هل حان وقت إنهاء القطيعة؟ لقاء نادر بين وزيرةٍ وأمينة مجلس مسلمي بريطانيا يثير الجدل

منذ 2009، قطعت الحكومات البريطانية العلاقات مع مجلس مسلمي بريطانيا، بسبب تصريح لأحد المنتمين للمجلس يتبنى فيه خيار العمل المسلح ضد إسرائيل.

صور لأول امرأة تترأس المجلس الإسلامي في بريطانيا زارا محمد - المصدر: Chairperson - Zara Mohammed, MCB - Muslim Council of Britain
زارا محمد أول امرأة تترأس المجلس الإسلامي في بريطانيا (مواقع التواصل)

وجدت بيني موردونت مسؤولة النفقات العامة والوزيرة في مكتب رئيس الوزراء البريطاني، نفسها وسط عاصفة من الانتقادات القادمة من اليمينيين والمحافظين، بعد لقاء جمعها برئيسة مجلس مسلمي بريطانيا زارا محمد أمينة.

وكانت تغريدة الوزيرة التي أعلنت فيها عن هذا اللقاء كافية لانطلاق سهام النقد، بذريعة أن الاجتماع يعتبر خرقا للقرار الحكومي الصادر سنة 2009 بقطع العلاقات مع مجلس مسلمي بريطانيا، على خلفية تصريحات لأحد المنتمين إليه يتبنى فيها خيار العمل المسلح ضد إسرائيل.

ومنذ أكثر من عقد ظلت العلاقات شبه منعدمة بين الطرفين، ولم تنجح الكثير من الأحداث في كسر جبل الجليد، إلى حين انتخاب زارا محمد أول سيدة في هذا المنصب، وهو حدث استأثر باهتمام إعلامي وسياسي كبير، وجدد الاهتمام بمجلس مسلمي بريطانيا باعتباره المظلة الجامعة لأكثر من 500 مؤسسة مسلمة في المملكة المتحدة.

لقاء مثير

في الظروف العادية، كان يمكن للقاء أن يكون حدثا عاديا لولا أنه يعتبر من اللقاءات النادرة بين مسؤول حكومي بريطاني وممثل عن المجلس منذ 12 سنة، ويخالف القرار الحكومي "صفر تعامل" مع المجلس.

وكتبت الوزيرة موردونت التي سبق أن شغلت منصب وزيرة الدفاع قبل عامين، تغريدة تعبر فيها عن سعادتها بلقاء زارا محمد، وعن استعدادها للعمل معها ومع فريقها، مما أثار علامات استفهام واستنكار لدى المحافظين واليمينيين الذين وصفوا اللقاء بأنه صادم.

ويستمد اللقاء أهميته من وزن الوزيرة في الحكومة وفي حزب المحافظين، حيث تعتبر من القياديين والعناصر المهمة في فريق رئيس الحكومة بوريس جونسون، مما دفع الحكومة لتسريب موقفها عبر الإعلام بأن اللقاء لا يعبر عن توجّه حكومي، ولم يتم بالتنسيق مع الحكومة، وبأن موردونت تصرفت بصفة شخصية.

تبرير لم يقنع كثيرين بالنظر لحساسية موقع الوزيرة، مما دفع مصادر حكومية للتصريح لجريدة "تلغراف" (Telegraph) بنبرة تحذيرية، تنبه لكون الوزيرة قد تجاوزت الخطوط المسموح بها، وأنها وضعت يدها في "المياه الساخنة" بالنظر إلى حساسية هذا الملف.

ولاذت الوزيرة بالصمت بعد اللقاء في انتظار مرور العاصفة، مما دفع بعض التحليلات لأن تذهب في اتجاه تفسير اللقاء بأنه محاولة من جهات رسمية لجس النبض ومعرفة ردود الفعل في حال تقرر فتح ملف إعادة العلاقات مع مجلس مسلمي أوروبا.

الغاضبون من اللقاء

لم يتوقف الغضب من هذا اللقاء عند حدود أعضاء في الحكومة، بل اللافت هو المواقف المعبر عنها من صحفيين ومراكز أبحاث يمينية محافظة، إضافة لمواقع معروفة بدعمها لإسرائيل.

وهكذا نجد أن رئيس التحرير السابق لجريدة دايلي تلغراف يحذر من خطورة اللقاء، ويعتبره دعما "للتطرف" على حساب الإسلام المعتدل، وأنه "خطأ فادح يظهر ضعف حكومة جونسون أمام تكتل يحمل أفكارا متطرفة لم يتخل عنها".

ويذهب الكاتب المعروف بأفكاره اليمينية لاعتبار انتخاب زارا محمد رئيسة للمجلس، "خطة" تهدف لاختراق الأروقة الرسمية بدلا من "رجل ملتح".

وعبّرت صحف ومراكز أبحاث يمينية عن نفس الأفكار، وإن كان ذلك بمفردات مختلفة لكن المضمون هو التحذير من أي مراجعة حكومية لقرار مقاطعة مجلس مسلمي أوروبا، وعلى نفس النهج سارت مواقع بريطانية معروفة بدعمها لإسرائيل.

أبواب مفتوحة

على الجهة المقابلة، يمكن تحليل موقف مجلس مسلمي بريطانيا من خلال عنصرين: الأول انتخاب زارا محمد رئيسة للمجلس، فقد نجحت في أسابيعها الأولى من إعادته لدائرة الاهتمام الرسمي والإعلامي، وهناك رغبة في استغلال هذا الزخم لإعادة هذه المؤسسة لموقعها الطبيعي داخل النقاش العام البريطاني.

أما العنصر الثاني فهو الدور المهم الذي لعبه المجلس خلال وباء كورونا في تقديم المساعدة للأقليات، وكان بمقدوره القيام بالمزيد لو فتحت معه الحكومة قنوات الاتصال، وهذا ما ذهب له المجلس من خلال دق ناقوس الخطر عبر مقال منشور في صحيفة "غارديان" (The Guardian) مفاده أن انعدام التواصل مع الحكومة أدى لحدوث مآس خلال الوباء.

وكان التواصل بين المجلس وأعضاء من الحكومة العمالية سنة 2010 يتم بشكل غير رسمي، وكذلك مع وزراء الحزب الليبرالي الديمقراطي حين دخوله في تحالف حكومي مع المحافظين، لكن مصادر في المجلس أكدت أن كل الأبواب تقريبا تم إغلاقها منذ وصول جونسون للحكم، بسبب الانتقادات التي كان يوجهها المجلس لتصريحات جونسون بشأن المسلمين وخصوصا تصريحه الشهير ضد المنقبات وتشبيههن بلصوص البنوك.

ولهذا شكلت خطوة الوزيرة البريطانية حركة مفاجئة للكثيرين، ويحاول المجلس من خلالها جسر الهوة مع الحكومة، حيث أرسل الكثير من الرسائل الإيجابية لصانعي القرار مفادها بأن انتخاب زارا محمد يشكل بداية مرحلة جديدة وفرصة يجب استغلالها.

ويؤكد المجلس أن أبوابه ستبقى مفتوحة من أجل التعاون لما فيه مصلحة الجميع، ملقيا الكرة في ملعب الحكومة التي ما زالت مصرة -عبر تصريحات غير رسمية- على أن موقفها من المجلس لم تتغير حتى الآن.

المصدر : الجزيرة