سجن القلعة" الشهيرة عام 1972، ليغنيها الشيخ إمام وتصبح أيقونة للمعارضة المصرية.

 

المفارقة أن سجن القلعة شهد اعتقال أبرز رموز عبد الناصر بعد وفاته، وذلك خلال عهد السادات بعد أحداث مايو/أيار 1971 أو ما عرف باسم "ثورة التصحيح"، التي قام فيها السادات بإزاحة مراكز القوى خلال عهد عبد الناصر، وأبرزهم وزير الداخلية الأسبق شعراوي جمعة وسامي شرف سكرتير رئيس الجمهورية آنذاك وعلي صبري نائب رئيس الجمهورية وقتئذ.

وفي عهد السادات، ورغم أنه بدأ حكمه بالإفراح عن المعتقلين وتكسير أسوار السجون وحرق تسجيلات التجسس على المواطنين، فإن عهده شهد لاحقا إعادة اعتقال بعض المعارضين، وكان لسجن القلعة نصيب من استضافتهم.

وأغلقت آخر صفحة من صفحات الاعتقال والقمع بسجن القلعة بعد صدور قرار بإغلاقه من الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

المصدر : الجزيرة