هل تنجح إسرائيل في القضاء على المسار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران؟

مثلت الهجمات المتكررة على أهداف إيرانية، التي أكدت مصادر استخباراتية لصحيفة "نيويورك تايمز" وقوف إسرائيل وراءها، وكان أحدثها يوم الأحد على منشأة نطنز النووية، وقبل ذلك بأيام على سفينة "ساويز" العسكرية في جنوب البحر الأحمر، إشارات عملية لواشنطن عن حجم التصميم الإسرائيلي على عرقلة مسار التفاوض الدبلوماسي الذي يجمع إيران بالولايات المتحدة وشركائها الدوليين.

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu speaks at a news conference in Jerusalem
نتنياهو في أثناء عرضه عام 2019 صورة التقطت بالقمر الصناعي لموقع نووي إيراني (رويترز)

تقف إسرائيل بحزم في معارضتها لتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بالانضمام مجددا إلى الاتفاق النووي الذي وقعته بلاده مع إيران عام 2015، قبل أن ينسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018.

ويجري المفاوضون الأميركيون والإيرانيون محادثات غير مباشرة للأسبوع الثاني في العاصمة النمساوية فيينا، لوضع خريطة طريق لـ"الامتثال المتبادل" لكلا الطرفين للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه في عهد الرئيس السابق أوباما حينما كان بايدن نائبا للرئيس.

ومثلت الهجمات المتكررة على أهداف إيرانية، التي أكدت مصادر استخباراتية لصحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) وقوف إسرائيل وراءها، وكان أحدثها يوم الأحد على منشأة نطنز النووية، وقبل ذلك بأيام على سفينة "ساويز" العسكرية في جنوب البحر الأحمر، إشارات عملية لواشنطن عن حجم التصميم الإسرائيلي على عرقلة مسار التفاوض الدبلوماسي الذي يجمع إيران بالولايات المتحدة وشركائها الدوليين.

ولم تؤكد إسرائيل رسميا من جانبها ولم تنف دورها في أي من تلك الهجمات، إلا أن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو كرر تحذيرات تقليدية أمس الاثنين قال فيها إن بلاده لن تتردد في القضاء على التهديدات الإيرانية.

وجاءت كلمات نتنياهو قبل لقاء عقده مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الذي يقوم بزيارة لإسرائيل.

وانقسمت الأصوات في واشنطن بين فريق دعا إلى الرد على الهجمات الإسرائيلية بالإسراع في التوصل إلى اتفاق مع إيران، وفريق آخر نادى باستغلال هذا الواقع الجديد من أجل عدم العودة إلى الاتفاق النووي من جديد.

موقف إسرائيل يشابه موقف قادة الديمقراطيين في الكونغرس والجمهوريين أيضا

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني والمسؤول العسكري الأميركي السابق، إلى أهمية موافقة إسرائيل على أي اتفاق نووي بين واشنطن وطهران إذا ما رغبت الأطراف أن يكتب النجاح لمثل هذه الاتفاق.

وذكر دي روش أن ذلك "لا يرجع إلى أي نفوذ إسرائيلي خبيث في الولايات المتحدة، بل لأن مخاوف إسرائيل من الاتفاق النووي مع إيران كانت مخاوف أصيلة تعكس هواجس كثير من الأميركيين، مثل قادة الديمقراطيين بمجلس الشيوخ الديمقراطيين، السيناتور تشاك شومر والسيناتور بوب مينينديز، فضلا عن معظم اليمين الأميركي الجمهوري، في الوقت ذاته. ومن هنا فإذا أمكن إبرام اتفاق يعالج مخاوف إسرائيل، فإن الاتفاق سيعالج أيضا مخاوف دول الخليج العربية وكذلك الغالبية العظمى من الرأي العام الأميركي".

إلا أن الخبير الأميركي أشار إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق جديد مرض لكل الأطراف، وأشار إلى أنه ليس متفائلا "بأن مثل هذا الاتفاق يمكن التوصل إليه، والأكثر احتمالا هو التوصل إلى نوع من التسوية بشأن جوانب محدودة من برنامج إيران النووي دون التزامات واضحة ومحددة، وهذا النوع من الصفقات لن يرضي إسرائيل أو دول الخليج العربية أو الكثيرين داخل أميركا، خاصة أنه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى اتفاقات أوسع نطاقا بشأن زعزعة الاستقرار الإقليمي من جانب إيران أو برنامج الصواريخ الإيراني".

نصائح لبايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي سريعا بعد الضربات الإسرائيلية

وجاءت هذه الهجمات الإسرائيلية في وقت حذر فيه خبراء أميركيون من "عودة الائتلاف القديم المناهض للاتفاق مع إيران، الذي يضم الصقور في الكونغرس من كلا الحزبين، وقادة إسرائيل والسعودية، والمسيحيين الإنجيليين واليهود الأميركيين المتشددين، الذين يمكن أن يستخدموا أموالهم ونفوذهم للضغط على إدارة بايدن"، كما جاء في مقال لجو سيرينسيون الخبير في قضايا نزع السلاح، ونشرها موقع شبكة "إن بي سي نيوز" (NBC News) الإخبارية.

ورأى سيرينسيون أن إسرائيل تدفع الولايات المتحدة، وتجرها نحو طريق الحرب والصدام مع إيران.

وغرد سيرينسيون قائلا "أنا أوافق على أن إسرائيل لها الحق في حماية نفسها لكن هذا العمل العسكري هجومي على دولة ليست في حالة حرب معها. أنا متأكد من أنك لن توافق على أن إيران لها الحق في مهاجمة موقع نووي إسرائيلي إذا رأت أن من الضروري حماية نفسها".

من جانبها عبرت باربرا سلافين، وهي خبيرة في الشؤون الإيرانية ومديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي، عن ضرورة رد واشنطن وطهران معا على الهجمات الإسرائيلية بالإسراع في العودة إلى الاتفاق النووي.

وقالت سلافين في تغريدة لها إن "أفضل رد على الهجوم الإسرائيلي الأخير على نظنز هو أن تجلس إيران في فيينا لإجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة لتنسيق العودة السريعة إلى الامتثال المتبادل للاتفاق النووي".

دعوات إلى استغلال ضربات إسرائيل لتقوية موقف بايدن التفاوضي

وعبّرت القوى المناوئة لبدء المفاوضات بين واشنطن وطهران من أجل العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني عن سعادتها بأنباء الهجمات الإسرائيلية.

فرأى الدبلوماسي السابق آرون ديفيد ميلر -الذي عمل سنوات طويلة في ملفات قضايا الشرق الأوسط- أنه لا توجد أي عجلة أو ضغط الآن للعودة إلى الاتفاق النووي، خاصة بعد نشر تقارير إخبارية تشير إلى عودة برنامج إيران النووي إلى الوراء بما لا يقل عن 9 أشهر.

وغرد آرون ميلر يقول إن "أي شخص كان يبحث عن عودة سريعة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي مع إيران) يجب أن يرتاح ويتأمل في الأوضاع الآن. وبشأن بايدن فقد اختفت المخاطر السياسية من عدم العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته القديمة".

أما مارك دوبوفيتز، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي تعادي الاتفاق النووي مع إيران وتدعو إلى تغيير نظام الحكم في طهران بدلا من الجلوس والتفاوض معه، فقد غرد ينصح إدارة بايدن بترك العودة إلى الاتفاق النووي عقب الضربات الإسرائيلية.

وقال في تغريدة له "بدلا من الخضوع للابتزاز النووي، على بايدن أن يقول لآية الله خامنئي إن واشنطن ليست بحاجة إلى العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وفي خضم صراعات الشرق الأوسط التي لا تنتهي ستكون هذه خطوة تالية بالغة الأهمية".

وأكدت كريستين فونتينروس، المسؤولة السابقة بمجلس الأمن القومي والخبيرة بالمجلس الأطلسي، أنه لا يجب أن يُفاجأ الإيرانيون أو الأميركيون بقيام إسرائيل بمثل هذه الهجمات التي تنفذ من أجل عرقلة تقدم إيران في التخصيب النووي.

وأشارت كريستين إلى أن إسرائيل أوضحت مرارا وتكرارا أنها سوف تعمل ضد البرنامج النووي الإيراني في حالتين؛ الأولى هي تسريع وتيرة تقدم إيران في جدولها الزمني قبل أن تصبح قادرة على صنع أسلحة نووية، والثانية استمرار الجمود بشأن الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة"،  معتبرة أن "الشرطين معا توفرا في الأيام الماضية".

ونصحت كريستين القادة الإيرانيين بتجنب ارتكاب خطأ الانسحاب من المفاوضات الجارية في مدينة فيينا، وقالت "هناك خطأ واحد لا ينبغي لإيران أن ترتكبه الآن وهو الخلط بين هجمات إسرائيل ومفاوضاتهم مع الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا لن يخدم سوى الفصائل الإسرائيلية التي لا تؤيد التوصل إلى اتفاق نووي متجدد، وتفضل بدلا من ذلك أن يكون لها حجة لتدمير جميع مكونات البرنامج النووي الإيراني من الألف إلى الياء".

المصدر : الجزيرة