بعد إسقاط تهم الفساد بحقه.. هل يعود دا سيلفا لرئاسة البرازيل؟

الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا في أول مؤتمر صحفي له عقب إلغاء الأحكام ضده في مقر نقابة عمال الحديد في مدينة ساوبرناردو دو كامبو في البرازيل
دا سيلفا عبّر عن سعادته بعد قرار المحكمة إسقاط التهم بحقه (الجزيرة)

"أنا ضحية لأكبر كذبة قضائية حصلت منذ 500 عام من تاريخنا". بهذه الكلمات عبّر الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا عن سعادته، بعد إسقاط كافة الاتهامات بالفساد الموجهة ضده على مدار 4 سنوات من الملاحقات القضائية.

وأعلنت المحكمة العليا في البرازيل أمس الجمعة إبطال جميع الإدانات الصادرة بحق دا سيلفا؛ مما يسمح له باستعادة حقوقه السياسية كاملة، ويمنحه الحق في الترشح للانتخابات الرئاسية العام القادم، ومنافسة الرئيس الحالي جايير بولسونارو.

واتخذ القاضي بالمحكمة العليا إدسون فاشين هذا القرار، الذي كان له وقع كبير في البرازيل؛ استنادا إلى أن محكمة كوريتيبا (جنوبي البلاد) -التي حكمت على دا سيلفا في 4 قضايا- غير مختصة وغير مخولة بالبت في هذه الملفات.

وأثار توقيت القرار ومضمونه تساؤلات وجدلا واسعين في البرازيل بين مؤيد ومعارض، واتهم الرئيس البرازيلي بولسونارو القاضي بأنه مقرب من حزب العمال، مؤكدا أن دا سيلفا بدأ حملته الانتخابية بالفعل.

وفي 2018، أصدر القاضي سيرجيو مورو -الذي أصبح لاحقا وزيرا للعدل- حكما بالسجن على لولا دا سيلفا، السياسي اليساري الشهير الذي كان رئيسا للبلاد من 2003 إلى 2011.

واتهم دا سيلفا بالفساد وتلقي الرشى، بعد تحقيقات في القضية المعروفة إعلاميا "بغسيل السيارات"، التي انطلقت في مارس/آذار 2014، وأسقطت البرلمان بسببها الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف عام 2016.

الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا في أول مؤتمر صحفي له عقب إلغاء الأحكام ضده في مقر نقابة عمال الحديد في مدينة ساوبرناردو دو كامبو في البرازيل
دا سيلفا في أول مؤتمر صحفي له عقب إلغاء الأحكام ضده في مقر نقابة عمال الحديد في مدينة ساوبرناردو دو كامبو (الجزيرة)

تاريخ طويل

ونشأ دا سيلفا في أسرة متواضعة، واضطر إلى ترك تعليمه في سن العاشرة والتوجه إلى سوق العمل لإعالة عائلته، قبل أن يلتحق بنقابة عمال الحديد إثر حادث عمل تعرض له في سن 19، وخسر بسببه أحد أصابع يده اليسرى.

وبعد سنوات، أصبح دا سيلفا رئيسا للنقابة، ثم أحد أبرز المناضلين للدفاع عن حقوق العمال في البلاد، قبل أن يتقلد زعامة الحزب اليساري الأكبر في البلاد.

وبعد سنوات من النضال، تولى دا سيلفا رئاسة البلاد بين عامي 2002 و2011، وحقق خلالها إصلاحات اقتصادية واجتماعية وانفتاحا على العالم، وصلت فيها البرازيل إلى سادس أكبر قوة اقتصادية في العالم.

وأمضى دا سيلفا (75 عاما) سنة ونصف السنة في السجن، بعد إدانته بتهمة الفساد بين أبريل/نيسان 2018 ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، وأُفرج عنه بقرار بالإجماع للمحكمة العليا، لكنه مُنع من الترشح للانتخابات.

وعند إدخاله السجن، كان رئيس البلاد الأسبق الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، حسب استطلاعات الرأي.

وبعد مرور سنتين ونصف السنة، يبدو أن دا سيلفا الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة بالرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو في الانتخابات المقبلة في 2022، فقد أبدى 50% من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم استعدادهم للتصويت له، مقابل 44% للرئيس الحالي.

Former President Lula of Brazil Makes a Speech at the Sindicato dos Metalurgicos do ABC After Being Released from Prison
دا سيلفا يلقي خطابا في جمع من أنصاره بعد الإفراج عنه عام 2019 (غيتي)

مستقبل غامض

وفي إجابة عن سؤال الصحفيين في أول مؤتمر صحفي له، قال دا سيلفا إنه يركز اليوم على القضايا الأهم بالنسبة للمواطن البرازيلي، وفي مقدمتها الضغط على الحكومة الحالية لحماية المواطنين من كارثة وباء كورونا وتحسين واقعهم الاقتصادي"، وترك أمر ترشحه مفتوحا إلى الوقت المناسب.

لكن الخبير في الشأن السياسي البرازيلي أوسفالدو أمارال أكد أن دا سيلفا بلا شك سيكون مرشحا للرئاسة القادمة في حال استمر قرار حصوله على حقوقه السياسية.

وأضاف أمارال -في حديث خاص مع الجزيرة نت- أن دا سيلفا لديه فرصة حقيقية للمنافسة، في حال استطاع تحقيق تحالفات قوية والتقرب أكثر من قوى الوسط، بالإضافة إلى تأييده القوي من قبل قوى اليسار.

وشدد على أن قرار القاضي فاشين غيّر الواقع السياسي والانتخابي بشكل كامل في البرازيل، متوقعا أن يتعرض القرار لضغوط كبيرة واستئناف؛ بهدف محاولة منع دا سيلفا من الترشح للانتخابات القادمة.

وفي إجابة عن سؤال الجزيرة له حول مسألة التوقيت، أجاب دا سيلفا خلال مؤتمره الصحفي "عليك أن تسأل المحكمة العليا لماذا انتظرت كل هذا الوقت لإلغاء المحاكمات، كنت قد طالبت بذلك خلال كل هذه السنوات، وأكدت براءتي مرارا، لكن القرار اليوم قد أصبح واضحا للجميع".

ومضى قائلا "يجب علي الاستمرار في العمل حتى أثبت تحيز القاضي مورو في قضيتي".

تجدر الإشارة إلى أن قرار إلغاء المحاكمات هو قرار تقني بعدم أحقية المحكمة في كوريتيبا بمحاكمة لولا دا سيلفا، وليس حكما بالبراءة، وإحالة القضايا إلى المقاطعة الفدرالية حيث كان يقيم الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا في قصر الرئاسة في العاصمة برازيليا.

المصدر : الجزيرة