فورين أفيرز: أزمة القيادة داخل أميركا بين تزايد السطوة العسكرية وتضعضع السلطة المدنية
ألقى مقال طويل في موقع "فورين أفيرز" الأميركي (Foreign Affairs) الضوء على ما أسماه تدهور السيطرة المدنية عل المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة، وحذر من تهديد ذلك للأمن القومي والديمقراطية إذا لم يتم تدارك الأمر مبكرا.
وأوضح المقال، الذي أعده 3 كتاب: ريسا بروكس أستاذة العلوم السياسية الباحثة في معهد ويست بوينت للحرب الحديثة، وجيم غولبي الضابط المتقاعد في الجيش الأميركي الباحث في شؤون الأمن القومي، وهايدي أوربين الضابطة المتقاعدة في الجيش الأميركي الباحثة في معهد ويست بوينت للحرب الحديثة، أن السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية في أميركا تدهورت خلال العقود الثلاثة الماضية بهدوء وثبات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبنتاغون يعلن انتحار 498 جنديا بالجيش الأميركي في عام واحد
أجرى تغييرات واسعة بوزارة الدفاع.. هل يُسيّس ترامب الجيش الأميركي؟
نيوزويك: تأهب سري داخل الجيش الأميركي تحسبا لما قد يفعله ترامب في ما تبقى له من أيام
الدستور والواقع
وأورد أن السيطرة المدنية على الجيش متجذرة بعمق في دستور الولايات المتحدة. فالقوات المسلحة، دستوريا، مسؤولة أمام الرئيس والسلطة التشريعية، ويظل كبار الضباط العسكريين يتبعون الأوامر ويتجنبون العصيان العلني، إلا أن نفوذهم شهد نموا مستمرا خلال العقود الثلاثة الماضية، في حين تعثرت آليات الرقابة عليهم والمساءلة لهم.
وأشار المقال إلى أن الرؤساء الأميركيين يشعرون اليوم بالقلق من المعارضة العسكرية لسياساتهم، إذ يتوجب عليهم أن يحسبوا حسابا لمؤسسة تنفذ توجيهاتهم التنفيذية بشكل انتقائي. ففي كثير من الأحيان، يقوم القادة العسكريون غير المنتخبين بتحديد خيارات المدنيين حتى يتمكن الجنرالات من إدارة الحروب وفق ما يرون.
وشرح أن ذلك يتم لأن الجيش يقوم بتصفية المعلومات التي يحتاجها المدنيون وينفذ الأوامر التي يصدرها المدنيون، وبذلك يمارس تأثيرا كبيرا على صنع القرار المدني. وحتى إذا كانت الكلمة الأخيرة لا تزال لدى المسؤولين المنتخبين، فقد يكون لديهم القليل من السيطرة العملية إذا كان الجنرالات يعدون كل الخيارات أو يبطئون تنفيذها، كما يفعلون في كثير من الأحيان حاليا.
أمثلة عديدة
وأورد المقال عشرات الأمثلة على تضعضع السيطرة المدنية على الجيش، ومن بين ذلك شكوى الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب من إجبار الجيش لهما بقبول زيادة عدد القوات في أفغانستان أو رفض الانسحاب من سوريا.
وقال: بالطبع لا يحصل كبار القادة العسكريين دائما على كل ما يريدون، لكنهم غالبا ما يحصلون على أكثر مما ينبغي، إذ تمتد سلطتهم إلى ما هو أبعد من القرارات التي تتصدر العناوين الرئيسية حول الانتشار في الخارج أو تخفيض القوات. ويتجلى تأثير الجيش مئات المرات يوميا من خلال المناورات البيروقراطية داخل البنتاغون، وفي المناقشات السياسية بالبيت الأبيض، وخلال الإدلاء بالشهادة أمام الكونغرس.
واستمر يقول إن هذه التفاعلات، ربما أكثر من أي شيء آخر، توجه عملية صنع القرار بعيدا عن المدنيين في مكتب وزير الدفاع، ونحو الأفراد النظاميين. فداخل البنتاغون، على سبيل المثال، غالبا ما يستبق القادة العسكريون نصيحة وتحليل الموظفين المدنيين عن طريق إرسال مقترحاتهم مباشرة إلى وزير الدفاع، متجاوزين عملية المصادقة المعقدة التي يجب على الموظفين المدنيين التنقل فيها.
دور الكونغرس
وأورد المقال أيضا مؤشرات على تآكل السيطرة المدنية خارج البنتاغون، قائلا إن الكونغرس نادرا ما يطالب الجيش بالانحناء للسلطة المدنية، وبدلا من ذلك يتصرف بشكل انتقائي ولأسباب حزبية.
وفي حالات متطرفة، حث بعض معارضي ترامب القادة العسكريين الكبار على التفكير في إزاحته من منصبه.
كذلك أصبحت عملية الإشراف نفسها مسيّسة، إذ يتجه السياسيون بشكل متزايد إلى ذوي الخبرة العسكرية لإدارة البنتاغون.
وفي غضون ذلك، لم يستطع الجمهور الإصرار على أن القادة المنتخبين يحاسبون الجيش، إذ يضفي كثير من الأميركيين أهمية عالية على القوات ويظهرون إعجابهم من بعيد، وأصبح تكرار شعار "ادعموا قواتنا" بديلا عن الواجب الوطني المتمثل في مساءلة المؤسسة المدنية التي تخدمها تلك القوات.
قانون 1986
وأشار الكتاب الثلاثة إلى أنه، وفي عام 1986، مرّر الكونغرس عن غير قصد قانون إعادة تنظيم وزارة الدفاع، الذي نقل السلطة والموارد من القادة المدنيين إلى نظرائهم العسكريين. ومنذ تمرير ذلك القانون، تم استبدال المدنيين في البنتاغون وفي العديد من المؤسسات الحكومية بأفراد عسكريين.
وأصبح الحال اليوم أن السفراء والمسؤولين المدنيين الآخرين يعتمدون بشكل متكرر على قيادات الجيش الإقليميين للحصول على الموارد، بما في ذلك الطائرات والدعم اللوجستي اللازم للقيام بعملهم.
كذلك أصبح قادة المقاتلين الإقليميين يتحملون أيضا مسؤوليات تتجاوز الحدود الوطنية، مما يمنحهم سلطة دبلوماسية فعلية واتصالات متكررة ليس فقط مع نظرائهم العسكريين في الخارج ولكن أيضا مع قادة الحكومات الأجنبية، مما زاد من تهميش نظرائهم المدنيين في وزارة الخارجية.
وبحلول عام 2018، تدهور هذا الوضع إلى درجة استنتجت فيها "لجنة إستراتيجية الدفاع الوطني" -التي عينها الكونغرس من الحزبين- أن الافتقار إلى أصوات مدنية في صنع القرار المتعلق بالأمن القومي "يقوّض مفهوم السيطرة المدنية". وقد أصبحت هذه المشاكل أكثر حدة خلال إدارة ترامب، عندما امتلأ البنتاغون بالمسؤولين بالوكالة والمناصب الشاغرة.
بعد 11 سبتمبر
كما أدى الاستقطاب الحزبي إلى تقويض السيطرة المدنية. فبعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، ارتفع تقدير الجمهور للجيش، ولاحظ السياسيون ذلك. وأصبح القادة المنتخبون على استعداد متزايد لتجاهل المعايير المدنية والعسكرية، وتجنب الرقابة الجادة والمساءلة للجيش، وتشجيع العصيان العسكري لتسجيل نقاط سياسية ضد خصومهم السياسيين.
واليوم، ونظرا لشعبية الجيش، يحاول السياسيون في الحزبين الاستفادة من هيبة الجيش لحماية أنفسهم من النقد ومهاجمة خصومهم. فخلال الحملات الانتخابية، غالبا ما يزعم المرشحون أن الجيش يفضلهم على خصومهم.
ولعب الجيش نفسه أيضا دورا في تدهور السيطرة المدنية باضمحلال قيمة الحياد الحزبي داخله. فحتى أواخر عام 1976 لم يكن أغلب كبار الضباط العسكريين يتعاطفون مع أي حزب سياسي، لكن اليوم فإن ما يقرب من ثلاثة أرباعهم يفعلون ذلك، وفقا لاستطلاعات اُجريت بين عامي 2017 و2020 وسط كبار الضباط الملتحقين بكليات الحرب المختلفة.
مهمة صعبة لكنها ضرورية
وقال الكتاب الثلاثة إن إعادة تعيين هذه العلاقة المكسورة مهمة صعبة، وطالبوا الكونغرس بمواصلة دوره الرقابي بإصرار ومحاسبة الجيش، بغض النظر عمن يحتل البيت الأبيض، وأن ذلك يتطلب أن يقوم وزراء الدفاع بتعيين موظفين مدنيين ماهرين يتألفون من معينين سياسيين وموظفين مدنيين. لكن الأهم من ذلك، أنها تتطلب جمهورا منتبها ومستعدا لمحاسبة القادة المدنيين والجيش.
وختم المقال بتحذير الشعب الأميركي من أنه إذا لم يعترف بتآكل رؤيته المثالية للسيطرة المدنية، فإن الأزمة المدنية العسكرية سوف تزداد سوءا، مؤكدين أن هذا الشعب يجب أن يدرك أن التقاليد الديمقراطية والأمن القومي تعتمد على هذه العلاقة الدقيقة. فبدون إشراف مدني قوي على الجيش، لن تظل الولايات المتحدة ديمقراطية أو قوة عالمية لفترة طويلة.