بعد عقد على الثورة.. فاتورة التدخل الروسي والإيراني في سوريا

بعد مضي 10 سنوات على اندلاع الثورة السورية، لا يبدو أن التدخل الروسي والإيراني في سوريا سينتهي قريبا، فالبلدان يحققان مصالح كبرى على الأرض ويفرضان نفوذهما في كل مناحي الحياة في سوريا.

الرئيسان السوري (يسار) والروسي يتفقدان القاعدة العسكرية الروسية في حميميم باللاذقية (الفرنسية)

شكّل التدخل الروسي والإيراني في الحرب بسوريا نقطة تحول في مسار الثورة، حتى بات النظام السوري وكأنه عاجز عن إخراجهما من سوريا في حال رغب في ذلك، أو وصل إلى ما يريد في البلاد. فلم تكتفِ روسيا وإيران بدعم النظام عسكريا، بل عملتا على ترسيخ وجودهما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، حتى إنهما في بعض مراحل النظام سابقا بين طهران وموسكو؛ كانتا كأنهما تغنمان أو تتلقيان أجريهما لقاء مساندة النظام السوري.

ومع مرور 10 سنوات على انطلاق الثورة السورية، تبدو المناسبة فرصة للكشف عن فاتورة تدخل إيران وروسيا في البلاد، فدخولهما بثقلهما إلى جانب النظام السوري جعلهما تتمكنان من السيطرة على مفاصل الدولة في جميع المجالات، ولعل أبرزها العسكرية والاقتصادية بالنسبة لروسيا، والعسكرية والاجتماعية أو ما يصفها الشعب السوري "بالطائفية" بالنسبة لإيران.

تتمتع إيران بنفوذ واسع في سوريا خصوصا على الصعيد الاجتماعي (الفرنسية)

فقد عملت روسيا في أثناء فترة تدخلها على إنشاء فيلق جديد في جيش النظام يتبع شكليا لقيادة جيشه، لكنه فعليا يُدار من قبل ضباط روس، فضلًا عن أن الأسلحة التي تزود بها موسكو النظام تصل إلى الفيلق الخامس الذي يواليها. أما إيران فقد عززت سيطرتها على الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، فضلًا عن مليشياتها المنتشرة في كل أرجاء البلاد.

واقتصاديا، مثّل استحواذ روسيا على ميناء طرطوس هدفا إستراتيجيا عسكريا واقتصاديا، فقد ضمنت موسكو مكانها في البحر المتوسط لعشرات السنوات المقبلة، وبدأت بالحصول على موارد المرفأ، إضافة إلى شركات عقارية واتفاقيات مثل اتفاقية الفوسفات السوري الذي سبب صراعا بين إيران وروسيا من أجل الحصول عليه، أما إيران فقد عززت من نشاطاتها التبشيرية في مناطق سورية بعينها، تمهيدا لمحاولات أوسع في جميع المناطق السورية، كما عملت اقتصاديا على إنشاء شركات وشراكات مع النظام السوري ورجال أعماله، أبرزها مشغل اتصالات جديد تعتزم طهران إطلاقه في البلاد.

الطيران العسكري الروسي اضطلع بدور محوري في إنقاذ نظام الأسد من السقوط (الفرنسية)

الفرق بينهما

ويعتقد السوريون المعارضون للنظام أن الأهداف الأساسية والمهمة لروسيا وإيران في سوريا ليست واحدة، فيقول مدير موقع "كلنا شركاء"، السوري أيمن عبد النور، إن الفرق بين التدخلين كبير ويحمل جوانب مختلفة بالنسبة للشعب السوري. فالتدخل الروسي محصور في المجالين العسكري والاقتصادي، أما التدخل الإيراني فيغير ثقافة المجتمع بإرسال أعداد كبيرة من إيران والعراق حتى يحصلوا على الجنسية السورية، إضافة إلى المصالح الاقتصادية بزرع رجال أعمال جدد يعملون لمصلحة طهران.

ويرى عبد النور -في حديثه للجزيرة نت- أن الإيرانيين يسعون إلى زعزعة الدولة كمنظومة بتقوية مليشيات مثل حزب الله وغيره ممن قدموا إلى البلاد، حتى تتحول إلى لبنان ثانية.

ويتفق المحلل السياسي عبد الكريم العمر مع ما ذهب إليه عبد النور، إذ يرى أن التدخل الإيراني أكثر خطورة، خصوصا بعد بدء إيران بنشر المذهب الشيعي في سوريا. ويقول "إن طهران تحاول التوغّل في المجتمع السوري عن طريق نشر الحُسينيات في مناطق نفوذها بسوريا".

على مدى 10 سنوات رسّخ الروس والإيرانيون نفوذهم في سوريا على كل الصعد (الفرنسية)

نهاية التدخلين

لا يرى المعارضون أن النظام السوري قادر على إيقاف التدخل الإيراني والروسي، إذ تحولت البلاد بنظرهم إلى مناطق نفوذ للدولتين، وهذا ما يؤكده العمر -للجزيرة نت- بقوله "إن تعيين ضباط جيش النظام في مناطق مهمة بسوريا يكون بناء على ولائهم لإحدى الدولتين"، يقصد روسيا وإيران. ويضيف أن وجود إرادة دولية وتطبيق بيان جنيف والقرار 2254 يمكن أن يعيد الأمور في البلاد إلى نصابها كما كانت قبل 2011.

في حين يرى عبد النور أن الظروف الإقليمية والدولية غير متوفرة لتقييد حركة طهران وموسكو، لكنه توقع أن يكون الوجود الروسي في سوريا مقتصرا على قاعدتها العسكرية في البحر المتوسط وبعض النفوذ الاقتصادي، إذا ما توفرت الإرادة الدولية، أما الوجود الإيراني فينظر إليه عبد النور بتعقيد أكثر، لأنه متعدد الجوانب ويعمل على نشر المذهب الشيعي بين السنة وحتى بين العلويين.

ووجود وسيطرة إيران وروسيا في سوريا غيّر ملامح البلاد بشكل كامل، حتى في حال التوصل إلى حل سياسي فالسوريون قلقون مما تسعى إليه الدولتان، خصوصا التحركات الإيرانية التي تفاقمت بعد عقد على انطلاق الثورة، وأصبحت تحتفظ بمناطق نفوذ وقاعدة فكرية جديدة تحديدا في صفوف مؤيدي النظام دون النظر إلى طائفتهم، لكن ما يتفق عليه الجميع أن البلاد لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011 على جميع الأصعدة؛ اجتماعيا وعسكريا واقتصاديا ودينيا.

المصدر : الجزيرة