حرية حركة وحصانة من المحاكمات للجيش الأميركي.. جدل بالأردن بشأن "السيادة" بعد اتفاقية عسكرية مع واشنطن

قضية جديدة انفجرت في وجه السلطات الأردنية وأثارت الرأي العام تمثلت بتسريب بنود اتفاقية عسكرية بين حكومتي الأردن والولايات المتحدة بعد نشرها في الجريدة الرسمية بالأردن.

طائرة أميركية تشارك في مناورات "الأسد المتأهب في الصحراء الأردنية" (وكالة الأنباء الأوروبية)

على وقع سلسلة من الأزمات التي يعيشها الأردن في ظل الانتشار الكبير للإصابات بفيروس كورونا، انفجرت في وجه السلطات الأردنية قضية أثارت الرأي العام تمثلت بتسريب بنود اتفاقية عسكرية بين حكومتي الأردن والولايات المتحدة بعد نشرها في الجريدة الرسمية بالأردن.

وأثناء جلسة لمجلس النواب الأردني أمس الأحد، كرر النائب صالح العرموطي اتهامات لحكومة بلاده بالتفريط في سيادة المملكة، في حين رفض وزير الخارجية أيمن الصفدي هذه الاتهامات، مؤكدا أن الحكومة "لا تسمح لأي اتفاقية بأن تنتقص من سيادة المملكة".

وتنص بنود الاتفاقية -اطلعت الجزيرة نت على بنودها- على السماح للقوات الأميركية بحيازة وحمل الأسلحة على الأراضي الأردنية أثناء تأدية مهامها الرسمية، وتوفير الأردن جميع المرافق والمناطق المتفق عليها للولايات المتحدة دون إيجار أو تكاليف مشابهة، والسماح لقوات الولايات المتحدة وأفرادها بالدخول إلى الأراضي الأردنية والخروج منها والتنقل بحرية.

جنود امريكيين خلال مشاركتهم بالمناورات
جنود أميركيون أثناء مشاركتهم في مناورات الأسد المتـأهب في الصحراء الأردنية قبل سنوات عدة (أرشيف- الجزيرة)

دخول وخروج دون تأشيرات
كما تسمح الاتفاقية للطائرات والمركبات والسفن التي يتم تشغيلها بواسطة القوات الأميركية أو بالنيابة عنها بالدخول إلى الأراضي الأردنية والمياه الإقليمية الأردنية والخروج منها والتنقل بحرية فيها دون إبراز جوازات سفر أو تأشيرات لدخول وخروج الأفراد العسكريين والمدنيين المتعاقدين مع الجيش الأميركي من وإلى الأراضي الأردنية.

وأعفت الاتفاقية أيضا أفراد الولايات المتحدة من جميع ضوابط الهجرة داخل الأراضي الأردنية بما فيها دفع أي ضرائب أو جمارك أو رسوم يتم تقاضيها عند نقاط الدخول أو الخروج من الأردن.

من جهته اتهم النائب الإسلامي صالح العرموطي "اتفاقية التعاون الدفاعي" بأنها "مخالفة للدستور والقوانين"، وأنها "تنتقص من السيادة الأردنية".

وقال للجزيرة نت بعد الجلسة التي عقدت أمس الأحد إنه ما زال مصرًّا على أن "الاتفاقية تشكل خطرا على الدولة الأردنية، وبنودها تشكل استباحه كاملة للسيادة الوطنية، وتمسّ أرض المملكة وماءها وسماءها دون مقابل، وأكثر من ذلك توفر الحماية اللازمة والضرورية لهذه الاستباحة".

جنود امريكيين خلال مشاركتهم بالمناورات
جنود أميركيون أثناء مشاركتهم في مناورات في الصحراء الأردنية (أرشيف- الجزيرة)

حيازة الأسلحة داخل المملكة
وتابع العرموطي أن "الاتفاقية تتغول على السلطة القضائية والقضاء والتشريع، وتعطل القوانين والتشريعات السارية، وتسمح للقوات الأميركية بحيازة وحمل الأسلحة داخل المملكة، وتوجب على الأردن أن يوفر جميع المرافق والمناطق المتفق عليها للولايات المتحدة دون إيجار أو تكاليف مشابهة".

