ارتفاع واردات مصر من السلاح.. كفاءة قتالية أو أسباب أخرى؟

تدريبات مشتركة للقوات البحرية المصرية والفرنسية (صفحة المتحدث العسكري المصري)

شهدت واردات السلاح في منطقة الشرق الأوسط ارتفاعا بنسبة 25% في الفترة بين عامي 2016 و2020، مقارنة بالسنوات الخمس السابقة عليها (2011-2015)، لكن المثير أن النسبة قفزت في مصر إلى 136%، وذلك وفق تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (سيري).

وكشف التقرير -الذي نُشر مؤخرا- عن أن مصر كانت من بين أكبر أسواق السلاح الفرنسي والألماني والروسي خلال الفترة المشار إليها، من دون ذكر أي دور لتصنيع السلاح محليا من أجل تقليل فاتورة الاستيراد التي تزيد يوما تلو الآخر.

ومن بين أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع واردات مصر من الأسلحة -وفق التقرير- استثمارها بكثافة في قواتها البحرية، على خلفية النزاعات مع تركيا بشأن الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط.

وبذلك تواصل مصر مسيرتها في ماراثون التسلح، بعد أن احتلت المرتبة الثالثة عالميا في استيراد الأسلحة في الفترة (2015-2019) بنسبة 5.58% من السوق العالمي، وذلك بعد السعودية والهند، وفق تقرير للمعهد نفسه صدر العام الماضي.

سباق تسلح.. وأزمة مالية

ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في منتصف يونيو/حزيران 2014 دخلت مصر سباق التسلح، وسط تساؤلات عن أسباب هذا الإنفاق الضخم في حين يعاني اقتصاد البلاد من أزمات متتالية.

وتعرض الاقتصاد المصري لأزمات عدة خلال السنوات الماضية، مثل تراجع الاحتياطي النقدي، وانخفاض قيمة الجنيه، وتخفيض دعم السلع والخدمات الرئيسية، وزيادة الضرائب والرسوم، وتواصل ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى وصول الدين الخارجي إلى رقم تاريخي تجاوز 125 مليار دولار، وفق البنك المركزي المصري.

وبلغ عجز الموازنة العامة للدولة 462.7 مليار جنيه خلال العام المالي الماضي (الدولار يساوي 15.75 جنيها)، أي ما يعادل 7.89% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة.

ويتزامن هذا النهم لشراء السلاح ومضاعفة مصر من قدراتها البحرية والجوية مع تصاعد التوتر في منطقة شرق المتوسط بعد اكتشافات الغاز الطبيعي بشكل ضخم من جهة، وفشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا من جهة أخرى.

ويقول المسؤولون العسكريون المصريون إن مصر حريصة على تنويع مصادر أسلحتها، قدر حرصها على رفع كفاءة القوات المسلحة لمواكبة التطورات الحديثة، ومواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة، والحفاظ على مواردها.

واستبعد مراقبون وسياسيون مرارا دخول مصر في صراع مسلح مباشر على أي جبهة كانت، سواء على جبهتها الغربية في ليبيا، أو في شرق المتوسط، أو في أزمتها مع إثيوبيا بسبب قضية سد النهضة، أو غيرها من الملفات الخارجية.

التصنيع المحلي

تلك الزيادة في استيراد السلاح تكشف عن عيب خطير، حسب عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب سابقا أسامة سليمان، "وهو أن مصر تعتمد على استيراد السلاح بشكل واضح، ولا يوجد أي دور للمكون أو التصنيع المحلي، مما يلقي بظلال من الشكوك حول سبب اعتمادها على الاستيراد بدل التصنيع، كما في تركيا التي جاء في ذات التقرير أنها قللت وارداتها بسبب اعتمادها على الصناعات المحلية".

وأوضح سليمان -في تصريحات للجزيرة نت- أن العامل المشترك في كل تلك الصفقات خلال السنوات الماضية هو غياب الشفافية، مما يطرح العديد من التساؤلات؛ ومن بينها: ما كمية الأسلحة الحقيقية المستوردة داخل مصر وخارجها؟ وهل تم التدريب عليها بشكل كاف؟"

وتابع سليمان: "هل تسمح ميزانية الجيش المصري بهذا الإنفاق؟ أو أن الأسلحة لحساب دول أخرى؟ وما حقيقة احتياج مصر لهذا الكم في ظل السلام الدافئ مع إسرائيل منذ 40 عاما؟"

وأشار البرلماني السابق إلى أن كلمة السر تكمن في نسبة العمولة من هذه الصفقات لجيوب المسؤولين في الرئاسة والجيش، حسب وصفه.

