بعد تسيير السفينة الجانحة.. ماذا تعرف عن دور المرشدين بقناة السويس؟

السفينة "إيفر غيفن" تعبر قناة السويس بعدما تسبب جنوحها في تعطل الملاحة الدولية لأسبوع (الأوروبية)

ما إن انفرجت أزمة السفينة الجانحة بقناة السويس، حتى بدأت الحكومة المصرية في مواجهة تحدٍّ من نوع آخر هو تسيير السفن المنتظرة في البحرين المتوسط والأحمر والتي يبلغ عددها نحو 422 سفينة تجمعت على مدى الأيام السبعة التي توقفت فيها الملاحة بالقناة.

وبعد أن بذل المهندسون وعمال القاطرات والكراكات مجهودا كبيرا لعدة أيام من أجل إعادة تموضع السفينة الجانحة "إيفرغيفن" في مسارها الصحيح، التقط مرشدو السفن خيط العمل ليبدؤوا بدورهم حل الجزء الأخير من الأزمة التي أربكت الملاحة والتجارة الدولية.

وأكد مسؤولون رسميون بالحكومة المصرية قدرة المرشدين بهيئة قناة السويس (الهيئة الحكومية المكلفة بإدارة القناة) على تجاوز أزمة تكدس السفن المنتظرة في مدة تقل عن 4 أيام.

وهذا الدور الذي ألقي مؤخرا على عاتق المرشدين يعيد للأذهان عملا تاريخيا قاموا به إبان تأميم قناة السويس قبل نحو 65 عاما حيث نجحوا في تمزيق ورقة ضغط حاولت إنجلترا اللعب بها لوقف حركة السفن بالممر الملاحي.

وكانت السفينة "إيفر غيفن" جنحت أثناء عبورها قناة السويس، الثلاثاء الماضي، ما أدى لتوقف حركة الملاحة بقناة السويس التي يمر من خلالها نحو 12% من إجمالي التجارة العالمية.

من هو المرشد؟

مرشدو هيئة قناة السويس هم مجموعة من الخبراء في قيادة السفن يتولون إرشاد أي سفينة عابرة للقناة لضمان إبحارها في المسار الصحيح داخل الممر الملاحي الذي يمتد لـ193 كيلومترا، ووفق الإحصاءات الرسمية يبلغ عددهم 300 مرشد.

وعند اقتراب السفينة من مدخل القناة ينتقل المرشد إلى ظهرها ويعمل مع طاقمها من داخل غرفة التحكم في السفينة، حيث يتولى مع ربان المركب عمليات القيادة ومتابعة حركة سير السفن التي تسبق سفينته ويحاول تفادي أي خطأ قد يتسبب في تعطيل حركة الإبحار، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي لخسائر تقدر بملايين الدولارات.

وحسب القبطان نادر ناجي، أحد مرشدي القناة، فإن المركب هي في الأساس مسؤولية الربان لكن في المناطق الضيقة يكون الدور والقيادة للمرشد، لأن خبراته بها أفضل حيث يستخدم طرقا تأمينية مناسبة، "فدور المرشد ناصح وموجه لربان السفينة منذ ركوبه عليها وحتى نزوله منها" حسب وصفه.

وفي تصريحات صحفية سابقة، أوضح ناجي أن توقيت العمل اليومي للمرشدين يمتد من 8 إلى 10 ساعات، مضيفا أنه في أيام تزاحم السفن قد يستريح المرشد 3 ساعات فقط ثم يعود ليستكمل عمله.

وتستقبل هيئة قناة السويس المتقدمين للعمل بوظيفة مرشد بحري، من خريجي الأكاديمية العربية للنقل البحري -مقرها الإسكندرية وتابعة لجامعة الدول العربية- إلى جانب من أنهوا خدمتهم في سلاح البحرية بالجيش المصري.

ويتطلب عمل أي مرشد بهيئة قناة السويس حصوله على شهادة ربان أعالي البحار إلى جانب خبرة لا تقل عن 5 سنوات.

وترتبط الترقيات في مهنة الإرشاد بحمولة السفن التي يقودونها، فمثلا يبدأ المرشد الجديد بالعمل مع سفن لا تتجاوز حمولتها 20 ألف طن، ومع اكتساب الخبرة وتلقي الدورات التدريبية تصبح الحمولة أكبر، وينقسم المرشدون في مراتبهم إلى مرشد ومرشد رئيسي ومرشد ممتاز وكبير مرشدين، وتتم الترقية كل 4 سنوات.

ويرتدي المرشدون زيا خاصا، يكون عبارة عن قميص أبيض منقوش عليه شعار هيئة قناة السويس، وبنطلون أسود، ويكون الحزام والحذاء باللون الأسود أيضا فضلا عن قبعة خاصة "كاب".

دور تاريخي

يرتبط ذكر مرشدي قناة السويس بذكرى تأميم الممر الملاحي عام 1965 ليصبح شركة مساهمة مصرية بعد أن كان تحت سيطرة إنجلترا قوة الاحتلال السابقة لمصر وفق حقوق امتياز.

فمع إعلان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرار التأميم استخدمت لندن ورقة المرشدين الأجانب للضغط على السلطة المصرية حيث سحبتهم من مواقعهم بالقناة في ليل الرابع عشر من سبتمبر/أيلول 1956 من أجل تعطيل حركة الملاحة.

واعتقدت انجلترا وقتئذ أن المصريين لن يستطيعوا تشغيل القناة بعد انسحاب العاملين الأجانب، حيث لم يتبق من جهاز الإرشاد سوى 52 من أصل 207 مرشدين.

لجأت الحكومة المصرية إلى الدفع بعناصر جديدة من البحرية المصرية واستعانت بمرشدين أجانب جدد، وواصلوا جميعا العمل على مدار اليوم ونجحوا بالفعل في تسيير جميع السفن، ما دفع عبدالناصر وقتئذ إلى منحهم وسام الاستحقاق.

وتخليدا لدور المرشدين في إتمام نجاح عملية تأميم قناة السويس، تحتفل هيئة قناة السويس يومي 14 و15 سبتمبر/أيلول من كل عام بعيد المرشد.

 

كفاءة وعمل متواصل

ويحاول مرشدو قناة السويس بكل طاقاتهم التعامل مع تكدس السفن المنتظرة في البحرالأحمر وكذلك الأبيض المتوسط، وفق ما أكده مسؤولون رسميون.

من جانبه، قال كبير المرشدين في هيئة قناة السويس، القبطان محمد رشدي، إنه سيتم تصميم قوافل للسفن بشكل يحقق أكبر معدل يومي لعبور السفن ربما في تاريخ قناة السويس، وإن تطلب الأمر إرشاد 3 سفن في اليوم لكل مرشد.

وأضاف -في تصريحات صحفية- أن كل المرشدين يشاركون في تسيير السفن بما في ذلك المرضى منهم، حيث أكد أن "المرشدين المرضى خرجوا من المستشفيات للمشاركة في عملية مرور السفن، وأنا غير مبالغ فيما أقول".

وفي الإطار نفسه صرح رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، خلال مؤتمر صحفي، بأن عدد المرشدين للسفن داخل القناة كاف جدا، مؤكدا مواصلة العمل 24 ساعة حتى تنتهي أزمة تكدس السفن في الممر الملاحي.

المصدر : الجزيرة