أكثر ما يضحك في اتفاقية التعاون الدفاعي بين الحكومة الاردنية والحكومة الامريكية ، هو اسمها. ليس لهذه الاتفاقية من اسمها…

تم النشر بواسطة ‏‎Akef Al Daoud‎‏ في الجمعة، ١٩ مارس ٢٠٢١

ويرى العرموطي -وهو نقيب سابق للمحامين- أن الاتفاقية منحت حصانة مطلقة لقوات وأفراد الولايات المتحدة، مع التنازل عن جميع المطالبات وعدم الملاحقة قضائيا أو المساءلة عن أي ضرر أو فقدان أو تدمير ممتلكات أو وفاة أو إصابة ارتكبت من قبل القوات الأميركية على الأراضي الأردنية.

وعلى النقيض تماما مما ذهب إليه العرموطي، رفض نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي هذه الاتهامات.

وقال الصفدي، في أثناء جلسة البرلمان أمس، إن الاتفاقية "تؤطر التعاون العسكري والأمني بين القوات المسلحة الأردنية والجيش العربي ونظيره الجيش الأميركي، ويعود ذلك إلى عقود سابقة، وهذا التعاون لا يخوّل القوات الأميركية القيام بأعمال قتالية داخل الأراضي الأردنية، بل يقتصر على الجانب التدريبي والتعاون في محاربة الإرهاب".

سرب طائرات عسكرية قبيل مشاركته بالاشتباكات خلال المناورات - سوريا الحاضر الغائب بمناورات الاسد المتاهب - محمد النجار – الصحراء الجنوبية للاردن
طائرات عسكرية شاركت في مناورات الأسد المتأهب في الأردن مع القوات الأميركية (أرشيف- الجزيرة)

لا تمسّ السيادة الوطنية
وكرر الصفدي، في معرض رده على العرموطي، مرات عدة، أن الاتفاقية "لا تمسّ السيادة الوطنية"، وتابع أن "الأردن لا يقبل أي استعمار، ولا تسمح الاتفاقية لقوات الجيش الأميركي بالقيام بأي أعمال قتالية من داخل أراضي المملكة، بل تأتي في إطار التدريب، والقرار السيادي لكل ما تقوم به هو للأردن".

وأشار الصفدي إلى المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة للأردن، لافتًا إلى أن الأردن تلقى على مدى سنوات مساعدات عسكرية أميركية بنحو 425 مليون دولار سنويا، وأن مفاوضات مطولة أجريت بشأن الاتفاقية المتضمنة لـ19 مادة وملحقا لتحديد الوضع القانوني للقوات الأميركية والموظفين المدنيين التابعين لوزارة الدفاع الأميركية، ولتنظيم العلاقة بين قواتنا المسلحة الباسلة والقوات الأميركية.

بدوره اتفق نقيب المحامين الأردنيين مازن ارشيدات مع ما ذهب إليه النائب العرموطي من أن الاتفاقية فيها "مسّ مباشر وصريح بالسيادة الوطنية"، مؤكدا أن المس "لا يكون بالانتقاص من حقوق الأردن المالية فقط، بل بأن تسمح بنود الاتفاقية للقوات الأميركية بممارسة الأعمال كافة دون حسيب، وهذا هو المس بالسيادة".

وتابع أن أي اتفاقية يفترض أن تتضمن "المعاملة بالمثل بين الطرفين، وأن يكون هناك توازن في الواجبات والحقوق للطرفين".

العاهل الاردني يتابع التمرينات ويستمع لشرح قادة عسكريين - سوريا الحاضر الغائب بمناورات الاسد المتاهب - محمد النجار – الصحراء الجنوبية للاردن
العاهل الأردني يتابع تمرينات أثناء مناورات بمشاركة القوات الأميركية في الصحراء الأردنية (أرشيف- الجزيرة)

هل يحظى العسكري الأردني بالمثل؟
وتساءل ارشيدات "هل يحظى ويعامل العسكري الأردني في الولايات المتحدة كما يعامل العسكري الأميركي بالأردن؟ وهل يمتلك الأردن قواعد عسكرية في أميركا كما تمتلك أميركا في الأردن؟".

وختم حديثه بالتأكيد على وجوب "عرض الاتفاقية الموقعة بين الحكومتين الأردنية والأميركية على مجلس الأمة الأردني، قبل نشرها بالجريدة الرسمية ليقول المجلس كلمته فيها".

وبين نفي الحكومة وتأكيد منتقدين للاتفاقية، تحولت الاتفاقية إلى قضية رأي عام حازت مساحة واسعة من الجدل عبر منصات التواصل بين مطالب بإلغائها، أو تعديلها، في حين ذهب البعض نحو التشكيك بما تم تداوله بشأن وثائق على منصات التواصل.

المصدر : الجزيرة