في ذكرى وفاته.. تعرف على سعدون حمادي أول سياسي عراقي يشغل رئاسة الحكومة في عهد صدام

القوات الأميركية اعتقلت سعدون حمادي أشهرا عدة ثم أطلقت سراحه

Picture dated 12 November 2002 shows Iraq's former parliament speaker Saadun Hammadi during an emergency parliamentary
حمادي قضى حياته بين الدعوة إلى الوحدة العربية وكتابة الدراسات التي تخدم هذا الهدف (الفرنسية)

كثيرة هي الشخصيات العراقية التي مرّت على البلاد وتركت بصمة واضحة في السياسة والعلوم، وذاع صيتها في الوسط الأكاديمي والعمل السياسي ولسنوات طويلة، ويعدّ سعدون حمادي أحد أبرز السياسيين العراقيين لعقود طويلة نظرا لما شغله من مناصب وزارية وأكاديمية.

ولد سعدون حمّادي في مدينة كربلاء (جنوب بغداد) عام 1930، وبعد تلقّيه التعليم الإبتدائي والثانوي حصل على منحة دراسية من وزارة المعارف العراقية (التربية حاليا) لإكمال دراسته في الجامعة الأميركية ببيروت في تخصص الاقتصاد حيث تخرج فيها عام 1952، كما يذكر الكاتب حميد المطبعي في كتابه (موسوعة أعلام العراق في القرن الـ20).

ويقول المطبعي -الذي كان صديقا لحمّادي- إنه بعد إتمامه دراسته الجامعية، سافر إلى الولايات المتحدة ليدرس الماجستير في جامعة ويسكنسون، وتخرج فيها عام 1955 متخصصا في الاقتصاد الزراعي، ثم نال من الجامعة ذاتها شهادة الدكتوراه عام 1957 عن أطروحته (إنشاء ضريبة أرض في العراق).

من جانبه، يقول المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل، إبراهيم العلاف، إن حمّادي تزوج مرتين، الأولى بامرأة فلسطينية من عائلة الكيالي وله منها 5 أولاد، وبعد وفاتها تزوج مرة أخرى بامرأة عراقية قريبة له من مدينة كربلاء.

أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل والمؤرخ إبراهيم خليل العلاف - الجزيرة نت
العلاف رأى أن مؤهلات سعدون حمادي رشحته لتبوّؤ كثير من المناصب حتى عام 2003 (الجزيرة)

مسيرته السياسية

مسيرة حمادي السياسية بدأت منذ ريعان شبابه، إذ يذكر العلاف -في حديثه للجزيرة نت- أن حمّادي يعد من أوائل الذين أدخلوا فكر حزب البعث العربي الاشتراكي إلى العراق حينما أسس أول خلية للحزب في مدينة كربلاء أواخر أربعينيات القرن الماضي عندما كان يدرس في الجامعة الأميركية ببيروت.

وبعد عودته من الولايات المتحدة، تولى حمّادي رئاسة تحرير صحيفة الجمهورية الحكومية بعيد نجاح ثورة 14 يوليو/تموز سنة 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق، حسب العلاف الذي أشار إلى أن مؤهلاته رشحته لتبوّؤ كثير من المناصب حتى عام 2003.

وبالعودة إلى الكاتب حميد المطبعي فإنه يشير إلى أن حمادي بعد 1963 عُيّن وزيرا للإصلاح الزراعي، وبعد ثورة عام 1968 تولى منصب وزارة النفط بين عامي 1970 و1974، ثم عُيّن وزيرا للخارجية بين عامي 1974 و1982، ثم ما لبث أن انتخب عام 1984 ليحظى بعضوية المجلس الوطني (البرلمان).

أما العلاف فيذكر -في إفادة حصرية- أنه عُيّن في خضم الحرب العراقية الإيرانية عام 1982 نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، إذ كان رئيس الوزراء حينئذ رئيس الجمهورية صدام حسين، ثم بعد انتخابات البرلمان عام 1996 انتخب رئيسا للمجلس الوطني العراقي واستمر في منصبه حتى الغزو الأميركي في مارس/آذار 2003.

حصرية مرسلة من قبله - السفير الأسبق والقيادي في حزب البعث - صلاح المختار
المختار أشار إلى أن حمادي من  أهم الشخصيات التي لم تأخذ دورها المناسب لقدراته الفكرية السياسية والإدارية (الجزيرة)

خصاله وانضباطه

يذكر القيادي في حزب البعث والسفير العراقي الأسبق صلاح المختار -في حديثه للجزيرة نت- أن سعدون حمادي كان على خلاف ما كان يشاع عن جديته التي قيل إنها لا تسمح له بالابتسام أو بالتوسع في الحديث، ويؤكد أنه كان منفتحا جدا ويناقش كل التفاصيل المتعلقة بعمله والابتسامة تعلو محيّاه.

ويضيف المختار أن حمّادي يعد أحد أهم الشخصيات التي لم تأخذ دورها المناسب لقدراته الفكرية السياسية والإدارية، معللا ذلك بوجود شخصيات أخرى في العراق آنذاك كانت ذات كفاءة عالية أيضا.

ويذهب في هذا المنحى سكرتير صحيفة الجمهورية الصحفي مصطفى كامل، إذ يقول "لا يعرف عن حمّادي أي نشاط غير الالتزام الوظيفي وبدرجة عالية الانضباط، وكان يرى أن الالتزام الوظيفي جزء من الالتزام الوطني والسياسي والفكري والقومي".

ويضيف كامل الذي كانت له وقفات مع حمادي أنه اختلف معه في نقاش بعد محاضرة ألقاها الراحل في كلية الآداب بجامعة بغداد منتصف ثمانينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن حمادي على الرغم من أنه كان مسؤولًا كبيرًا في الحزب والدولة فإنه لم يمتنع عن النقاش الهادئ الموضوعي، وتقَبّل الخلاف الفكري مع طالبه من دون أي مشكلة، حسب كامل.

حصرية للجزيرة نت - الباحث السياسي إياد العناز
العناز رأى أن حمادي من أبرز المسهمين في إعلان تأميم النفط العراقي 1972 (الجزيرة)

أما الباحث السياسي إياد العناز فيذكر مزيدا من المؤهلات التي تمتع بها حمادي، مشيرًا إلى اتّسامه بشخصية هادئة وعملية أسهمت في بناء العراق الحديث، إذ امتلك رؤيته الاقتصادية ووسائله العملية في تدعيم تأميم النفط ونجح في المفاوضات التي عقدت مع الشركات الاحتكارية التي تكلّلت بإعلان تأميم النفط العراقي في الأول من يونيو/حزيران 1972.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف العناز أن إسهامات حمّادي في تقوية الاقتصاد العراقي آنذاك أهّلته ليصبح نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عام 1982، ثم مستشارا اقتصاديا، حيث استطاع حلّ كثير من المشكلات التي كانت تعترض العراق مع بدء الحصار الدولي عام 1991.

وكان لافتا أن الرئيس الراحل صدام حسين كلّف سعدون برئاسة الحكومة في 23 مارس/آذار 1991 حتى 13 سبتمبر/أيلول من العام ذاته في المرحلة التي أعقبت حرب الخليج، بعد ما شغل صدام نفسه المنصب منذ تولّيه رئاسة الجمهورية عام 1979.

اعتقاله وخروجه من العراق

وإثر الغزو الأميركي للبلاد في مارس/آذار 2003 اعتقلت القوات الأميركية سعدون حمادي أشهرا عدة في معتقل قريب من مطار بغداد الدولي، ثم ما لبثت أن نقلته إلى سجن أبو غريب الذي لم يمكث فيه إلا أشهرا قليلة، إذ أطلق سراحه في فبراير/شباط 2004 ولم يكن ضمن قائمة المطلوبين الـ55 للولايات المتحدة، حسب ما يؤكده إبراهيم العلاف.

وبعد خروجه من المعتقل انتقل إلى بيروت، واستمر في نشاطه الفكري من خلال مركز دراسات الوحدة العربية، كما أنه تنقّل بين العاصمة الأردنية عمّان ودولة قطر، إلا أن إصابته بسرطان الدم في الأشهر الأخيرة من حياته اضطرته إلى السفر إلى ألمانيا للعلاج حيث توفي يوم 17 مارس/آذار 2007.

أما المختار فيذكر -في إفادته للجزيرة نت- أن من أبرز مظاهر عفّته أنه لم يترك بعد وفاته سوى مبلغ زهيد لم يتجاوز 26 ألف دولار، أوصى بها لمؤسسة دراسات الوحدة العربية في بيروت وليس لعائلته، فضلا عن أنه قضى حياته بين الدعوة إلى الوحدة العربية وكتابة الدراسات التي تخدم هذا الهدف.

يذكر أن مركز دراسات الوحدة العربية نشر الأعمال الكاملة لسعدون حمادي في طبعة ضمّت جميع مؤلفاته بـ3 مجلدات إضافة إلى إصدارات إلكترونية.

المصدر : الجزيرة