واستبعد أن يكون لتلك الصفقات دور في تسوية أي نزاع خارجي، قائلا "واضح أن هناك عدم رغبة في إشعال أي حرب سواء في أزمتها مع إثيوبيا في ملف سد النهضة، أو في شرق المتوسط؛ لأنه لا توجد دولة من دول شرق المتوسط أعلنت تعديها على حدود مصر البحرية، بما فيها تركيا التي منحت مصر حدودا أوسع في ترسيمها لحدودها البحرية مع ليبيا".

وفيما يتعلق بتزويد الغرب لمصر بالسلاح رغم انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة، أكد سليمان أن الدول الأوروبية تتعامل وفق مصالحها الخاصة أولا، وكما صرح أكثر من مسؤول أوروبي فإن صفقات السلاح لن تتأثر بهذا الملف.

أسباب وأدوار خفية

بدوره؛ قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية ممدوح المنيّر "لا يمكن أن تكون صفقات السلاح هذه هدفها الرئيسي هو رفع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة".

وأشار المنيّر في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه الصفقات ثمن لبقاء السيسي أكثر من كونها احتياجا للقوات المسلحة؛ مضيفا "هو يشتري بها صمت الغرب كما يشتري بها قادة الجيش الذين أصبحوا يعملون سماسرة سلاح، وعمولات هذه الصفقات لا تغيب عن أحد"، حسب قوله.

كما أن لها بعدا جيوسياسيا أكثر من كونه عسكريا، ويوضحه المنير بالقول إن تقارير دولية تتحدث عن أن نوعيات السلاح المشتراة ليست مفيدة في الحرب التي يقول نظام السيسي إنه يخوضها ضد الإرهاب في سيناء.

ولذلك يعتقد الباحث المصري أن هذا السلاح قد يكون لأدوار تعد لها مصر في الخفاء كالمشاركة في الحروب الدائرة بالمنطقة، لكن فيما يتعلق بشرق المتوسط فإن ذروة توتر العلاقات مضت، كما أن حسم أزمة ملف سد النهضة عسكريا غير وارد في ظل الوضع الاقتصادي للبلاد، وإدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.

تسليح كبير وتراجع في القوة

في المقابل، عظّم بعض الخبراء العسكريين المصريين دور التسلح في زيادة قوة الجيش المصري، وفي هذا السياق يرى اللواء سمير فرج، القائد السابق في الجيش المصري، أن ترتيب الجيش تقدم عالميا بفضل التسليح المستمر والمناورات ومستوى تعليم المجندين.

وأوضح -في تصريحات متلفزة سابقة- أن مصر لديها مستوى تعليم عال للمجندين فيها وكثير منهم تخرج في كلية الهندسة، كما أن الجيش المصري يجري مناورات مستمرة بالذخيرة الحية، مبينا أن مصر أكثر دولة في العالم تقيم تدريبات مشتركة.

لكن المفارقة أنه رغم حجم التسلح الكبير والمطرد، فإن ترتيب الجيش المصري على قائمة أقوى جيوش العالم لعام 2021 تراجع 4 درجات، وخرج من قائمة الدول العشر الأكثر قوة، كما تراجع إلى المرتبة الثانية بمنطقة الشرق الأوسط، وفق موقع "غلوبال فاير باور".

وحسب آخر تصنيف للموقع الذي يصدر بشكل سنوي، تراجعت مصر إلى المركز 13 عالميا، وتقدمت باكستان إلى المركز العاشر، وحلت تركيا في المركز 11، وإيطاليا في المركز 12، ثم إيران في المركز 14.

جدير بالذكر أن تصنيف "غلوبال فاير باور" يعتمد على مؤشر يستند إلى 50 عاملا، منها القدرات العسكرية والمالية واللوجيستية والجغرافية لـ138 دولة.

المصدر : الجزيرة