هل انتصر المصريون في معركتهم ضد قانون الشهر العقاري

عمارة أهلية وحي سكني شعبي
القانون كان يهدد المصريين برسوم باهظة لتسجيل عقاراتهم (الجزيرة)

على غرار قانون التصالح في مخالفات البناء، تراجعت السلطة المصرية للخلف، ليس خطوة واحدة وإنما خطوتان فيما يتعلق بالقانون الخاص بتسجيل العقارات.

وأثار القانون الأخير، قبل أيام من سريان مفعوله الذي كان مقررا في السادس من الشهر الجاري، موجة كبيرة من الرفض والغضب الشعبي، سواء في الشارع المصري أو على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن بعد أن بلغ الغضب والسخط الشعبي مداه، بدا أن السلطة تفكر في التراجع، وبدأ الأمر بأخبار عن استعداد نواب بالبرلمان لاقتراح تعديل جديد على القانون، قبل أن تعلن الحكومة المصرية مساء الأحد التراجع خطوة للوراء بإرجاء العمل بالقانون حتى نهاية العام الجاري.

ولم يقتصر الأمر على ذلك من جانب السلطة، حيث عادت بعد يوم واحد للتدخل، ولكن هذه المرة عبر أعلى مستوياتها، حيث طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي مد تأجيل تطبيق القانون إلى عامين.

 

وأضاف بيان صدر عن الرئاسة المصرية مساء الاثنين أن السيسي وجّه بتأجيل تطبيق القانون لمدة انتقالية لا تقل عن عامين، وذلك بهدف إتاحة الفرصة والوقت لإجراء حوار مجتمعي، مع إعداد الحكومة مشروع قانون يحقق ذلك التأجيل.

لكن قرار السيسي الذي لقي تهليلا كبيرا من الإعلام المؤيد للسلطة فور صدوره، انطوى على جانب ملغوم، حيث طلب أيضا استبدال الضريبة بدفع رسوم أخرى (لم يحددها)، وأن يتم خلال تلك الفترة الانتقالية تحصيل قيمة ثابتة مقطوعة مخفضة وواضحة عند تسجيل الأملاك حسب مساحة ونوع الملكية، وذلك بدلاً من الضريبة المفروضة في هذا الصدد على التصرفات العقارية.

ورحب مؤيدون ومعارضون للنظام بقرار السيسي، ولكن اختلف كل طرف في تفسير السبب وراء اتخاذه، وبينما اعتبره المؤيدون استجابة لمطالب الشعب ووقوفا إلى جانبه، اعتبره المعارضون إذعانا لضغوطهم وانتصارا لجهودهم في معارضته.

 

 

مخاوف أمنية

وقالت مصادر مطلعة إن هناك تقارير أمنية واستخباراتية رفعت إلى الرئاسة تحذر من تنامي غضب الشارع المصري من القانون الجديد بسبب الأعباء المالية الكبيرة التي سوف يتحملها المواطنون من أجل تسجيل وحداتهم بالشهر العقاري.

وأوضح المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن التقارير تخوفت من تكرار مظاهرات سبتمبر/أيلول 2020 التي خرجت للاحتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية، وقانون التصالح في مخالفات البناء والذي تضمن دفع رسوم باهظة من قبل المواطنين لتجنّب هدم منازلهم بدعوى مخالفتها اشتراطات البناء.

فوضى تشريعية

وصف عضو لجنة الإسكان بالبرلمان المصري سابقا عزب مصطفى ما يجري بأنه "فوضى تشريعية بسبب غياب السلطة القضائية حيث إن القوانين يتم إقرارها دون النظر إلى مدى اتفاقها مع الدستور، وليس أدل من ذلك من حجم التعديلات المستمرة على تلك القوانين".

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن قوانين مثل التصالح في مخالفات البناء والشهر العقاري تصطدم بالمبادئ الدستورية لأنها تحرم المواطنين من توصيل المرافق العامة، وهو ما يعد اعتداء على الممتلكات الخاصة، كما أن هذه القوانين كانت تنطوي على أثر رجعي وتزعزع أوضاعا كانت مستقرة منذ عشرات السنين.

الخطوة الصحيحة من أجل تصليح هذا القانون، وفق البرلماني المصري السابق، هي إلغاؤه تماما وكأنه لم يكن، خاصة وأن أكثر من 95% من عقارات مصر مستقرة على هذا الوضع، في ظل ظروف الوباء والغلاء سيصيب قطاع العقارات بانتكاسة كبرى.

جباية أم حماية؟

الجامع المشترك للقانونين السابقين، وقوانين أخرى مشابهة، وفق كثير من النشطاء والمنتقدين، هو "الجباية" وجمع أكبر قدر ممكن من المال من جيوب المواطنين من أجل سد عجز الموازنة المتفاقم جراء الديون المتزايدة.

لكن على الجانب الحكومي، يؤكد المسؤلون والمؤيدون للسلطة أن الهدف هو حماية "حقوق الدولة" وأملاكها، وتقنين أوضاع المخالفات، وتنظيم عمليات البناء، ومراقبة جودة الإنشاءات، وتحقيق أكبر استفادة للوحدات السكنية، ومنع حدوث أي منازعات عليها.

وبرر وزير العدل عمر مروان تلك القوانين بسعي الدولة إلى تأمين ملكية المواطنين للثروة العقارية وتعظيم الاستفادة منها، فضلاً عن ضبط وتأمين السوق العقاري، وكذلك القضاء على البناء غير المرخص والعشوائيات.

ويرد المنتقدون على ذلك بأن الدولة حصلت على كل حقوقها بعد أن ضاعفت رسوم استخراج التراخيص والخدمات من مياه وصرف صحي وكهرباء وغاز وتأمينات وطرق وغيرها، ولم تقدم للمواطنين أي دعم يذكر في ظل ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء.

واتهموا السلطة، التي تحولت إلى مقاول كبير، بمحاولتها تضييق الخناق على العقارات الخاصة لصالح مشروعاتها العقارية الضخمة التي تقوم بها في أكثر من محافظة ومدينة جديدة، وتروج لها، وتضم مباني سكنية وإدارية وتجارية وترفيهية وفندقية وخدمية على مساحات شاسعة.

وبحسب المستشار محمد سليمان، رئيس محكمة سوهاج سابقا، فإن القانون معيب على غرار قانون التصالح في مخالفات البناء، مضيفا في تصريحات للجزيرة نت أن الشعب لم يتخلص بعد من آثار قانون التصالح الذي استنزف أموالهم، مشيرا إلى أن الهدف ليس حماية أملاك المواطنين بل جمع المال، ولكن غضبة المصريين أخافت النظام.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد المباني في مصر لأغراض السكن 13 مليونا و466 ألف مبنى في التعداد السكاني لعام 2017.

وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي فور إعلان السيسي عن قرار التأجيل إلى ساحات لكيل المديح والذم من جانب المؤيدين والمعارضين، وكانت أشبه ما تكون بـ"ليلة الشهر العقاري في مصر"، حيث تنفّس الجميع الصعداء بقانون لم يرحب به أحد.

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة